منذ أن نشأت الدول العربية الحديثة بعد اتفاقية سايكس - بيكو التي قسمت الدول تحت الانتداب البريطاني والفرنسي وغيره، والعرب يناضلون لإيجاد صيغة حكم عادلة تلبي طموحاتهم، حيث نشأت أغلب الدول العربية كدول ملكية وراثية حكمتها أُسر وسلالات عربية محترمة الأصول وضاربة في التاريخ، إلا أنَّ الثوريون العرب استطاعوا تباعاً أن ينقلبوا على الممالك الناشئة حديثاً، بحجة أنَّ الملكيات من بقايا الاستعمار.

المحزن في التجارب العربية الثورية، أنَّ الدول الملكية التي كان يعيش مواطنوها بسعادة ووئام تحولت بعد الثورات إلى دول قمعية ودول بوليسية تكمم الأفواه وتكتم الأنفاس، وتحول مستوى العيش في تلك الدول من حالة الرفاهة إلى حالة الفقر المدقع، وأخذت شعوب تلك الدول تترحم على أيام الملكية الغابرة، وتبكي تلك السنين التي كان ينام فيها المواطن دون أن يأتيه زوار آخر الليل للاعتقال والتنكيل والغياب طويل الأمد.

إقرأ أيضاً: المغرب والسعودية... أمل الجماهير العربية

نجت مجموعة من الدول العربية من تلك الانقلابات، وبقيت ممالك وإمارات ودول تحكمها أسر نبيلة قادمة من عمق التراث العربي، وقد حافظت هذه العوائل الحاكمة على كرامة شعوبها وعلى رفاهية مواطنيها والمقيمين بها، مما جعلها في نظر العرب الثوريين اليوم مثار حسد واستهداف، فلا تُهاجَم في أغلب الأحيان إلا الدول الملكية المستقرة في حين لا تُرى عورات الثوريين.

إقرأ أيضاً: بنت القهر لوسيا السورية

عندما جاء الربيع العربي قامت الدول الثورية بالإطاحة بزعمائها وقادتها الذين تسببوا في دمارها، بعد أن كانوا هم السبب في انهيار الملكيات الحاكمة من قبلهم، والذين كانوا قد وعدوا شعوبهم أن المَن والسلوى والعسل قادم بعد إزاحة الأسر الحاكمة في تلك الإمارات والممالك، وقد صَبر العرب في تلك الدول على حكامهم الثوريين الجدد لأكثر من 50 عاماً، وكانت دولهم تنهار شيئاً فشيئاً إلى أن وصلوا إلى ما سُمي بالدمار العربي أو الربيع العربي الذي قام بتدمير المُدمّر، وأظهر المفاسد، وكشف العفن المبطن في دهاليز الحكم العربي الثوري القائم.

إقرأ أيضاً: كيف أحبط الإعلام الرقمي البروباغاندا الغربية

لقد وعد الثوريون الجدد أصحاب الفكر الطليعي حملة راية الربيع العربي شعوبهم أن في رحيل من هم في السلطة الخير الكثير والبركة والمن والسلوى من جديد، إلا أن الكارثة قد حلت بالعرب مرة أخرى، فكثير من تلك البلدان انشطر إلى نصفين كما في ليبيا وإلى ثلاثة كما في سوريا وإلى واحدة ونصف كما في اليمن من حوثيين ودولة شرعية، وقس على ذلك في باقي البلدان.

إقرأ أيضاً: هل يجوِّز الإمام الصادق النكاح الدبري؟ (2/1)

أثبتت الدول الملكية بعد هذه التجربة الطويلة في الحكم العربي لما بعد الحرب العالمية الأولى والثانية أن الدول المستقرة هي الدول التي تحكمها أُسر تجذرت في وجدان شعوبها، كما في السعودية ودول الخليج والمغرب العربي والأردن، ولنأخذ الأخيرة مثالاً على ذلك، فالأردن يشهد نهضة علمية وعمرانية وتقدماً وازدهاراً وجيشاً قوياً، في الوقت الذي يعتبر من الدول الفقيرة في الماء والنفط والمصادر الطبيعية. فالاستقرار السياسي والأمان هما ركيزة التنمية والتطور، ولنا في ليبيا والعراق مثالاً على الدول النفطية التي يضاهي احتياطها البترولي دول الخليج، ومع ذلك لا تجد شعوبها اليوم لا الكهرباء في الليل ولا المياه في النهار ولا الأمان في الشوارع.

إقرأ أيضاً: هل يجوِّز الإمام الصادق النكاح الدبري؟ (2/2)

خلاصة القول، تحتاج الدول العربية إلى استقرار في الأنظمة الحاكمة وتحتاج إلى الأمن والأمان، وبعد ذلك فإنَّ المواطن العربي حيثما كان، قادرٌ على صُنع مستقبله بنفسه، وقادرٌ على الإبداع والتقدم، كما يحدث الآن في السعودية التي انتقلت من حالٍ إلى حال، فالزائر لها يعتقد أنه في إحدى مدن تكساس الأميركية مع أفضلية الأمن والأمان، وذلك من شوارع عريضة ونظام في السير وبناء وبنية تحتية فاخرة استطاعت من خلال إبداع حكامها الجدد أن تبني على ما استثمر به الأجداد ممكلة الغد، لرفاه الشعب العربي السعودي والمقيمين بها. حفظ الله العرب جميعاً في ممالكهم وفي جمهورياتهم، والله من وراء القصد.