الأمم المتحدة تبدأ التحقيق في اغتيال بوتو لكن ...

عبد الخالق همدرد: من المعروف أن الاغتيالات السياسية في باكستان بدءا من رئيس وزرائها الأول لياقت علي خان لم تشهد إلى اليوم أي تقدم في التحقيق حولها. كما وأنه لم يتم إلحاق عقوبة بأي مجرم في هذا الصدد، إضافة إلى عدم الكشف عن أسباب إخفاء تلك الأسرار والتزام الحكومات المتتالية الصمت على ذلك. وكان اغتيال رئيسة الوزراء السابقة لباكستان بينظير بوتو في 27 من شهر ديسمبر 2007م في عهد الجنرال مشرف وذلك أيضا قبل شهر ونيف من موعد الانتخابات الجديدة التي كانت من المتوقع أن تفوز فيها بينظير بوتو. ومن المثير أن بوتو قُتلت في نفس الميدان الذي قتل فيه لياقت علي خان قبل نحو من نصف القرن.

وقد قام الجنرال مشرف بإجراء تحقيق على يد الشرطة البريطانية في تلك القضية على طلب من حزب الشعب ndash; كما صرح آنذاك- إلا أن حزب الشعب نفى ذلك الانطباع، رغم أن زوج بوتو زرداري قد طالب بذلك؛ إلا أن تلك التحقيقات قد أدت إلى نفس النتائج التي كشفت عنها الأجهزة الباكستانية من قبل. ويرى المحللون أن ذلك الأمر حدث بسبب الصلاحيات المحدودة للشرطة البريطانية.

أضف إلى ذلك أنه لم يكن لديها أي شيء لإجراء التحقيق سوى الدلائل المتواجدة لدى الأجهزة الباكستانية مسبقا؛ لأن موقع الجريمة لم يكن صالحا لإجراء أي تحقيق أو جمع أي معلومات. والأمر الغريب في هذا الصدد هو أن الحكومة الباكستانية بقيادة زوج بينظير بوتو قررت مراجعة الأمم المتحدة لإجراء التحقيق حول اغتيالها، رغم أنها تملك أزمة الأمور في باكستان هذه الأيام. وهذا الأمر تسبب في إنشاء الكثير من الشكوك حول جدية التحقيق؛ لأن الكثير يرون أن التحقيق الأممي أيضا لن تكون أكثر قيمة من تحقيق الشرطة البريطانية.

وقد قامت الأمم المتحدة بتشكيل لجنة ثلاثية للتحقيق حول اغتيال بوتو بقيادة المندوب التشيلي الدائم لدى الأمم المتحدة هيرالدو مونوز وهي تتضمن رئيس الشرطة الوطنية لأيرلندا بير بيتر جيرالد الذي سبق له العمل في اللجنة الأممية حول اغتيال الحريري والمدعي العام الإندونيسي السابق مرزوقي دار عثمان.

وقد أعلنت المتحدثة باسم الأمم المتحدة عشرت رضوي أن اللجنة الأممية لبحث الحقائق عن اغتيال بوتو بدأت أعمالها يوم الأربعاء الماضي، رغم أنها لم تصل إلى باكستان.

وقد أشارت المتحدثة إلى أن اللجنة quot; بعثة لبحث الحقائق. وقد بدأت أعمالها اليوم الأربعاء وأنها سوف تحقق في الحقائق والأوضاع حول اغتيال بوتوquot;. وهذا يعني أن صلاحيات تلك اللجنة لن تتجاوز هذه الحدود ولن تؤدي إلى أي عمليات تجريمية كما جرت في حالة رفيق الحريري. وبناء عليه لن تكون لها أي نتائج.

وقد أثارت الصحافة الباكستانية هذا الموضوع بشدة عندما أعلنت الحكومة الباكستانية نقل قضية بينظير بوتو إلى الأمم المتحدة، مشيرة إلى أن اللجنة الأممية لن تكشف عن أي شيء جديد إذا كانت يداها مكبلة. ومن هذا المنطلق لا يجوز تضييع 10 ملايين دولار من خزينة الدولة في تحقيق عقيم.

وقد كتب المستشار اعتزاز أحسن - الذي كان من كبار قادة حزب الشعب الباكستاني ومن المقربين إلى بينظير بوتو وقد تقلد منصب وزير الداخلية في حكومة بينظير الأولى؛ إلا أنه لم يتمكن من الحفاظ على علاقاته الطيبة مع زرداري وبالتالي تم طرده من اللجنة المركزية للحزب إضافة إلى إلغاء عضويته في الحزب، بسبب وقوفه مع حركة المحامين خلاف السياسات الحزبية- مقالا نشرته جريدة إنجليزية باكستانية شهيرة، أثار فيه نقاطا هامة حول إغتيال بوتو وقد أشار بين السطور إلى أن الحكومة لا ترغب في إجراء تحقيق يكشف عن الضالعين في اغتيال بوتو. وأهم تلك النقاط هي:

بوتو لم تُقتل جراء الانفجار ولا بسبب اصطدامها برافعة السيارة. بل كانت مصابة على جانبه الأيمن من الرأس بينما هي سقطت على الجانب الأيسر. وطبعا كانت الإصابة بطلقة نارية أطلقت عليها، مشيرا إلى تحقيقات قام بها بعض القنوات التلفيزيونية.

لما ذا لم يتم تشريح أجساد الـ 21 قتيلا مع بينظير بوتو، إذا قلنا أنه لم يتم تشريح جسد بوتو احتراما لها.

هناك احتمال بأن العديد من القناصين أطلقوا النيران بالبنادق القناصية من عدة جوانب. وبعدها تم تفجير قنبلة لإثارة الفوضى وتغطية الحقيقة.

لماذا تم تغيير مسار سيارة بينظير؟

ولاحظ اعتزاز أنه إذا كانت الحكومة مخلصة في إجراء التحقيق، فلما ذا لا ترغب في إمساك الخيوط مباشرة؟ ويقول إذا ترغب الحكومة في الوصول إلى الحقيقة فلتسأل مسؤول الإطفاء الذي قام بغسل موقع الاغتيال بعد ساعتين من الحادث، من أمره بذلك. وإذا عرفت تلك الجهة فلتقم الحكومة بمساءلتها.... وهكذا تصعد سلّم الاستجواب كما هو المعتاد في جميع الجرائم.

طبعا إن إحجام الحكومة من سلوك هذا الطريق المستقيم وتوجهها إلى طرق ملتوية للتحقيق في اغتيال بوتو، يضع العديد من علامات الاستفهام أمام نية الحكومة. وبناء عليه يقول الكثير من المحللين أن التحقيق الأممي في اغتيال بوتو ليس أكثر من تعليل لنشطاء الحزب ومحاولة لإقناعهم بأن الحكومة لم تنس الزعيمة القتيلة.

أما من ناحية من وراء اغتيال بوتو، فإن الأمر لا يزال معقدا. وكانت حكومة مشرف أول الأمر حملت مسؤولية الاغتيال بيت الله محسود رئيس حركة طالبان الباكستانية المحظورة. وقد أوردت الصحف مكالمة هاتفية بين جهتين يعتقد أنهما مقربتين من بيت الله محسود، نقلا عن موجز لوزارة الداخلية آنذاك. ثم انتشرت فكرة بأن القاعدة وراء ذلك الحادث الذي أصاب الحياة العادية في باكستان بشلل. وبعدها نشأت فكرة أخرى بأن القوى الدولية بين المتورطين في ذلك الاغتيال. ويشار إلى أن الحكومة الباكستانية بررت بتهمة تورط القاعدة في الحادث لإجراء تحقيق أممي؛ لأنه قد أثار الكثير من الجهات موضوع إجراء تحقيق أممي في شأن داخلي. وقالت الحكومة إن القاعدة - رغم أنها ليست دولة ndash; منظمة دولية، فلا حرج في إجراء تحقيق أممي.

من جهة أخرى قد طالب زعيم حزب الرابطة نواز شريف مرارا بإجراء تحقيق شفاف في قضية اغتيال بوتو. وهو أيضا أمر يشير إلى أن الطريق الذي تسلكه الحكومة في هذا الصدد ليس مستقيما.

كما وأن الكثير أثاروا أسئلة عن اغتيال quot;خالد شهنشاهquot; أحد عناصر حماية بينظير بوتو في ظروف غامضة. وكان مع بوتو في لياقت باغ وقت إلقاء كلمتها أمام الشعب. كما أن بوتو اصطحبته معها من دبي وقت مجيئها إلى باكستان في أكتوبر عام 2007م؛ إلا أنه لم يكن قريبا منها في الموكب الذي تعرض للهجوم. وبقي أياما في قصر زرداري بالعاصمة ولم يذهب إلى قرية بوتو للحضور في مراسيم التشييع. وقد قتل بعد ذلك.

من جهة أخرى فإن وزير الداخلية الحالي رحمن ملك، كان مسؤولا عن حماية بوتو آنذاك؛ إلا أنه لم يكن معها في السيارة المصفحة التي تعرضت للهجوم. وبناء عليه يطالب الكثير بمساءلته في هذا الصدد.

أما الوضع الحالي فإن المقربين من بينظير بوتو ليست لهم ناقة ولا جمل في إدارة الأمور في البلاد، بل الحكومة بيد الموالين لزرداري. وقد تم إقصاء العديد من القادة المقربين من حزب الشعب إلى بينظير بوتو أو تهميشهم، بحيث لا يقدرون على فعل شيء وليست لهم كلمة مسموعة في أروقة الحكم. وبناء عليه يرى المحللون أن حزب الشعب الذي كانت بينظير تقوده، لم يعد له وجود في الوقت الراهن. وبالتالي لا يمكن أن يجرى تحقيق هادف.

وإذا قُتل مرتضى بوتو شقيق بينظير بوتو- ومنافسها على الحزب- في كراتشي، وبينظير رئيسة وزراء باكستان ولم يتم التحقيق حول اغتياله بعدُ وقد مضى أكثر من عقد، فهل يمكن أن يجرى تحقيق يكشف عن قتلة بينظير ولم يمض على اغتيالها عامان؟