دعا إلى خيار ثالث يعمل على إنهاء حالة الضم والإلحاق:
رئيس كتلة الإشتراكي اليمني لـ(إيلاف): الحرب الأهلية غير مستبعدة

الدعوة إلى انتخابات مبكرة مزحة سياسية طريفة
أصبح المواطن الجنوبي خارج المعادلة السياسية والوطنية إلا من شارك في عملية النهب والاستحواذ والتزوير
وحدة 7 يوليو تحولت إلى غنيمة حرب بيد المنتصرين وجلبت للمواطن الجنوبي المعاناة

اليمن يعيش حالة طوارئ غير معلنة بعد منع 8 صحف وحجب مواقع إلكترونية

يهود اليمن لا يستبعدون خيار الهجرة إلى إسرائيل

الولايات المتحدة ترفض المساس بوحدة اليمن واستقراره

علي عبدالجليل من صنعاء: قال الدكتور عيدروس نصر ناصر النقيب رئيس الكتلة الإشتراكية في البرلمان اليمني إن الكلام عن إنتخابات نيابية مبكرة يأتي من باب المناكفة السياسية ليس إلاّ، واصفًا الدعوة بالمزحة السياسية الطريفة. وفي حوار خاص بـ (إيلاف) قال القيادي في الحزب الإشتراكي اليمني والبرلماني البارز:quot; قبل هذا وبعده علينا الإلتفات لما يعانيه أهلنا في محافظات الجنوب، فالذي لا يستطيع أن يحمي مراكز القيد والتسجيل لا يمكن أن يجري إنتخابات لا مبكرة ولا متأخرة، كما أن أهلنا في الجنوب لهم قضية أخرى وليست قضية الإنتخابات التي لم تحل لهم مشكله على مدار عقد ونصفquot;.

وإليكم نص الحوار الذي يجيء ضمن الحوارات التي تجريها (إيلاف) مع أقطاب المعارضة والسلطة في اليمن.

أبدى الرئيس علي عبد الله صالح استعداد حزبه للذهاب إلى انتخابات تشريعية مبكرة، إذا ما رأت ذلك أحزاب اللقاء المشترك. ما هو موقفكم في الحزب الاشتراكي وفي أحزاب المعارضة من ذلك؟
لا شك أن فكرة الدعوة إلى إجراء انتخابات مبكرة هي فكرة تناقض كليًا مع مبدأ تأجيل الانتخابات لسنتين شمسيتين كما جرى الاتفاق عليه مؤخرا من خلال التعديل الدستوري الأخير الذي اتفق عليه وأقره البرلمان في السابع والعشرين من أبريل/نيسان المنصرم. القول بانتخابات مبكرة لا يعبر عن جدية سياسية فالذي يطلب تأجيل الانتخابات لا أفهم كيف يطلب انتخابات مبكرة، ولا أدري ماذا تعني انتخابات مبكرة بعد أن مضى الموعد العادي للانتخابات البرلمانية.

أتصور أن هذا الكلام يأتي في سياق المناكفة السياسية أو ما يسميها إخواننا في عدن بــquot;المناجمةquot; ليس إلا. موقفنا في الحزب الاشتراكي وبالتأكيد في أحزاب المشترك هو إنه يجب أولا خلق بيئة انتخابية سليمة صالحة للتعبير عن رأي الناس، من خلال إصلاحات انتخابية وتشريعية ودستورية تسمح بتداول سلمي صحيح للمواقع بين الأغلبية والأقلية وليس إبقاء الأغلبية أغلبية إلى الأبد والأقلية أقلية إلى الأبد، من خلال انتخابات حرة ونزيهة وشفافة، وليس من خلال انتخابات فيها من عوامل التزييف أكثر مما فيها من عوامل النزاهة. وقبل هذا وبعده علينا الالتفات لما يعانيه أهلنا في محافظات ا لجنوب، فالذي لا يستطيع أن يحمي مراكز القيد والتسجيل لا يمكن أن يجري انتخابات لا مبكرة ولا متأخرة، كما إن أهلنا في الجنوب لهم قضية أخرى وليست قضية الانتخابات التي لم تحل لهم مشكله على مدار عقد ونصف.

بين النكسة والكارثة

ألا تصحح هذه المبادرة ما إعتبره بعضهم خطأً باتفاق المعارضة مع السلطة على تأجيل الانتخابات عن موعدها المقرر (27 إبريل الماضي) لمدة سنتين وتعديل الدستور من أجل ذلك؟
أولا لا بد من الإقرار أن تأجيل الانتخابات قد جاء اعترافا بوجود أزمة سياسية طاحنة، وإذا ما اعتبرنا تأجيل الانتخابات نكسة للهامش الديمقراطي الذي يتضايق يوما عن يوم فإن الخيار الآخر الذي كان متاحا هو الكارثة، فنحن كنا مخيرون بين النكسة والكارثة، واعتقد أن اختيار النكسة والقبول بها قد جاء تجنبا للكارثة، والكارثة التي أعنيها ليس فوز المؤتمر فلو جاء هذا الفوز ليعبر عن أصوات الناخبين لقبلنا به، مثلما كنا نقبل بنتائج انتخابات نحن نعلم أنها في الغالب مزورة، الكارثة التي أقصدها، هو نشوب نزاع أهلي قد يتحول إلى حرب أهلية مدمرة, الجميع لا يتمناها، وأعتقد أن الإخوة في الحكم، كانوا يدركون ذلك ومن هنا جاءت مبادرتهم لطلب التأجيل، وبالتالي فالقبول بمبدأ التأجيل هو القبول بأهون الشرّين، أما قضية الانتخابات المبكرة فلا معنى لها بعد انقضاء موعد الانتخابات غير المبكرة، ولو كان الإخوة في الحكم جاهزين لانتخابات مبكرة لكان الأولى إجراء الانتخابات في موعدها، إنها مزحة سياسية طريفة.

هل صحيح أن هناك إغراءات مادية قدمت لأعضاء مجلس النواب ليوافقوا على تعديل الدستور والتأجيل؟
المسألة لا تحتاج إلى إغراءات للأعضاء فبالنسبة إلى بعضهم،إنَّمجرد التمديد سنتين هو الإغراء الأكبر، شخصيا كنت أتمنى أن تتم الانتخابات في حينها وفي موعدها لكن كان واضحا أن عقد الانتخابات سيقود إلى كارثة لا تحمد عواقبها، لأن احتمالات الاحتراب الأهلي والتشظي الوطني كانت قائمة، ولا تزال أيضا قائمة وقد تتضخم وتنفجر إذا لم تتم الاستفادة من الفترة المحدد لمعالجة المعضلات العالقة، مرة أخرى أقول لم تكن هناك حاجة إلى الإغراء لأن بعضهم بدأ يقترح التمديد لثلاث وبعضهم الآخرطالب بأربع سنوات وبعضهم قال لماذا لا نمدد فترة تشريعية كاملة، إذًا فعنصر الإغراء هو موجود في عملية التمديد نفسها.

ألا تظن أن بموافقة المعارضة على هذه الإجراءات قد خذلت أنصارها والموالين لها، وأن المضي في مقاطعة الانتخابات كان أفضل؟
لم يكن ممكنًا للانتخابات أن تعقد سواء شاركت المعارضة أم قاطعت للأسباب التي أشرت إليها، لكن المعارضة كان لديها مبدأ أكبر من مجرد المشاركة أو المقاطعة وهو مبدأ وقف التدهور السياسي وإجبار السلطة على تغيير قواعد اللعبة من خلال إصلاح النظام السياسي بما في ذلك إصلاح الانتخابي، وقد تمكنت من انتزاع موافقة الطرف الآخر على المبدأ نفسه ويبقى معنا شيطان التفاصيل الذي قد يطل علينا عشرات المرات أثناء التحاور حول تلك الإصلاحات ، أعتقد أن معظم أنصار المعارضة يدركون المأزق السياسي الذي وصلت إليه البلاد بفعل السياسات غير الرشيدة للحكم. بل إن معظم أنصارنا قد بلغ بهم اليأس أقصى مداه من هذا الاستهتار بالنظام الانتخابي، ومن الشيخوخة المبكرة التي أصابت ما نسميه الممارسة الديمقراطية, وبالتالي فلم يعد يعنيهم ما إذا عقدت الانتخابات أم لم تعقد، وحينما يعلمون أن التأجيل سيضمن إجراء إصلاحات جذرية في النظام الانتخابي فلا شك سيتفهمون مبررات التأجيل، هذا على افتراض أنه سوف يتم الوفاء بالالتزامات التي اتفق عليها.

ماذا عن فكرة الانتخاب عبر القائمة النسبية، إلى أين وصلت؟
كل القضايا التي اتفقت عليها كمبررات للتأجيل ما تزال طي الإظبارات ولم تنتقل بعد إلى طاولة الحوار ولذلك أجدها فرصة للدعوة للبدء في مناقشتها بآلية جديدة وعقلية سياسية جديدة تسمح باستخدام الزمن المتاح لحل المسائل المعلقة وإلا فقد لا نجد الوقت الكافي ليس لمعالجة أسباب التأجيل، حينما لم يعد بالإمكان التأجيل لمرة ثانية، ولكن للسيطرة على الأمور التي تتدافع بسرعة صاروخية لا تتناسب مع السرعة السلحفائية التي تتحرك بها القوى السياسية في البلد سلطة ومعارضة.

لنتحدث عن الأحداث الجارية في بعض المحافظات الجنوبية، وأنت تمثل في البرلمان إحدى الدوائر الانتخابية الساخنة. ما هي برأيك خلفية ما جرى ويجري؟
ما جرى ويجري يعود إلى السابع من يوليو من العام 1994م عندما قام الإخوة المنتصرون بتحويل الجنوب دولة وأرضا وإنسانا وتاريخا وهوية وثروة ومنشآت وثقافة إلى غنيمة حرب بيد الطرف المنتصر، وأصبح المواطن الجنوبي خارج المعادلة السياسية والوطنية إلا من شارك في عملية النهب والاستحواذ والتزوير.

لقد أحدثت سياسة ما بعد سبعة يوليو انقساما بين أبناء الوطن مزقت فيه المجتمع إلى ثنائيات مقيتة هي ثنائيات: منتصر ومهزوم، انفصالي ووحدوي، وطني وخائن، عميل ووفي، وصار للمنتصر الحق في أن ينهب ويسلب ويفسد ويستولي ويعبث ما شاء لأنه هو الوطني وهو الوحدوي وهو غير العميل، أما المهزوم فليس له أي حق لأنه عميل انفصالي خائن ، لقد أدت هذه السياسة إلى تقسيم الوطن إلى غالبين ومغلوبين، سالبين ومسلوبين، ناهبين ومنهوبين، إن المهزوم مجرد من أي حقوق وطنية حتى وإن كان من صانعي سبتمبر وأوكتوبر ومن أشرف الوطنيين، أما المهزوم فهو البطل وهو الوطني وهو الوحدوي حتى وإن كان من أكبر اللصوص وناهبي الأرض الثروة والعابثين بالمال العام وبحقوق
الناس ومقدرات الوطن.

لقد ساد مبدأ الغلبة على مبدأ المواطنة فالغالبية العظمى من أبناء المحافظات الجنوبية جرى استبعادها من ممارسة الحقوق العادية المشروعة، ومنها حق العمل، وحق الممارسة السياسية، حيث جرى إقصاء عشرات الآلاف من موظفي الدولة المدنيين والعسكريين والأمنيين من وظائفهم واستبدلوا بالقادمين مع فجر سبعة يوليو، ويكفي أن نعلم أن تقرير رئيس الوزراء المقدم إلى مجلس النواب بعد الانتفاضة السلمية للمتقاعدين قد أشار إلى أنه قد تمت تسوية أوضاع مئة وعشرة آلاف موظف، ونحن نعلم أنه قبل الوحدة لم يكن هناك جهة تستوعب التوظيف إلا الحكومة، وهذا ما يعني أن هذا العدد هو كل موظفي الجنوب، في حين ظلوا ينكرون وجود أي استبعاد إلا المتآمرين على حد قولهم، يعني أن 110آلاف هم المتآمرين، أي كل مواطن جنوبي هو متآمر وإذا ما أضفنا إلى ذلك ما تعرض له الجنوب من نهب للأرض والمنشآت والثروة السمكية والنفطية والزراعية والمعدنية والآثار والمتاحف ومخازن الشركات والمعسكرات ومن تزوير للمعالم التاريخية ومن تشويه للتاريخ النضالي لأبناء الجنوب، لأمكننا أن نفهم ذلك الكم من الغبن والقهر الذي ظل المواطن الجنوبي يكبته طوال 13 عامًا، ويكفي أن تعلم أن ابن عدن أو أبين أو لحج أو حضرموت والمهرة أصبح من اجل أن يجد قطعة أرض 10في عشرة أمتار لبناء منزل في بلدته ومسقط رأس آبائه وأجداده عليه أن يشتريها بالملايين من أحد القادمين يوم 7 يوليو الذين في الغالب لا ينتمون إلى هذه البلدة أو المحافظة وفي الغالب لا ينتمون إلى أي من محافظات الجنوب.

أعتقد أن هذه الممارسات هي ما أججت هذا الكم من الغضب والغيظ والفقر وأخرجته في لحظة معينة من حالة الانحباس إلى العلن، وأشير هنا إلى أن الحزب الاشتراكي اليمني قد ظل يحذر من مغبة الاستمرار في سياسة التجاهل لمعاناة المواطنين في المحافظات الجنوبية، وينبه إلى مخاطر الاندفاع نحو الخروج عن السيطرة لكن مكابرة السلطة المكسوة بغرور المنتصر ونشوة النصر أعمت الإخوة في الحكم عن رؤية جوهر المشكلة أو حتى سطحها واليوم جاء الاعتراف بهذه القضية متأخرًا بعد أن بلغت المعاناة ذروتها، هذا هو يا عزيزي كل المشكلة باختصار.

تجاوزت بعض الممارسات من المنتمين إلى الحراك الجنوبي من الوقوف ضد السلطة إلى استهداف أي مواطن من أبناء المحافظات الشمالية يقيم في الجنوب. كيف تنظر إلى حال كهذا؟
أشير أولا إلى أن محاولة حرف الصراع على أنه صراع شمالي جنوبي هي محاولة لإخراج الصراع عن نطاقه الطبيعي وتوجيهالضحايا عن المذنب الحقيقي باتجاه البحث عن مذنب وهمي ليس له علاقة بما تعانيه البلد وما يعانيه أبناء الجنوب، على وجه الخصوص، وهي محاولة لإخفاء حقيقة الصراع من كونه صراع بين الناهبين والمنهوبين والسالبين والمسلوبين إلى أنه صراع بين الشمال والجنوب وهذا تشويه للحقيقة. ودائما ما أقول أنه ليس كل الشمال ظالما وليس كل الجنوب مظلوما فما أكثر المسحوقين بالظلم والمعاناة والقهر والسلب في كل محافظات الشمال، ولا يمكن إنكار أن عددا من المنتفعين مما جرى بعد سبعة يوليو من المحسوبين على الجنوب، لقد اتحد الظلمة والفاسدين فهل بمقدور المظلومين وضحايا النهب والسلب أن يتحدوا؟

هذا أولا أما ثانيًا فإنني ومن هذا المنطلق أدين أي استهداف لأي مواطن كان من أين ما كان وأتصور أن حالات فردية حصلت هنا أو هناك هي سلوك فردي مدان إذ لم يكن له ما يبره، ولكن هذه الحالات جرت تغذيتها وتضخيمها ولا أستبعد أن تكون الأجهزة هي من شجع على الإقدام عليها لتشويه جوهر الصراع. وأذكر هنا أنه في العام 2005 عندما شهدت صنعاء انتفاضة الرفض للجرعة السعرية التي صدرت في يوليو من نفس العام تعرض مواطنون جنوبيون للنهب وتعرضت ممتلكاتهم للتكسير والتدمير، ومنهم مثلا شركة بن شعيلة للسيارات الصينية التي خسر صاحبها عشرات الملايين ولم يقل أحد أن هذا استهداف للمواطنين الجنوبيين، إذن نحن ندين الاعتداء على أرواح وحقوق الأفراد أياً كان انتمائهم الشطري وأياً كانت الجهة التي تقوم به سواء كان أفراد الأمن الذين أزهقوا أرواح أكثر من خمسة وعشرين فرد وجرحوا أكثر من 160، أو متظاهرون اعتدوا على محلات تجارية.

كيف تفسر تصالح أعداء الأمس: علي سالم البيض وحيدر العطاس مع علي ناصر محمد وتصالح هؤلاء جميعاً مع الأصنج وطارق الفضلي، ليتفقوا على دعم ما يسمى بالحراك الجنوبي الذي صار يعلن أن هدفه الرئيس هو انفصال الجنوب عن الشمال أو استعادة دولة جمهورية اليمن الديمقراطية؟
لست أدري هل المطلوب من المتخاصمين أن يظلوا متخاصمين إلى الأبد مراعاة لمشاعر الحاكم، أم من أجل أن يظلوا عائشين في خصومات الماضي وينصرفوا عن التزامات الحاضر وتحديات المستقبل؟ إن يتصالح الناس فهذا أمر مطلوب ومحمود، وفي تصوري أن ما وحد الناس هو الرفض للظلم والقهر وسياسة النهب والاستيلاء وتزوير التاريخ والافتراء على نضالات شعبنا في الجنوب كما في الشمال ومحاولة كتابة التاريخ بلغة المنتصر، وأنا أرى في تقارب هؤلاء ظاهرة إيجابية تستحق الإشادة والرعاية، ودعمهم للحراك السلمي في الجنوب هو دعم الضحايا في وجه جلاديهم ونصرة المظلومين في وجه الظلمة، وهو واجب إنساني وديني ووطني وأخلاقي ولا أدري لما ذا يثير هذا الموقف استغراب الناس، هل المطلوب أن ننصر الجلاد على الضحية أم أن نعاقب الضحية على صراخه في وجه الجلاد.

الهروب من المشكلة

يعتقد بعضهم أن هناك عوامل خارجية وراء ما يجري ويتمثل ذلك بدعم عدة دول للتوجه نحو الانفصال؟
أولا علينا أن نتساءل ما الذي جعل هذه الحشود الواسعة من الجماهير تقف صفا واحدا في وجه النظام وتكسر حاجز الخوف الذي خيم عليها طول عقد ونيف، لماذا تحول كل هذا السخط ضد الحكم واليأس من الوحدة ومن استولى عليها في 7 يوليو إلى حالة عارمة تعم كل مدن ومحافظات الجنوب؟ أعتقد أن البحث عن مدبر أجنبي يقف وراء ما يدور هو محاولة للهروب من المشكلة الحقيقية وهي فشل الذين يديرون البلد في الحفاظ على المشروع الوحدوي بمضامينه السلمية، الحداثية والديمقراطية، وتحويله إلى رافعة حقيقية للانتقال بالبلد من حالة التشظي والفساد والتفكك الاجتماعي إلى دولة مدنية حديثة تحفظ حق المواطنة وتقيم العدل وتحاول النهوض بالبلد من خلال مشروع تنموي حقيقي يخرج الناس من حالة البطالة والفقر والخوف من المستقبل، ويزرع الطمأنينة ويقضي على الحروب الداخلية وينقذ البلاد من الاعتماد الدائم على القروض والهبات والإعانات. على الحكام أن يفتشوا على العدو الرئيسي في فشلهم لا أن يبحثوا عن عدو وهمي لا وجود له إلا في مخيلاتهم.

وأرجو أن تلاحظ معي أنت والقراء الكرام أنهم (أي الحكام) حينا يطمئنونا بأن دول الجوار معهم وتدعمهم وتناصر نظامهم وأحيانا كثيرة يحاولون ابتزاز هذه الدول من خلال اتهامها بأنها تدعم النزعات الانفصالية، وغالبا ما يتم تحريض هذه الدول على المقيمين فيها من المهاجرين والنازحين بعد أن أجبرتهم سياسات الحكم العرجاء على النزوح من البلد فهم (أي الحكام) لا وفروا الأمن والاستقرار وحق العمل والمعيشة المستقرة للناس في بلادهم ولا تركوهم يعيشون ويبحثون عن فرص عمل شريفة في بلدان الجوار.

باختصار يا أخي أي قوة خارجية مهما كانت إمكانية تدخلها لن تفعل شيئا لو كانت الجبهة الداخلية سليمة والعدل قائم والكرامة الإنسانية مصانة والحقوق الدستورية والقانونية والمواطنة المتساوية متوفرة، وفي كل الأحوال فإن الجائع والمحبط والعاطل عن العمل وضحايا النهب والإبعاد والفساد والاستبداد ليسوا بحاجة إلى محرض من الخارج ليريهم حجم ما يعانونه من مظالم.

ألا يتعارض توجهكم في أحزاب اللقاء المشترك من خلال مؤازرة القضية الجنوبية في إطار الوحدة مع توجه الحراك الجنوبي الذي لم يعد يعبأ بمسألة الوحدة؟
شكرًا لك على هذا السؤال، ودعني ابدأ بالجزء الأخير منه لماذا لم يعد المنخرطون في الفعاليات السلمية الاحتجاجية أو ما أسميته الحراك السلمي الجنوبي ـ لم يعودوا يعبأون بالوحدة؟ إن المواطن الذي حلم بالوحدة ورأى فيها مشروع نهوض ورافعة تنمية ومدماك للديمقراطية والكرامة الإنسانية والحرية اكتشف أن وحدة سبعة يوليو أفقدته كل هذه الآمال وبعد أن تحولت إلى غنيمة حرب بيد المنتصرين صارت وبالا عليه جلب له الآلام والمعاناة وقد انتشر هذا الإحساس لدى أوسع القطاعات حتى وإن لم يكن صحيحًا، الوحدة يا سيدي ليست صنم هبل ولا بقرة الهندوس، وهي إذا لم توفر للناس الأمان والاستقرار والحرية والرخاء والازدهار والأمل في المستقبل فهي بالنسبة لهم ليست أكثر من شعار خالي من المضمون وهذا ما زعزع إيمان الغالبية العظمي بعظمة الوحدة ومصداقية القائلين بها. وهذا ينطبق على الجنوب مثلما ينطبق على الشمال.

اللقاء المشترك يدعم القضية الجنوبية بمضمونها الوطني ويعتبر الاعتراف بالقضية الجنوبية ومعالجتها مدخلاً لإصلاح الأوضاع في البلد عامة ومن المؤكد أن الإصلاح الشامل في البلد يخدم الجماهير قاطبة في جنوب البلد وشمالها وشرقها وغربها، لكن السلطة تحاول أن تصور موقف الناس في الشمال على أنه يؤيد سلوكها السياسي، وإن الجنوب يعمل ضد الشمال في محاولة منها لخلط الأوراق (وهي لعبة تتقنها جيدا) ونقل الصراع بين الضحايا بدلا من وقوف الضحايا كلهم ضد السبب الرئيس في معاناتهم. أعتقد أن أطراف القضية الجنوبية كثيرة وجزء كبير من قادة الحراك والمنخرطين فيه يتفهمون هذا الموقف وسيكون من مصلحتنا جميعا حشد كل القوى المدنية والسلمية ضد هذه السلطة الفاسدة والبائسة.

هل يمكن تحديد نقاط الاختلاف والاتفاق بشكل واضح بينكم وبين منظمات الحراك الجنوبي؟
نحن كأحزاب معارضة حقيقة وحاضرة في الساحة، نتفق مع كل المطالب المدنية الحقوقية والسياسية لحركة النضال السلمي في الجنوب مثلما نؤيد كل قضايا المظلومين في كل اليمن أينما كانوا، أعتقد أن تفاوت الأسقف داخل مكونات النضال السلمي يمكن أن يحسم بالحوار وبالوسائل المدنية والحضارية، وأجدها فرصة لدعوة كل مكونات الحراك السلمي للعمل على توحيد القوى وتطوير خطابها السياسي من خلال تحديد جذر المشكل وتوسيع دائرة الأنصار وتقليل دائرة الخصوم، من المؤكد أن تفاوت أسقف الخطاب لا ينبغي أن يتحول إلى سبب لخسران أنصار القضية الجنوبية، بل ينبغي الاتفاق على برنامج لقضايا الحد الأدنى أو ما يسمى بالقواسم المشتركة مع كل أنصار القضية الجنوبية، وأنا على يقين أن الأيام كفيلة بتذويب الفوارق بين مختلف التكوينات كما بينها وبين بقية قوى المعارضة.

بعيدا عن خياري الوحدة والانفصال، ألا توجد لديكم في المعارضة خيارات أخرى.. أين ذهب خيار الكونفدرالية أوالفيدرالية؟
قبل الإجابة على هذا السؤال علي أن أقر لك بأن الوحدة بشكلها الراهن لم تعد قادرة على الاستمرار فقد أفرغها المتنفذون والمتسلطون من مضمونها الوطني والسلمي والديمقراطي وأهدافها الحضارية والتحديثية والتنموية وتحولت إلى وحدة بالحرب والإكراه وهذا ما خلق حالة من اليأس عند معظم اليمنيين والجنوبيين على وجه الخصوص، ويوما عن يوم تؤدي عوامل الفساد والاستبداد وسلوك التعالي والغطرسة من بعض القائمين على البلاد إلى مزيد من التآكل في عوامل بقاء الوحدة بوضعها الراهن. والمؤسف أن كل محاولة لنقد سياسات الفساد والعبث والظلم والإقصاء الذي يمارس على وجه الخصوص في محافظات الجنوب، وأي محاولة لاستعادة الحقوق المنهوبة والحريات المغيبة والمواطنة المصادرة، يصورها إعلام السلطة بأنه استهداف للوحدة وكأن الوحدة لا تستمر إلا بالعبث والفساد والظلم والإقصاء والاستعلاء.

وباختصار لقد أفرغت الوحدة من كل مضامينها الجميلة ولم يبق منها سوى ضم الأرض إلى الأرض، وهو ما جعل المزاج لشعبي العام يذهب بعيدا في القنوط واليأس من الوحدة. وفي اعتقادي أن أي حديث عن الانفصال لا توجد له أرضية مناسبة لا على الصعيد السياسي ولا الاقتصادي ولا الاجتماعي ولا على صعيد النفسية الاجتماعية، إذن نحن بحاجة إلى خيار ثالث ينبغي أن يعمل على إنهاء حالة الضم والإلحاق ويقضي على الظلم والقهر والاستبداد ويوفر بيئة لخلق مشروع دولة المواطنة وقيام دولة القانون والنظام والمؤسسات، في هذا السياق يمكن بحث أكثر من بديل سواء كان من يتحدثون عن اتحاد فدرالي أو كنفدرالي أو أي أفكار قد تطرح على طاولة الحوار أعتقد أن كل هذه الأفكار ينبغي أن تكون موضوع بحث معمق مع سائر الفرقاء السياسيين سواء في السلطة أو في أحزاب المعارضة أو مكونات الحراك السلمي أو المعارضين في الخارج، وأكرر إن الجلوس على طاولة الحوار والاستماع إلى الآراء والأفكار المختلفة بعقلية مفتوحة سيذلل الكثير من نقاط التقاطع التباين.

ما هو المخرج برأيك، أخيراً، من هذه الأزمة المتصاعدة؟
المخرج هو أن تكف السلطة عن تعاليها وسد أذنيها في وجه الدعوات الخيرة والاستماع إلى أنين الناس ومعاناتهم، وفي تصوري أن سياسة الصمم السياسي كما أسماها الزميل د. محمد الظاهري ينبغي التوقف عنها والتعامل مع هذه القضايا بعقلية جديدة مسئولة وبروح قلقة على مستقبل الأجيال القادمة وبروح تنفتح على مختلف الحلول بعيدا عن نظرية المؤامرة التي لا تصلح في كل زمان ومكان. كما أعتقد أن على فعاليات النضال السلمي أن تعد برنامج سياسي مقنع للداخل قبل الخارج، والجلوس مع الطرف الآخر كما مع أحزاب المعارضة السياسية، على طاولة الحوار وطرح المطالب والرؤى بشكل معلن، للنقاش والحوار المنفتح على الآخر كما أدعو أحزاب المعارضة الفاعلة إلى إعداد رؤية جادة للمشكلة، رؤية تلخص مجموعة المشاكل وخيارات الحلول للمساعدة على الخروج من عنق الزجاجة الذي أوصلتنا إليه السياسات غير الحكيمة لسلطة ما بعد 7يوليو.

وعلى السلطة أن تعلم أن المكابرة وإنكار المشاكل لا يخلق إلا المزيد من التفاقم، وأذكر هنا وأنا كنت أول من طرح مطالب المعتصمين من المبعدين قسرا من المتقاعدين العسكريين في مجلس النواب أن هذه المطالب لو عولجت في مهدها لما أوصلت إلى ما أوصلت إليه، ليس رغبة في إطفاء الحراك السلمي ولكن لأن السلطة تعتقد أن التجاهل يدفع الناس إلى النسيان بينما العكس هو الصحيح التجاهل يضاعف الشعور بالغبن، ويوسع دائرة الرافضين للسياسات الرسمية ويدفع الناس إلى توسيع دائرة المطالب وما كان مقبولاً بالأمس لم يعد صالحًا للحل، وما هو مطلب اليوم قد يغدو مرفوضا غدا ما تزال أمام السلطة فرصة، وإن كانت تضيق، لمعالجة جذر المشكلة وهو مراجعة ما جرى منذ العام 1990م والقبول بكل طرح مسئول وعقلاني، وإلا فإن البلد ذاهبة إلى ما هو أسوأ من المجهول.