شجعتني الردود الأيجابية والمتشائمة السلبية على المقال الذي نشَرَتهُ quot; أيلاف quot; مشكورة،تحت عنوان (العراق: أختلاف الأراء أم أختلاف القومية؟) الى متابعة الموضوع، لأن الكثرة منّا لا تزال غير مدركة بأن العراق على حافة خطر النعرة القومية والعنف الفكري والأجتماعي التي يُطبّل البعض لها دون معرفة نتائجها.


أضف الى ذلك النقاط الأيضاحية المُجدية التي ذكرها بعض الأخوة كالسيد باشا عيان بكل تجرد وصراحة وبالحرف الواحد: ( بأننا لو تأملنا مليّاً، وبتجرد علمي من الأهواء و التحيّزات و المصالح و العواطف السلبية، لو تأمّلنا مليّاً حال الكثير من الصراعات التي يزعم أقطابها بأنّها صراعات quot;قوميّةquot; أو quot;عرقيّةquot; أو quot;دينيّةquot; أو quot;طائفيّةquot; أو quot;مذهبيّةquot; (أو، حتّى في المجتمعات العلمانيّة، الصراعات الإيديولوجية أو الطبقيّة أو الحزبيّة، الوضعيّة البحتة)، فإنّنا غالباً ما نجد أنّ الصراع في الواقع ينحصر في خلافات و تضارب مصالح ومطامع و منافسات و مطامح بين قادة هذه الصراعات و من الأتباع والأشياع من حولهم. وفي نهاية المطاف هي لا تمتّ لعامّة الناس بصلة، بل إنّها قد فُرضتْ عليهم (إمّا بالقهر أو بالتضليل أو بربطها بمعاشاتهم و أرزاقهم و حاجاتهم الإنسانيّة أو بالخديعة او بالعادة التاريخيّة أو بالتقليد الإجتماعي أو ما شابه ذلك)، وهم لا حول لهم فيها ولا قوّة، فقد غلبهم على أمرهم quot;قادتهمquot; (ومن يستفيد من هذا الصراع من جهات أخرى، داخليّة أو خارجيّة).


والحقيقة، لم أجد أكثر صحة وصراحة وموافاة لتاريخ العراق المُعرّض للخطر والأقتتال القومي، مما أورده الأخ أعلاه. فالفتن المُغرضة التي تضع دول الجوار لمساتها الأخيرة بشأنه ودول أجنبية طامعة لأفتراس ثرواته ماثلة أمامنا بكل مافيها من وضوح.


وهنا تحدوني رغبة أضافة مايؤرقنا جميعاً كأفراد وقيادات، وهو أساساً، أختيارات شعوبنا المغلوبة على أمرها لِما هو في غير صالحها ويصب في مصالح أعدائها ولايصب في مصالحها. فمثلاً، أن وأد النظام الدستوري والتجربة البرلمانية الحالية بطرق الألتفاف الشعوبية والحجج القومية والنزاع المفتعل وتناقضات سردها في وسائل الأعلام قد يكون إنتکاساً لمسيرة العراق الديموقراطية الفتية. وكما أشرتُ في مقالات سابقة بأن حوار التعديلات على مواد الدستور هو عمل مؤسسات ولجان برلمانية عراقية مُنتخبة (عربية وكردية) والتحاور للوصول الى حلول هو ليس إنکاراً لحقوق أو تأزيماً لموقف مع القوى الوطنية الكردية وأنما هو تقوية لمؤسسات الأقليم المدنية في كل القطر وتفعيل نشاطاتها لتشريعات ذات مصلحة للعراق. ومخطئ من يعتقد أن حل أي نزاع دستوري ينبغي أن يكون عن طريق طرف أجنبي ثالث للتحكيم السياسي أو القضائي، أو يکون عبر قوة االسلاح أو تصدير منطق العنف على الأرض العراقية. فذلك ماحصل منذ تأسيس الدولة العراقية عام 1921، وقللَّ من سيادتها وبدد ثرواتها الوطنية بأدخال قوى خارجية وأعطائها مسؤولية القرار.


كما أني أود التركيز هذه المرة على المنافع التجارية والأقتصادية للعراق عند حلِّ (المسائل العالقة كالمادة 140 من الدستور العراقي المتعلقة بالمناطق المتنازع عليها وقانون النفط والغاز ). أنَ ما يؤرق الكثير منّا، هو الخوف من أن تعصف بنا عاصفة قومية مقيته أخرى تؤدي الى عدم أستقرار الوضع الداخلي وتؤدي الى تدخل أو دعوة دول أخرى للتدخل العسكري. ففي عراق اليوم توجد فئات عديمة القدرة على فهم وضع العراق الخاص. وصحوة القوى العراقية العربية الكردية هي في الأدراك الحقيقي لحجم المسؤولية الضخمة الملقاة على عاتقها لتثقيف جماهيرها وأجيالها القادمة للتمسك بقبضة الوطن الواحد من ناحية، وكيف يكون في مستطاع القيادة السياسية في البلاد أن توازن وتنتقي حلول توافقية للأختلاف القومي ووضع أستراتيجية موحدة لتصدير النفط وتسويقه على أُسس علمية ثابته تضمن الأستقرار والأمن للجميع من ناحية أخرى.


فالبلاد في أمس الحاجة للسير وفق وتيرة ذات طابع منهجي مفهوم سياسياً لحقوق السلطة الفدرالية وتنسيق هذه السلطات والصلاحيات الدستورية، بحيث تكون فيه السلطة التنفيذية على أتم الوعي بطرق محاربة الأبتزاز والأحتيال والسرقة للثروة الوطنية والقدرة على أدارة الحقول النفطية في الشمال والجنوب وطرق حماية منشآتها من التخريب. أِلا أذا كان الصراع العراقي يرجع الى خلافات و تضارب مصالح ومطامع و منافسات أو تعود الى تقاليد عدائية تربوية حقيقية متأصلة في المجتمع نفسه.


بكلمة أخرى، القيادة العربية الكردية الحالية في العراق مُلزمة بأتخاذ خط أو قرار أستراتيجي موحد متفق عليه لسياسة عراقية رسمية ثابتة مستقرة ومستقلة في علاقاتها السياسية والعسكرية والأقتصادية مع الدول المحيطة بالعراق والدول الأجنبية الأخرى على ضوء مصلحة العراق أولاً. أن النضال الحقيقي لقادة المرحلة هو رابطة الوطن الواحد وترسيخها في ذهن الجيل الجديد من الشباب في المدارس والجامعات والتأكيد على هذه الرابطة وقدسيتها وتعميمها داخل برلمان كردستان العراق ومجلس النواب العراقي والمؤسسات والدوائرالحكومية.


ضياء الحكيم
[email protected]

ملاحظة: لأسباب تتعلق بأصول النشر، يرجى عدم الأقتباس دون الرجوع الى الكاتب.