قبل سنوات من سقوط النظام العراقي وباجماع الاعضاء صوت برلمان اقليم كردستان على خيار الفيدرالية والبقاء ضمن العراق الديمقراطي الفيدرالي الموحد وقد كان شعار الديمقراطية للعراق دوما شعار الكرد للحصول على حقوقهم المشروعة .


من هذا المنطلق وايمان بالكرد بصواب خياره جازف اقليم كردستان بدعم جميع الاطراف المعارضة العراقية العربية وغيرها واحتضنهم ودافع عنهم واقول جازف لان هذا الدعم كان له تبعات سيئة على الحياة المعيشية للمواطن الكردستاني حيث ان النظام الصدامي شدد من حصارها على الاقليم اقتصاديا و تجاريا وبشتى السبل المتاحة .
بعد سقوط النظام الصدامي الشوفيني سارعت القيادة الكردستانية المنتخبة من قبل الاغلبية الكردستانية بالتوجه الى بغداد العاصمة ليساهموا بكل اخلاص من اجل قيام العراق مرة اخرى وانضمامه الى المجتمع الدولي وبشهود المنصفين من العرب قبل غيرهم مارسوا دورا مشهودا في انجاح العملية السياسية التي تمخضت عنها مايعيشه العراق اليوم ولولا هذا التوجه الكردي الحازم لما وصل العراق الى يومنا هذا .


وللتذكير نقول ان الكرد قد حالوا دون حدوث فتنة طائفية بين الشيعة والسنة عندما كانت الارضية سانحة وكانت القنبلة تحتاج الى شرارة بسيطة ولكن الكرد نزعوا فتيلها .
هناك المزيد والمزيد لا نريد التحدث عنها والقصد من تذكير هذه المسائل هو لاظهار ما ابداه الكرد من حسن النية لاخيه العربي ليثبت له انه لايريد الانفصال الذي هو بحد ذاته حق مشروع لاية امة لها جغرافيتها و تأريخها وشعب وكذلك ليثبت انه يريد نيل حقوقه المشروعة التي نهبت منه عبر الممارسات الشوفينية للانظمة العراقية المتعاقبة .
ففي مسألة كركوك و المناطق المتنازع عليها، اثناء عملية حرية العراق و بعد سنوات من العملية كان بامكان الكرد استعادة جميعها الى اقليم كردستان وليفعل الشوفينيون ما يمكنهم عمله وليتدخل الاطراف الاقليمية بكل قوتها ولكنها لم تفعل لسببين :
اولا : اعطاء رسالة الى حلفائنا العراقيين والاقليميين و المجتمع الدولي بان الكرد يظهرون حسن النية ولايستغلون الاحداث ولايفرضون سياسة امر الواقع .
ثانيا : الكرد يريدون الحصول على حقوقهم المشروعة واستعادة المناطق المستقعة من اراضيهم الى اقليمهم عبر السياقات القانونية والتوافقية وفد وافقوا على بقاء المستوطنينين الذين جاؤوا الى هذه المناطق ليس للمعيشة بل ضمن سياسة مقيتة ومخجلة وهي سياسة التعريب .


واليوم وفيما العراق وقع اتفاقية ستراتيجية مع الولايات المتحدة و وعادت السيادة اليه ومر بمراحل انتخابات ديمقراطية و الاستفتاء على الدستور يبدو جليا ان الفكر الصدامي لازال طاغيا على عقول بعض من حلفاء الامس الذين لولا الدعم الكردي لما استطاعوا البقاء وهم للاسف الشديد ليسوا اقلية قليلة والهَم الرئيسي لهؤلاء هو معاداة الكرد وتطلعاتهم والتصدي لدورهم في بغداد واربيل والعراق عموما ليكونوا المواطنين من الدرجة الثانية .


من الخطأ التقليل من شأن هذا الحلف الذي يبرز على الساحة العراقية ويريد السيطرة على العراق و يغير في الدستور مايريده لصالحه و كذلك الاستفراد بالسلطة والسيطرة على الجيش و مؤسسات الدولة .
لست متشائما وانني اعرف تمام المعرفة ان بامكان الكرد قلب الطاولة على اصحاب هذه الافكار الشمولية ودحرهم و ارجاع العراق الى النقطة التي باستطاعتهم نيل حقوقهم بطريقة اخرى .
وادرك جيدا ان مامن شخص او قوة او حزب يستطيع الاستمرار على نهج يخالف ما توافق واتفق عليه الاطراف الاساسية من المكونات العراقية في الدستور الذي استفتي عليه العراقييون ولن تنجح اية محاولات لاضفاء نزعة شوفينية او شمولية على الدستور فللكرد امكانية افشال اي تعديل لايحفظ للعراق ديمقراطيته وفيدراليته و تعدديته و ثوابته الدستورية المتوافق عليها .
ايضا اعرف انه لازال للكرد حلفاء اساسييون من الاخوة العرب وغيرهم في العراق وبامكانهم التصدي لهذا التوجه المقيت في حينه وفي لحظة معينة اضافة الى ان الولايات المتحدة ابدت التزامها التام بالدفاع عن العراق الديمقراطي الفيدرالي في الاتفاقية الموقعة بين الجانبين.


لكن بالمقابل ينبغي على القيادة الكردية المنتخبة اخذ كل الاحتياطات اللازمة لدرء العراق و كردستان هذه المخاطر عبر المراجعة المستمرة لمواقفها ومواقف الاخرين والتعامل معها بكل حرص وارى من الضرورة اعطاء المقابل رسالة حزم وتحذير من الافراط بالدستور وما اتفق عليه .


من ضمن هذه الاحتياطات (وهذا مغزى كتابة مقالي هذا) ينبغي انتقال الكرد من ممارسة سياسة ابداء حسن النية الى ممارسة سياسة الحذر من الذين اكرمهم الكرد ودعمهم ودافع عنهم ولم يتخل عنهم وقد بدأوا يتمردون عليه ويتصدون ليس لحقوقهم بل لوجودهم ودورهم ايضا وذلك انطلاقا من المثل الشهير :احذر اللئيم ان اكرمته .
في المقابل هناك واجبات على القيادة الكردية ايضا في ضرورة مراجعة الذات و التخلي عن بعض السياسات والممارسات الخاطئة او الاستفزازية التي نحن والعراق في غنى عنها .
اللهم اني بلغت

محمد عثمان
*كاتب وصحفي كردي