المذبحة التي ارتكبتها قوات الجيش السريلانكي ضد شعب التاميل، لم تحمل البصمات المحلية فقط، بل جاءت كإحدى بنات افكار النظام العولمي المحافظ على هيكيلية الديكتاتوريات القديمة، والقامع لكل حركة تحرر تنشد إنتزاع الحقوق وضرب هذه الهيكلية الظالمة. المذبحة، كذلك، تهدف إلى توطيد أقدام quot; القطب الواحدquot; وتكريس ذيول هذا القطب من أنظمة الفساد والقتل في مشارق الأرض ومغاربها. هذا النظام لايريد الإختلاف والتنوع، بقدر ما ينشد المحافظة على اللون الواحد المسيطر، الضامن لمصالحه والمدافع عن سيطرته على قوت الناس ومستقبلهم.

القوى التي أوعزت للحكومة السريلانكية بالهجوم على معاقل التاميل بهذه الوحشية وبإرتكاب كل هذه الجرائم، وتعهدت بالتغطية عليها وشرعنّتها وفق ديباجة quot;القانون الدوليquot;، وquot;حق الدفاع عن حرمة الحدودquot;، حتى لو كان الثمن ذبح شعب أعزل، هي نفسها القوى التي تزرع التأزم والخلاف والشقاق بين الشعوب المتعايشة في الأطر الحدودية الواحدة. هي نفسها القوى التي تؤجج الخلافات وتغذي الصراعات وتمدها بأسباب البقاء. ولايهم لو كان الثمن هو دماء ودموع مئات ملايين الأبرياء. فلكي تقضي هذه القوى على حركة تحرير نمور إيلام التاميلية، فلايهم ان تقتل الآلاف من الأبرياء العزل. فالغاية تبرر الوسيلة. والغاية هنا هي الذبح والتطهير العرقي. والوسيلة هنا هي quot;مكافحة الإرهابquot; وquot;المحافظة على حدود الدولةquot; وquot;صون سيادتهاquot;!.

حماة النظام العالمي الجديد يريدون سحق حركات التحرر ووضع الشعوب في حظائر مغلقة، بحيث لايصدر منها أي ردة فعل على إستحكام وإستهتار هذا النظام بالكرة الأرضية كلها. والبداية هي إدراج إسم هذه الحركات، وشعوبها بالتالي، في خانة quot;المنظمات الإرهابيةquot;، وهي الخطوة الأولى لتفعيل quot;القانون الدوليquot; ضدها، لرجمها وتجريمها بعد ذلك. فكل من يطالب بحقوقه وبالإعتراف بهويته لن يناله سوى الحرب والقمع. هذه هي الرسالة التي أوصلها النظام العالمي الجديد للشعوب ولطليعاتها التحررية. وتم تطبيق هذه الرسالة حرفياً وبحرفية كبيرة على الشعب التاميلي وحركته التحررية.

هدف الأنظمة القامعة ومن ورائها النظام الدولي الجديد هو نسف آمال الشعوب والأقليات في الحرية والإنعتاق. يتم القضاء على هذه الآمال بضرب حركات التحرر المنظمة لهذه الشعوب. ويتم النيل من حركات التحرر، في إحدى تجليات هذه الحرب، عبر النيل من شخصيات قادتها. ومن هناك رأينا حجم النشوة السريلانكية بحادثة مقتل قائد حركة نمور تحرير إيلام فيلوبيلاي برابهاكاران. الحكومة اعتقدت بانها قضت على الشعب التاميلي في شخص هذا المناضل. ولكن هيهات. التاريخ ينفي ذلك بشدة. لم تتمكن اي حكومة من القضاء على ثورة شعب ما بمجرد نجاحها في قتل قائد ثورة هذا الشعب أو أسره. هذا حصل مع كل من سبارتاكوس وعمر المختار، ومارتن لوثر كنج، وتشي غيفارا، وعبدالله اوجلان، وأخيراً فيلوبيلاي برابهاكاران. الشعوب هي التي تصنع القادة وهي التي تصدّرهم وليس العكس. هؤلاء تحولوا لرموز لشعوبهم ولكل الشعوب المضطهدة والأحرار في العالم.

النظام العالمي عندما يتحدث عن الحرية والمساواة والحقوق فهو قطعاً لايقصد حقوق الشعوب المغلوب على أمرها ومساواتها بالآخر. هو يقصد حرية التحرك ضمن الفلك المرسوم. المساواة في التبعية، وبطش الأنظمة المرخص له بالشعوب. الحرية تعني ترك الشعوب والأقليات المظلومة تتعرض إلى الإلغاء والمصادرة والتذويب على أيدي مسننات هذا النظام، واي تحرك من جانب هذه الشعوب سيعتبر على الفور quot;خروجاً عن القانونquot; وquot;تمرداً خطيراًquot; يجب سحقه بقسوة. ومن المحزن أن دولاً مثل الصين وروسيا، يقال بانها ضد الهيمنة الأميركية، تقف صامتة وكأن على رأسها الطير، أمام حملات التصفية والتطهير العرقي هذه.

الدولة التركية مثال ساطع على النظام المدلل لدى عتاة العولمة الحديثة. هي ومنذ عشرات السنين تقمع وتقتل الشعب الكردي. سبق لها ان قتلت الشعبين الأرمني والآشوري، وquot;طهرّتquot; البلاد من اليونان والروم. الآن هناك حرب شعواء تٌشن ضد الكرد، بمعية وموافقة النظام العالمي هذا. يتم القضاء على ثقافة شعب كامل بموافقة هذا النظام. واي ردة فعل يتم تجريمها في الحال، وتدرج ضمن خانة الإرهاب غير المسموح به. ليس للأمم المتحدة دور هنا. المؤسسة المكلفة بمطاردة الشعوب هي حلف شمال الأطلسي( الناتو)، الذراع العسكري للنظام العالمي الجديد.

لم يكن غريباً ان يهرع الرئيسي السريلانكي ماهيندا رجاباكسي إلى الإتصال بنظيره التركي عبدالله غول وعرض بضاعته الدموية عليه. رجاباكسي زيّن لغول الحرب وأفهمه بأن قتل عشرات الآلاف من مواطنيه ليس بالثمن الكثير لدحر quot;حركة تمردquot;. إتصال هذا الرجل بالرئيسي التركي يعتبر عاراً ما بعده عار للجمهورية التركية. ففي الوقت الذي تخوض فيه القوى الديمقراطية والمثقفون في البلاد نقاشاَ مفيداً حول ضرورة حل القضية الكردية في إطار الدولة والحوار مع حزب العمال الكردستاني، يعمد النظام العالمي إلى دفع رجاباكسي للإتصال بغول وعرض المساعدة في الحاق الهزيمة الكاملة بحزب العمال الكردستاني.

ولعل تصدي العديد من الكتاب والصحفيين في تركيا لعرض الرئيس السريلانكي المدمر، لهو جواب جيد ومشجع يوضح بان تركيا قد ملت من قتل أبنائها وأصابها الخراب من نصائح القمع والبطش، وهي بحاجة إلى السلام وليس للحرب.

كان على الرئيس التركي، الذي أصدر تصريحات مشجعة وإيجابية في الأسابيع القليلة الماضية حول ضرورة حل القضية الكردية سلمياً، ان يرفض التحدث مع الرئيس السريلانكي. كان على غول أن يغلق السماعة في وجه رجاباكسي بعد أن يقول له بالحرف: لايشرفني أن اتحدث مع رجل قتل آلاف المدنيين من أبناء شعبه في غضون ساعات، وأختار طريق الدم والثأر الطويل. هذا الثأرالذي نريد، نحن الأتراك والأكراد، هذه الأيام أن نضع حداً نهائياً له...

عزيز أوغور
صحفي ومعلق سياسي كردي