كما كان متوقعا جاء خطاب بنيامين نتنياهو رئيس وزراء اسرائيل امام جامعة بار إيلان في تل ابيب بمثابة إعادة صياغة لمواقفه السابقة، فاسرائيل يجب الاعتراف بها كدولة قومية لليهود، والقدس المحتلة عاصمة ابدية لدولة إسرائيل، وقضية اللاجئين يجب حلها خارج حدود هذه الدولة، والسلام الاقتصادي يحتل الاولوية على السلام السياسي، والانسحاب ليس مفتاحا للسلام،ولا تفكيك للمستوطنات القائمة في الضفة الغربية.

لم يتطرق نتياهو في خطابه الى مبادرة السلام العربية، ولا الى التسوية السياسية مع سوريا،ولم ينطق حرفاً واحداً عن خريطة الطريق، وشدد على ان قضايا الوضع النهائي ليست مطروحة للبحث في الوقت الراهن، وحتى مشروع السلام ياتي في قائمة اهتمامات حكومة إسرائيل بعد الملف النووي الايراني، والازمة المالية العالمية.

فالبرنامج النووي الايراني حسب تعبير رئيس الحكومة الإسرائيلية هو الخطر الأشد على الدولة العبرية، لأنه يمثل لقاء بين الاسلام المتطرف والسلاح النووي،.والأزمة الاقتصادية العالمية هي التحدي الثاني الذي يتطلب مواجهة عاجلة من خلال مشروع الموازنة الذي سوف يطرح على الكنيست الإسرائيلي قريبا.

وكما فعل الرئيس الامريكي باراك أوباما حين وجه خطابه للعالم الاسلامي من جامعة القاهرة طرح نتنياهو مفهومه للسلام من جامعة بار إيلان بتل أبيب، وكما استدل أوباما بآيات من القرآن الكريم والإنجيل والتوراة استدل رئيس وزراء إسرائيل بآيات من التورة مرددا في نهاية خطابه نبوءة اشعياهو النبي quot; لا يحمل شخص على شخص سيفا، ولا يتعلمون الحرب ثانيةquot;.

لكن نتنياهو لم يعترف بالأخطاء التي ارتكبتها اسرائيل خلال ال 61 عاما الماضية مكتفيا بالقاء اللوم على العرب والفلسطينيين، ولم يطرح في خطابه اية تنازلات تؤكد ما قاله بشأن الاتفاق مع أوباما حول مشروعه لتحقيق السلام الإقليمي وبدء عهد جديد للتصالح وتوسيع دائرة السلام. بل إن مفهوم السلام عنده يبدو مختلفا فهو يريد التطبيع قبل تحقيق السلام، ولعل هذا ما دفعه إلى توجيه نداء إلى الزعماء العرب يعرب فيه عن استعداده للقاءهم في أي مكان، وفي أي وقت، بهدف التعاون من اجل تحقيق السلام الاقتصادي، ليس باعتباره بديلا للسلام السياسي، ولكن كمقوم أساسي من مقومات تحقيقه، بهدف الدخول في مشروعات لتحلية المياه واستغلال الطاقة الشمسية ومد خطوط الغاز والنفط وطرق المواصلات التي تربط أفريقيا بآسيا وآسيا بأوروبا،والاستثمار في منطقة الخليج.

كما وجه دعوة مماثلة لرجال الاعمال العرب للإستثمار في اسرائيل لمساعدة الفلسطينيين ودفع الاقتصاد الاسرائيلي إلى الأمام، من خلال مشروعات مشتركة لتطوير مناطق صناعية وسياحية في الناصرة وبيت لحم و أريحا والقدس، وشاطئ طبرية وفي مواقع التعميد على نهر الأردن.

وفيما يتعلق بالمفاوضات مع الفلسطينيين دعا نتنياهو قيادة السلطة الفلسطينية الى مفاوضات سلام فورية دون شروط مسبقة مؤكدا التزام إسرائيل بالاتفاقيات الدولية بشرط اعتراف الفلسطينيين بإسرائيل كدولة قومية للشعب اليهودي، وهو ما يعني طرد مليون ومئتي الف عربي، من الجليل والمثلث والنقب والقدس، وحل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين خارج حدود إسرائيل مؤكدا quot;أنه بالنية الحسنة وبتمويل دولي يمكن حل هذه المشكلة مرة واحدة وإلى الأبدquot;.

كان رئيس وزراء اسرائيل واضحا تماما حين طالب الفلسطينيين اولا بالاعتراف باسرائيل كدولة قومية يهودية كشرط أساسي وجوهري للسماح لهم بالعيش في مناطق مفككة الأوصال تحمل اسم الدولة لكنها دولة بلا جيش، ولا سيطرة لها على الأجواء مع ترتيبات أمنية بإشراف دولي واستمرار المستوطنات الحالية في الضفة الغربية وبقاء القدس عاصمة ابدية وموحدة لدولة إسرائيل.

وهكذا دعا نتنياهو العرب للتطبيع المجاني، والاعتراف بإسرائيل كدولة قومية يهودية، وهو ما يعني عدم أحقية العرب المقيمين بالبقاء فيها، وحل مشكلة اللاجئين خارج حدود اسرائيل، واستمرار القدس عاصمة لإسرائيل مقابل السماح للفلسطينيين في وقت لاحق لم يتم تحديده بالعيش في محمية منزوعة السلاح تحت الرقابة الاسرائيلية والدولية.

ما طرحه نتنياهو يتعارض تماما مع ما طرحه أوباما بشان تجميد الاستيطان في الاراضي المحتلة والقبول بدولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة تتمتع بالسيادة الكاملة على أراضيها واجوائها ومياهها وتعيش جنبا إلى جنب مع الدولة الإسرائيلية. بصراحة خطاب نتنياهو ينطبق عليه المثل الشهير: تمخض الجبل فولد فأرا!

عبد العزيز محمود