لم تكن نتيجة الانتخابات الإيرانية مفاجئة لأحد على الإطلاق، وحتى لو فاز المرشح الإصلاحي، رئيس الوزراء الإيراني الأسبق مير حسين موسوي، فإن تحولاً جذرياً على السياسة الخارجية، ولاسيما الملف النووي، الشغل الشاغل للشرق والغرب، لن يكون ذا قيمة، أو بال، في مطلق الأحوال، فإن هذا الأمر يقع في نطاق المحظورات والاستراتيجيات المبدئية الثابتة التي قامت عليها الثورة الإسلامية الإيرانية في العام 1979، ويغذي خطابها وجود، ويدعم شرعية نظام الملالي.

وتبقى رمزية المنصب الرئاسي بروتوكولية وشكلية، في مطلق الأحوال، وهي هنا، قضية أخرى. وبرأينا المتواضع، وطبقاً لفورة الغضب العارمة هذه، التي تنطلق وتتوجه في غير مراميها المنطقية، حيث يجب أن تكون باتجاه موقع الولاية الكبرى لمرشد الثورة الإيرانية على الخامنئي الذي يقبض على مفاصل القرار، وليس موقع الرئاسة، وذلك وفقاً للهرمية الكهنوتية الملية التي تحكم إيران الخمينية والتي تضع الولاية في مكان مقدس. إذن إن فورة الغضب هذه يمكن أن تؤخذ، بأنها موجهة، وبشكل جريء غير مباشر، باتجاه ذات الموقع quot;المقدسquot;، للولي الفقيه، كونه الحامي، والراعي، والداعم لنجاد، ولكن لا يجرؤ أحد، ومن منطلقات دينية، وفقهية الاقتراب، حتى الآن، من المرجعية بأي شكل من الأشكال. غير أنه يمكن القول، بالإجمال، بأن التعبير عن الغضب، والرغبة في التغيير قد بدأت تسري في جسد الجمهورية الإسلامية بعد الوقوع في نمطية وترهلية بادية للنظام، ولاسيما على الصعد الداخلية اقتصادياً واجتماعياً، حيث التحولات العولمية الكبرى تفعل فعلها، في نظام بات، وفي تناقض صارخ، ينطوي على بعض ملامح قروسطية ظاهرة، في وقت يسعى فيه لتبوء سدة المنصة النووية في منطقة تغلي على براكين متنوعة.

لاشك، بأن الدعم الذي حظي به الرئيس نجاد من قبل المرشد الأعلى السيد خامنئي، يقف بشكل جزئي، وراء هذا الفوز الكاسح الذي بلغت نسبته حوالي الـ64%، إضافة إلى التأييد المطلق الذي يتمتع به نجاد في أوساط الطبقات الأكثر فقراً، وتديناً وإملاقاً وتواضعاً، وهم يشكلون الأغلبية الساحقة من أبناء الشعب الإيراني، والتي تتسم- الأغلبية- بالطابع المحافظ وتسري في دمائها القيم الإسلامية التقليدية، ولذا يبدو من السهل، جداً، التحكم بتوجهاتها، وسوسها وفق الخطاب المعروف، quot;إياهquot;، فيما يحظى المرشح الإصلاحي مير حسين موسوي بدعم النخب الليبرالية والمثقفة والتي تشكل نسبة قليلة من مجموع السكان في إيران، إضافة إلى الطبقة النخبوية المتوسطة، والأثرياء الجدد القادمين من أوساط quot;الفسادquot; الإيراني الذين تكلم عنهم نجاد في مناظرته التلفزيونية الشهيرة قبيل الانتخابات.

كما تتسبب السياسات الغربية المعادية لإيران والخطاب quot;الاستكباري الاستعلائيquot;، وفق منظومة التعبئة الملية، والموجه ضدها من دوائر غربية بعينها، في مراكمة وإذكاء وتوليد مشاعر قومية، وشوفينية لاهبة لا يمكن إنكارها، وترتبط بالمفهوم والولاء الوطني، الذي لا يغيب عن بال، وقلب معظم الإيرانيين، سواء اتفقوا أم اختلفوا مع سياسات الرئيس نجاد، ومع نظام الولي الفقيه، الذي يعتمد في شرعيته على انتظار quot;الإمام الغائبquot;، The Hidden Imam.

ويلعب، أيضاً، الخطاب الإقليمي التعبوي الموجه والحافل في مجاهرة الخصومة لإيران وquot;مناصبتهاquot; العداء، جنباً إلى جنب مع عملية تنمية حالة من الاستقطاب السياسي بين اعتدال وممانعة، إضافة لاستقطاب آخر أشد خطراً وتأثيراً وهو الطائفي السني-الشيعي، غير المسبوق، وبذاك الشكل المهوّل، أيضاً، نقول يلعب دوراً في تخليق اصطفافية طائفية داخلية محتقنة ومعبأة هي الأخرى، وضمن شرائح إيرانية واسعة، ومستعدة للانضواء تحت راية القوى المحافظة والمتشددة، التي يمثلها الرئيس نجاد، والسيد الخامنئي، والمرجعيات الأخرى المحافظة التي quot;تدّعي الحفاظ على المذهبquot; من الضياع وممن quot;يناصبهquot; العداء، والتي تعتقد تلك ndash;الشرائح- بأنها ، أي المرجعيات المقدسة والمحافظة- هي الوحيدة القادرة على حمايتها مذهبياً، والإبقاء على كينونتها سليمة من أصحاب التيارات الحداثية والإصلاحية التي تـُصوّر، وتربط عادة بمعاداة الإيمان والقيم المحافظة، ومحاولة القضاء على الأديان، وهذا أمر لا يغتفر في نظر المحافظين والأتباع. كما كان للهجوم المسبوق الذي شنه جاد ضد الفساد والمفسدين في الأرض، الذي دعموا مير حسين موسوي في زيادة شعبية هذا الرئيس المتواضع والذي يعيش حالة شبه تقشف في حياته الخاصة والعامة متمثلاً قيماً وسلوكيات يتوق لها الكثير من الإيرانيين وتلهمهم إلى حد كبير، في ظل الفساد المستشري في هذا البلد الإسلامي.

كما كان للكثير من التطورات الإقليمية الأخرى، ومن بينها التصعيد الإسرائيلي في غير مكان، والحرب في العراق، ولاسيما الأحداث المؤسفة والدموية التي ارتكبتها القوات الإسرائيلية بحق المدنيين والعزل في غزة، ومناظر الموت والدماء التي حملتها وسائل الإعلام، وساهمت في تذكية مشاعر العداء لإسرائيل ومن يقف ورائها من قوى الاستكبار، وبالتالي الوقوف وراء من يعادي هذه القوى وهو نجاد والإمام الخامنئي.

إن العوامل الداخلية، والخارجية، تلك التي ساهمت، إلى حد ما، في ذلك الفوز الكاسح للرئيس نجاد، هي نفسها التي ستبقي على حالة التشدد القادمة في إيران، والتي لا تستثني أحياناً لا إصلاحيين ولا حداثيين، من أن ينضووا تحت جناحها، حتى لو لم يكونوا من مؤيديها، وهي السبب في التقدم الكاسح لنجاد، ووفقاً للقاعدة الذهبية التراثية المعروفة، ليس حباً بعلي، وإنما نكاية بمعاوية.

نضال نعيسة