في الندوة المائة لمنتدى الحوار
ليس من حق أي سلطة أن تحجر على حرية التعبير
محمد الحمامصي من الاسكندرية: احتفل منتدى الحوار برئاسة الدكتور محسن يوسف مساء أمس بالندوة المائة في سلسلة الندوات النصف شهرية التي بدأها قبل حوالي خمس سنوات. كان ضيف الندوة د. إسماعيل سراج الدين مدير مكتبة الإسكندرية، والذي اختار أن يكون موضوع النقاش قضية حرية التعبير. قدم للندوة الدكتور جابر عصفور، مشيراً إلى فضل الدكتور عادل أبو زهرة صاحب فكرة منتدى الحوار، حيث اتسعت دائرة منتدى الحوار لتشمل أساتذة من العالم العربي. وقد أشار د. سراج الدين في محاضرته أن قضية حرية التعبير قد أصبحت اليوم تعاني من خطر محدق، فبدونها تنعدم الشفافية، وتصبح حقوق الإنسان وكأنها شئ عديم القيمة. وذكر أن الحديث عن حرية التعبير يعني حق قول الكلمة وحتى وإن كانت صعبة، فلا يمكن أن نتكلم عن الديمقراطية والتعددية وحق الأقلية بدون حرية التعبير. وأكد أنه لا يمكن أن نتحدث عن العلم والمعرفة وجرأة البحث العلمي والأفكار الخلاقة وراء كل بحث دون حق التعبير عن الرأي المغاير والمخالف عما اعتدنا عليه. وألمح إلى أن العولمة حقيقة واقعة لا نعرف مؤداها ولكن الجميع يشعر بتبعاتها.بمعنى أن التيارات التي فتحت عقول الدول على مصراعيها وأشعرتنا بأن الدولة التي تعلمنا حدودها تغيرت، وأننا نعيش في عالم يتغير كل لحظة، بل وأصبحت أمريكا غير قادرة على التعامل مع المتغيرات الجديدة سواء الاحتباس الحراري أو أزمة الغذاء أو أسعار العملات أو أسعار النفط، ومع حدوث التشابك العالمي أصبح من المستحيل أن تعزل دولة نفسها عن هذه الأمور.
وحول الانفتاح على الرأي والرأي الآخر؛ قال سراج الدين أن الانترنت أصبح وسيلة تمكن الشباب من اكتشاف الآراء وأصبحت المدونات وسيلة موازية للإعلام، وقد جعلت موسوعة مثل موسوعة ويكيبيديا عدد كبير من الشباب يساهم في صناعة الثقافة. فهناك عشرات الألوف من المستخدمين يرفضون الغث من المعلومات ويضيفون المعلومات المفيدة.
وأشار د.سراج الدين أن مكتبة الإسكندرية ترعى حرية المشاركة والرأي والرأي الآخر، وأنها تهدف إلى تفعيل مشاركة الشباب وحثهم على التعبير عن رأيهم خاصة في ظل الثورة التكنولوجية الحالية التي نعيشها. وكشف سراج الدين أن الوجه القبيح لحرية الكلمة هو أنها قد تتسبب في الفرقة والفتنة الطائفية بسبب حرية تداول الأفكار والتي قد تساهم في انتشار الأفكار المغلوطة والسيئة.
ثم انتقل مدير مكتبة الإسكندرية للحديث عن أمثلة لقمع الحريات في العالم ومن بينها رفض الرئيس الأمريكي جورج بوش لقانون منع التعذيب رغم أن الدستور الأمريكي يمنع التعذيب، فيما توجد لدي إنجلترا أطول مدة حبس احتياطي. وركز على أربع تجارب أمريكية حول حرية التعبير منها قضية الرئيس جون ادمز، ثاني رئيس أمريكي، والذي رفض الانجراف إلى حرب مع انجلترا، أما التجربة الثانية التي مرت بها أمريكا إبان الحرب العالمية الثانية، كانت عندما قام الرئيس فرانكلين روزفلت باعتقال 100 ألف مواطن أمريكي بدون تهمة ولكن بسبب أصلهم الياباني وأطلق سراحهم في نهاية الحرب، أما الرئيس لينكولن فقد قام بخرق القوانين في الاعتقال والحبس عندما أمر باعتقال إداري, بدون محاكمة لعشرات آلاف الأشخاص بشبهة quot;عدم الوفاءquot;. أما الرئيس بوش الابن فانه قد خالف القوانين والأعراف الدولية بتجربة سجن أبو غريب.
وأوضح سراج الدين أن العالم الآن يمر بفترة إعادة هيكلة ليست اقتصادية فقط وإنما في كل مناحي الحياة، فقد غيرت ثورة المحمول من المفاهيم الثقافية، كما أنها جعلت التواصل بين الشعوب أمر سهل للغاية.
وحول مفهوم التسامح، أكد سراج الدين أن التراث العربي الإسلامي ملئ بالأمثلة على قبول التعددية والرأي والرأي الآخر. فقد تسامح العرب مع أبو العلاء المعري الشاعر الذي عبر عن أفكاره بحرية كبيرة لا توجد لدينا الآن، فقد هاجم الأديان بكلام مستفز وبطريقة فظة إلا أنه لم يتعرض لكل وسائل القمع الفكري التي نعايشها الآن. فلم يمنع كتاباته أحد وذلك منذ ألف سنة. لذا فإن كل الانجازات جاءت من هذا المجتمع السمح الذي احترم حرية التعبير.
وألمح إلى أنه إذا كان أجدادنا سمحوا بحرية التعبير فهذا يعني أنهم كانوا أصحاب مبادئ تقدمية ساهمت في جعلهم صانعي حضارة ما زال العالم الآن يدين لها بالكثير. فعلينا أن نفكر في هذه الأمثلة والبعد عن التخوف من الغزو الثقافي وضياع الهوية.
فالمسلمين الأوائل عندما اصطدموا بالثقافات اليونانية والهيلينستية فقد استفادوا منها وترجموا أمهات الكتب عنها مما جعلهم قادرين على مواكبة الفكر العلمي المتفتح. فعلينا أن نكف عن الخوف من المشاركة في المستقبل، وأن نهم بإبداء آرائنا وخوض المعارك الفكرية دون خوف، وعلينا أن ندفع شبابنا لذلك أيضاً وأن نأخذ من العلم بقدر استطاعتنا والبحث عن الإضافة والجديد فيه. فقد ثبت أن الشباب المصري إنتاجيته أعلى ثلاثة أضعاف من الشباب في الصين، وذلك في مشروع المليون كتاب أحد مشروعات المكتبة الالكترونية، مما ينبهنا للكف عن التقليل من قدرة شبابنا على الانجاز.
وعقب انتهاء كلمة د. سراج الدين، أوضح د. جابر عصفور أن ضيوف منتدى الحوار من المحاضرين لا يصدرون أفكار بل يناقشون موضوعات متنوعة تفتح المجال للحوار، وانه سوف يمضي في هذا النهج في الندوات القادمة أيضاً.
وقد شهدت الندوة تعقيبات عديدة أثرت النقاش حول قضية حرية التعبير، كان منها تعقيب للأستاذ صلاح فضل، قال فيه: أن منتدى الحوار يعد أعلى راية للحرية في مصر وقد احتوت مناقشاته ما لم يقال في أي منتدى آخر، وأشار إلى أنه ليس من حق أي سلطة أن تحجر على حرية التعبير، والصراع حول الحرية ليس بين الشعب والحكومة بل إن هناك قوى ظلامية تريد أن تعود بنا للوراء لكي تعيد بناء نماذج لا يمكنها أن تواكب العصر الحاضر. علينا أن نعود إلى الحوار والإقناع بالحجة وليس بالحجب.
وأشار د. حسن نافعة أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، إلى أنه لا يمكن الحفاظ على الأمن القومي إلا من خلال حرية التعبير، وان حق تشكيل الجماعات والأحزاب لن يتحقق إلا من خلال حق التعبير لقوى المجتمع المدني. ورأى أن المخاطر التي تهدد حرية التعبير إنما هي نابعة من مصالح للقوى العظمي على المستوى الدولي وغياب نظام دولي ديمقراطي.
أما أمينة شفيق، فقد رأت أن الحرية يجب أن تكون لدفع تقدم المجتمع، وليست هي حرية الفرد وإنما هي تعني أن الناس تعبر عن مصالحها بشكل متساوي، وبالتالي فان المجتمع كله سيكون منظم ويسهم ذلك في بناء حرية المجتمع.
وذكر د. مصطفى العبادي أنه في مكتبة الإسكندرية القديمة كان متوسط عدد العلماء في الموسيون حوالي 100، وكانت حرية البحث العلمي مطلقة ولكن الحرية السياسية لم تكن مكفولة. ولكنه أكد على الناحية العلمية التي هي مصدر قوة أي مجتمع.
أما المستشارة تهاني الجبالي، فأكدت أن الإقرار بالحق خاصة حقوق الفرد في التعبير يمنحنا الفرصة لرفض القيود والاستبداد، وأن إعادة هيكلة العالم تتطلب ضمائر المثقفين في تمهيد الطريق أمام اللحاق بركب التقدم.
فيما أكد د. محمد صابر عرب أن هناك نماذج كثيرة للحرية، ولكن الحرية المجردة لا تؤدي للهدف ولكن يجب أن تكون في إطار مؤسسي. وأشار وزير الاقتصاد الأسبق سلطان أبو علي إلى أن هناك تكفير وظلام سائد في المجتمعات العربية رغم سماحه الإسلام، والسبب الرئيسي هو فشل الأنظمة في الدول العربية.
واختتم الدكتور إسماعيل سراج الدين الندوة المائة بقوله أن من يريد حرية التعبير عليه أن ينتزعها، بل وعليه أن يدفع ثمنها وهذا هو السبيل الوحيد لحرية التعبير، وأضاف أنه يجب علينا أن نهتم بغرس هذه القيم في الشباب. وأنه ليس هناك مجال للشك أن الانتعاش الثقافي والفكري سببه السماحة بين الشعوب وبعضها وبين أفراد المجتمع الواحد والتي بدورها تدفع للمزيد من الانجازات الثقافية.

جدير بالذكر أن تأسيس هذا المنتدى جاء تجسيدا لأهداف ورسالة مكتبة الإسكندرية لتكون ملتقى للحوار الحر الذي يساهم في إتاحة مناخ للتفاعل بين الذات والآخر، باعتبار أن التقدم والتطور والتجديد لا يتحقق إلا من خلال مناخ مفتوح للفكر الحر والرؤى الجديدة والثقافة النشطة. يشار إلى أن موضوعات منتديات الحوار التي تم تنظيمها حتى الآن توضح التنوع الذي تميزت به، حيث تناولت موضوعات تتعلق بالطب والعلم والاقتصاد والسياسة والدين والفنون والآداب والعلوم الإنسانية والاجتماعية، وغيرها. كما اشترك فيها نخبة متميزة من العلماء والمثقفين والمفكرين والفنانين الذين أسهموا بفاعلية في أعمال تلك الندوات.