كامل الشيرازي من الجزائر: تستعدّ مدينة تلمسان (800 كلم غرب الجزائر)، هذه الأيام، بصورة حثيثة لاحتضان quot;عرسquot; الثقافة الإسلامية عام 2011، بعدما جرى اختيارها عاصمة لذلك، وقالت وزيرة الثقافة الجزائرية خليدة تومي، أنّ بلادها سترفع تحدي تنظيم هذه التظاهرة الكبرى، وقالت إنّ السلطات تعتزم إشراك ومساهمة كل الأطراف المعنية، وتسطير برنامج ضخم ومنوّع يشمل نشاطات على مدار سنة 2011، بشكل يكفل إنجاح الطبعة الخامسة والعشرين من عواصم الثقافة الإسلامية.

وكانت المنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم قررت السنة الماضية إسناد شرف احتضان التظاهرة المذكورة إلى مدينة تلمسان العام 2014، لكنها اختارت مطلع يناير/كانون الثاني الماضي على تقديم الموعد بثلاث سنوات، ويعدّ هذا الحدث الثقافي الثاني من حيث الأهمية في الجزائر، بعد احتضانها الثقافة العربية خلال سنة 2007.

وتعدّ مدينة تلمسان تحفة أندلسية من زمن المرابطين والزيانيين، إذ تتميز بملامحها الساحلية الجميلة، في صورة عشرات المعالم التي تحتويها من قلعة المنصورة، إلى مغارة بني عاد مرورا بقصر سيدي بومدين وغيرهما من المعالم الأثرية النفيسة، وتبعا لجمال وعراقة هذه المنطقة، تغنى بها الشعراء الكبار، ومجدها المؤرخون، واشتهرت كعاصمة للدولة الزيانية، وانفردت بكونها إحدى أكبر مفاخر المرابطين في المغرب الأوسط، وتتمتع بعراقة لافتة في صورة احتضانها لعديد المرافق الأثرية، واحتضانها لزهاء 60 مسجدا، بينهم المسجد الجامع الذي بناه المرابطون قبل 855 سنة خلت، على يد quot;علي بن يوسف بن تاشفينquot;(1106ه/1142 م).

وتذكر مصادر تاريخية، إنّ أصل تسمية تلمسان يعود إلى قبيلة جزائرية كانت تحكل الإسم ذاته، وكانت في اوج عزها اثناء قيام دولة الأدارسة في المغرب العربي وكانت لها هيبتها الا انها تراجعت بعد حروب عديدة، بيد أنّ quot;أبا الحسن المرينيquot; أعاد بناء تلمسان، عندما أراد الاستحواذ على المدينة عام 1337هجرية، وشهدت على مدار تاريخها الحافل تعاقب عائلات كاملة من العلماء الكبار على الإمامة وإلقاء الدروس على غرار: عائلة المرازقة، وعائلة العقبانيين، وابنا الإمام، وابن زاغو، وابن العباس، والسنوسي، وابن زكري، والمغيلي، والمازوني، والونشريسي، والحوضي، والتنسي، وغيرهم.
وقد استمد سكان المدينة من هذه الخاصية التلقينية والدعوية الاستثنائية التي انفرد بها المسجد الجامع، قوة جعلتهم يقفون بضراوة أمام موجة التغريب والمسخ ومحاولات مسح الشخصية المسلمة واللغة العربية أيام الاحتلال الفرنسي للجزائر (1830 م/1962 م).

ويذكر الباحثان أبو عبيد البكري وجورج مارسيه، أنّ تلمسان بتلالها وبساتينها المثمرة الممتدّة، ظلت زاخرة بمدارس كبرى منذ القرن قبل الماضي، كما كانت حافلة بمجالس مختلف العلوم، وكانت تدرس فيها أمهات الكتب والدواوين، بدءا من القرآن والحديث وعلومهما، إلى العقائد وأصول الدين، والفقه وأصوله، واللغة وعلومها، والتصوف، والمنطق، والفلسفة، والطب، والهندسة، والفلك وعلوم الزراعة، ما جعلها تضاهي مدن فاس والقيروان والقاهرة.
والزائر لتلمسان كما المقيم فيها يلفت نظره دونما شك، معالمها الإسلامية المتشامخة التي تحيط بالمدينة من الغرب، وتطلّ على خلفه، وهذه ليست كلَّ شيء في معالم المدينة التي لا تزال تنتظر أن تأخذ نصيبها الذي يستحق من البحث والدراسة والاهتمام، طالما أنّ كثيرا من جوانب تلمسان تبقى تسيل لعاب المولوعين.

وخلف أسوارها وأبراجها وكهوفها، تظلّ آثار باطنية كثيرة مخبوءة في تلمسان، وتنتظر رياح التنقيبات الأثرية، ما قد يميط اللثام عن عديد الكنوز المجهولة، علما إنّ مؤرخين مشاهير من قامة عبد الرحمن بن خلدون وابن أبي زرع، أبدوا انبهارهم بحاضرة تلمسان التي كانت في وقت ما لؤلؤة المنطقة المغاربية.