الفصل الثامن والأخير من كتاب {صوت سنبلة قمح لم تولد}


Dieu

{أريد أن أعيش فظاً قاسياً متغطرساً
بما انني خُلقت على صورة الله ومثاله
وأنا كإله شديد الخضوع للقدر
الذي خلق لي حسرة من الغرائز البدائية، وقد تنبأ بخروج إله
من سلالتي
عادل وواثق من نفسه يقول:
انظروا لقد ولد لكم من الحيوان انسان}. (
أبوللينير)

ليل الجرح

تموت سنوات صيف الثمرة وتعود أكثر صفاء في طيرانها بين الأفنان المتثائبة لحياة الانسان.
هل تجدي تراتيلنا نفعاً وسط هذه الشهقات العليلة لأشرعة النهار المقيّدة والطافية فوق مياه الصمت الممتدة باتجاه ذبول الأشياء ونظائرها المتعددة؟ غرف أنثوية عميقة في الشجرة النقية للزمن، تحجبنا عن رؤية الصلاه الخفيفة للفراشة في غابات الرغيف، لكن النشوة الفاترة لحملقاتنا في الممرات العالية لما وراء الوجود. تصيبنا بالتشنج والانحلال،
والانحرافات الغامضة لقناديل المطلق التي تسحبنا باتجاه الاشارات المتهدجة
للمادة. لا تعيننا على النهوض من رقادنا المنعطف بين الحشائش المتعففة في تلوناتها المزدوجة. في كل رابية ومنحدر لنا ريشة متثائبة وفي كل حقل وصخرة لنا نافذة نرنوا عبرها الى الاعصار الذي يحنو على حيواتنا عديمة الرائحة. ينبغي أن نضرم النار في الجرح
ونرافق زيز الحصاد الى شعائره الخطرة. كل رعشة علامة صمت وكل ولادة تدفق حيّ لفقدانات جديدة. وحدها الظلمة العاشقة تعانق السنبلة والفضاءات المقفلة.

فجر الزمان
نموتُ في كل آنٍ بعيداً عن شواطىء رغباتنا وسطَ رياح الادراكات التي تتعثر بين الكلمة والفكرة. طائر السنونو الذي يحركُ عشه بين السروات المرفرفة في ليل الصيف الطنّان، هو قلق الانسان الأزلي في انبثاقاته المتعرجة صوب السقوط في الهاوية. هل المادة هي الوردة العميقة للوجود أم ستار الطاقة؟ هل تتماهى ادراكاتنا مع موضوعاتها؟ هل الحديقة والجبال والأنهار والتراب هي احساساتنا؟ نيران ارادتنا ترسخ نفسها بقوة في ظلمة العالم، لكن فجر الزمان الممتد بين الوجود والماهية، والاضافات المتعددة للفراغ، تطيحُ بالعظمة الانسانية وهي تتزلزلُ وتتقدم صوب الهاوية التي نسميها الايمان. الأشجار المحملة بالأثداء الكبيرة في طيرانها المترنح وهي تنفساتنا، تخفقُ في الهبوط فوق وميض المطلق. الطبيعة والتاريخ تجليات لروح الانسان الكبيرة التي تضيء في رفرفتها الإلهية ظلمة العالم.

ايور حمير
قراءتنا لقصائد الشعراء الذين لا يحرصون على تعلم الاصول الشريفة لفن الشعر ، تجعلنا نشعر وكأننا نجلس في حدائق أدغالها ايور حمير.


مازوشية

الشعوب العربية هي الوحيدة في الكرة الأرضية التي كلما فطس طاغية فيها. خرجت تندبه وتشيعه في النحيب والعويل، ونصبّت ابنه في مكانه.

أجمل القصائد

يمكننا العثور على أجمل القصائد عند الشعراء المبتدئين، لأنهم بصراحة في محاولة منهم لاثبات الذات وتسلق الهاوية المتعرجة للألم. يسطون على قصائد الشعراء الكبار ويمزجونها بتجاربهم الشيطانية والبريئة.


الظلال المنجمة

لا تتعاطف معي هذه الأشجار العارية في حتمية موتي
ولا هذه الأكاليل المنعمة رغباتي التي توسدت صمتها، أسمعها الآن تئن وأسمع
تنهداتها المصكوكة عبر رياح الخريف الدائمة لحياتي.
في الماضي حلمتُ في النوم على أرائك كبيرة بحديقة فارسي
تسقيني جاريتي الخمر وتغني لي عن اللذة والحب
لكن حلمي المطوق الآن يجبرني أن أحيا في ليل اسمنتي
غير مقطون.
يعبر الجميل الغريب والممتنع صوب المتاهة دائماً بلمحة خاطفة
لكن ما يعزينا في رغباتنا التي تنام في النوافذ المغلقة للعالم
هو الألم وأصيافه بيبوستها الغامضة.
نموت ويوقظنا عري القنديل
وفي الايقاظة المحترسة لرغباتنا تنبثقُ الظلال
المنجّمة لحياتنا المتصدعة.

ليل العصافير
الليلة الفائتة حلّقت طائرات جنسية أسفل الأشجار في غرفتي، وألقت منشورات تحرضني فيها على قطع أنفي. استجبت للتحريض برغبة شديدة واشتريت قطة يابانية ذيلها الضخم يشبه حبل مشنقة. صعدت الى سطح أعلى بناية في المدينة وألقيت نفسي في جوٍّ من المداعبات اللطيفة. وشت بي القطة التي نسيتها بالغرفة في حمّى هياجي الى الأعداء. عادت الطائرات تقصفني، وكنتُ كلما تطلق نحوي قنبلة أصدها عبر القذف المستمر. تمدد أنفي فدمغته ولغمّته وانشرح ليل العصافير في دويّ القذائف.


شدوّ الطيور في الأحلام
الصيغة المثلى لاحتفاظنا بجذوة الحب الأول مشتعلة دائماً. هي أن نحاول التجربة مرة أخرى. كل تقليد يرسخ الذائقة ويحجب عنّا ضوء القناديل التي تكمن خلفها الاختراعات المسلية للفكر والعاطفة. الانصات الدائم الى شدوّ الطيور في الأحلام. يخفف عنّا هول الصدمة الاستثنائية للذكرى.

نومة واحدة تكفي
محروساً بذكرى عميقة تلتهم الصدع اللانهائي لنومي أرنو الى التباطؤات المبهرة لأشواك الكلمة. قناديل وجهي التي انغرست في تقاطعات شوارع الشجرة
الذابلة لرغباتي. تنشر صمتها فوق صيف السنبلة المخلوعة للنهار.
لا أود التحديق الآن في أرض رأسي المتشنجة ولا أود الكلام عن عين الصقر في انصاتها للطريدة. نومة واحدة تكفي لمجيء النمل حيث العفونات تستقر فوق سواد الميت.
كل ما يبنيه الانسان وما يحافظ عليه ويصونه يجعله مفتاح الزمن هزأة ويفترسه بقوة عناكبه التي لا تتنفس.

رمال الزمن

يسابقُ الانسان في فتوته وهرمه الظلال العالية والسريعة للزمن، من أجل الوصول الى النبيذ الأحمر للهاوية لكن نغمة الزمن المتقرحة التي تتآكلنا في كل آنٍ باقية على حالها منذ الأزل. نحفر دائماً قبورنا وسط هذه الرتابة المتكررة لطبعات الحياة ونأملُ في صرخة جديدة تنبثقُ من شجرة ما أو أعطية رحيمة من الآلهة نرفعُ لها صلواتنا المريضة
وننادي: {تتبدلُ أطوار حيواتنا مليارات المرات ولم تتبدل النغمة العتيقة للزمن في رمال الخليقة}. التنهدات الخفيضة للانسان بحاجة الى حنوّك أيها الموت الجميل.

طاعة الخطر
تؤلمني أيام حياتي في كل حين، ولا قدرة لي على طاعة الأشياء الخطرة. الحل الأمثل لمصائبي هو أن ألقي بنفسي في الهاوية وأعود الى البيت محملاً بطرائدي التي اصطدتها في الظلمة. لا توجد طريقة فضلى تزيل شعوري بعدم الثقة في النفس. أفضل من تعرية عقلي أمام الحشود الغبية العمياء في الميادين العامة.

التقليد . الذوق العام
الحمقى هم من يرشدنا الى طرق النعيم الوردية ، ويعلموننا ازدراء الكذب والنفاق ونسيان الشغف في العادات التافهة . كل بحث عن النبيل والجليل لا جدوى منه اذا غاب عنه الدليل الأحمق. الخيلاء تجعل السماء محفرّة ومدلهمة. عبقرية. عبقرية استثنائية واحدة، نحتاجها دائماً للخلاص من هذه الأغلال التي تكبلنا منذ قرون. التجديف بصراخ عال ضد كل تقليد وضد كل ماهو مقدس ويحترمه المجتمع.


ضرورة التخلي عن الصداقات القديمة
تلزمنا الحاجة الدائمة والملّحة في الانعتاق من الضجر والسأم. أن نتخلى عن الصداقات القديمة البغيضة. كل صداقة تنزع عن أنهارها صفة الجريان . تخون اللحظات الذهبية للديمومة. ما يدهشنا في تطوافنا الحرّ عبر الأيام والليالي من أجل الامساك بقنديل المحبة والاحترام المتبادل للصديق، هي هذه التخرصات الكاذبة عند البعض، حول عدم القدرة على التواصل مع الماضي. كل هروب من الواجب، ينبغي الاشادة به.


حتمية السجن
يتيح السجن للانسان تأمل معنى حريته الخاصة. حياة من دون سجن. حياة سلحفاة. الحدود التي نحاول عبورها في انطلاقاتنا المتحررة من الخوف والوقوع في شراك العبودية. يجب أن لا تنسينا حقيقة شكوكنا في جدوى حريتنا التي يسيّجها أحياناً الايمان الحقير بفكرة ما، والموانع والتقاليد والعادات المترسخة. صياناتنا الدائمة لفكرة الفخ تحتم علينا أن لا ننسى اللحظة الصعبة لموتنا تحت الظلال الباردة لحتمية السجن.

السوريالية وتفاعلاتها النجفية 1
مدير الشرطة يرعى الملتقى الشعري
{بحضور الوكيل الاقدم لوزارة الثقافة العراقية السيد جابر الجابري وبرعاية مدير عام شرطة النجف السيد عبد الكريم العامري أقامت المديرية العامة لشرطة النجف الملتقى الشعري الاول بالتنسيق مع بيت الشعر في النجف الاشرف واتحاد الادباء مساء الاربعاء الماضي على حدائقها. اشترك في القاء القصائد الشعراء جابر الجابري وحمودي السلامي ومحمد سعد ووهاب شريف وضرغام البرقعاوي ووسام الياسري وشاكر القزويني وحسين ناصر وسعد صاحب وباسم الماضي وفاهم العيساوي وبهاء العابدي وكاظم العبادي وآخرون. قائد شرطة النجف والوكيل الاقدم لوزارة الثقافة قاما بتكريم الشعراء المشاركين في ختام المهرجان الذي صادف ليلة شهادة الزهراء ع مما جعل أكثر الشعراء يلقون قصائدهم في رثائها ورثاء أبيها وبعلها وبنيها}.
رسالة النجف الثقافية. موقع مركز النور بتاريخ 6 / 6 / 2009

السوريالية وتفاعلاتها النجفية 2
تأسيس منتدى الأدب النسوي

{وكان اتحاد الادباء في النجف قد بادر قبل عام الى تأسيس منتدى الادب النسوي في محاولة لكسر ذلك العائق. وتقول الاديبة رنا عبد الحليم، لاذاعة العراق الحر، ان المنتدى فتح المجال أمامها وغيرها من الشابات الاديبات لا رتياده، عوضا عن المنتديات التي يرتادها الشباب والتي يرفض العرف الاجتماعي النجفي ظهور المرأة فيها. ولم يكن عدد الحاضرات في الامسية الشعرية التي أقامها المنتدى في مقر الاتحاد، يتجاوز العشر نساء بين شاعرة وقاصة. وتعزو القاصة ايمان السلطاني سبب ذلك الى التخوف الذي يمتلك الكثير من الاديبات، ارتياد مثل امسيات كهذه التي تمنعها نظرة الرجل المحافظ، لكنها تؤكد انها {استطاعت التغلب على ذلك الخوف والتعبير عن ذاتها}. وسرعان ما تحولت الامسية الى التعبير عن الهموم والمشاكل، لذا دعت الروائية نادية الحيدري الرجال تحسين نظرتهم عن المراة، بوصفها نصف المجتمع، ورغم ذلك فهي ترى ان تأسيس المنتدى يعد انجازاً للمرأة النجفية.}(من مقال نشر بموقع {صوت العراق} تحت العنوان اعلاه بتاريخ 8 / 6 / 2009)

المرهم الشافي
المرهم الشافي لابعاد خطر الموت عن الجنس البشري، هو الموت نفسه.

الشمعة العميقة للوجود
لا شعلة ايمان عندي ولا يقين
والصلاة الى فكرة مجهولة، تزيدني يأساً واحتراقا
أود أن أبكي الآن تحت هذه السماء المحترقة والمتصدعة
والخالية من الآلهة والملائكة وقطرة المطر
لكنني أعجز عن البكاء.
احساساتي جافة ومتبلدة
ونار نفسي مطفأة
وحدها الأشجار وطيور البطريق من يواسيني ويمنحني الاحسان الجليل
والوثائق التي لا تدل الموت على طرقي.
أنا الآن حرّ
لكن حريتي ناقصة بسبب تفكيري في الثمار الناضجة في الفردوس.
أحيا في معتقل تسيجه حماقات ضعفي الانساني
وتسقط من بين يدي الثمرة.
يحتاج ضميري المضبّب بالرماد الى نار أنفاس جديدة
حتى لا تتجمد أيام حياتي في قبضة العقائد الفاسدة.
هل بوسعي الآن أن أصلح ما افسدته في حياتي الماضية
وأن أرفع جثتي عن التابوت؟
ألسنة لهب كثيرة في أعماقي، يمكنها أن تقشر روحي وجلدي
وتنوّر الممشى الضيّق لحياتي.
سأسلّم مصيري للهب الشمعة العميقة للوجود
ولا أدع الملائكة تؤرجح صيف حياتي في الظلام.


الكرامة الانسانية
انشغالاتنا في المسائل الدينية ومحاولاتنا للتقرب من الله. تنزع عنّا كرامتنا الانسانية.


تمايزات شخصية
ثمة كائن يبحث عن المطلق وينسى نفسه دائماً. السير مابين التضادات يعمق الشعور الغريزي للايمان باللاشيء. هل يتوجب علينا من أجل هذه التمايزات الشخصية المحبطة للّحظات القليلة للغبطة. أن نستمر في البحث عن ما لايعنينا وما لا جدوى منه؟

سند شرعي
التاريخ والطبيعة هما السند الشرعي الوحيد لمجمل آمال البشرية.

الموت من الحياة
لا توجد صياغات نهائية لموت الانسان وحيداً في غربته الدائمة. كل ميتة تبدأ وترسخ ماهيتها قبل ولادة الانسان الذي سوف يموت من الحياة آلاف المرات.

بحر الذهب
ثمار فراديس صدركِ والبطن والتماعة الشفتين. أنهارعقيق تسيل بشفافية مطلقة وتصب في بحر الذهب.

معدلات كبيرة في الولادات
المجاعات. الأوبئة الفتّاكة. الحروب النووية، هي ما نحتاجها في لحظتنا الراهنة من أجل الحفاظ على الجوهر الحقيقي للطبيعة. ينبغي التخلص الآن وبسرعة من تلك الأجناس التي تلوث الهواء والأنهار والأشجار. الأساليب التكنولوجية التي تستخدم من دون ضوابط في هذا البلد أو ذاك. تظهر معدلات كبيرة في الولادات.

وعود
السلالات الشقراء لطيور الغاق التي عبرت مضائق وعودكِ باتجاه القارة الجديدة. نسيت أن تستنبط نتييجة حزني حين مرّت بيّ. مامِن وقت جميل يساعدني على اراحة ضميري الآن. كل الأشياء التي أحببتها في الماضي، وكل الوعود التي تلقيتها. تهاوت وخيّم عليها الصمت والنسيان.

تدمير الألوية
كانت خطط القيادات العسكرية في الفيلق الخامس التي يشرف عليها الفريق الركن طالع الدوري. ترفع مباشرة الى القيادة العامة للقوات المسلحة ببغداد للموافقة عليها، وكانت الأوامر العسكرية الصارمة التي تأتي الى هذه القيادات من قبل صدام حسين. تلح في كل مرة على أن يوضع لواء مشاة أو أكثر وأفواج من الجيش الشعبي وسرايا مرتبة فوق كل جبل بقاطعي {حاج عمران وسيدكان} حتى لو لم يكن هناك أي هجوم، لكي لا تتمكن القوات الايرانية من احتلال أي جبل مرة أخرى. وهنا كانت أغلب ألوية المشاة العراقية في هذين القاطعين تتكبد الخسائر اليومية الجسيمة فوق الجبال بفعل القصف المدفعي الذي لا ينقطع. ومن المعلوم أن السياقات والنظريات العسكرية التي كان قائد القوات المسلحة العراقية المهيب الركن صدام حسين لا يفهمها أبداً - على الرغم من الدجل والتطبيل الذي لا ينقطع عن عبقريته العسكرية الستراتيجية وحنكته المزعومة - تؤكد دائما على أنه عند حصول معارك جبلية كهذه واحتلال الأهداف. يجب أن توضع مدافع عيار 106 ملم بعجلاتها المتحركة فوق الجبال وتباشر قصفها ضد القوات الايرانية. بالإضافة الى الأسلحة الأخرى التي تباشر الرمي والقصف من المواقع الخلفية والمتقدمة. دبابات. رباعيات. مدفعية 120 ملم. مدفعية 82 ملم. مدافع ثقيلة عيار150 ملم. لكن بدلاً من تطبيق النظريات والعلوم العسكرية التي كانت تدرس في {جامعة البكر العسكرية} و{الكلية العسكرية العراقية} فقد كانت أوامر وبرقيات صدام حسين الفورية تؤدي الى أن نكون نحن الجنود طعماً سائغاً لقذائف وصواريخ مدافع ودبابات وطائرات القوات الايرانية التي كانت تحصدنا ليلاً ونهاراً من دون هوادة فوق كل جبال قاطعي حاج عمران وسيدكان. وكان المشهد المؤلم في كل مرة. يتم على هذا النحو. يتم تكليف لواء المشاة 604 بالصعود الى جبل كرده مند ومسك المواضع الدفاعية. وحين تقوم المدفعية الايرانية بعمليات {التربيع} ضد مواضع هذا اللواء وتباشر بقصف كل متر من الأرض ب4 قذائف ثقيلة. تتشظى كل قذيفة لمسافة 500 متر. تكون النتيجة بعد اسبوع على أقل تقدير. هي تدمير اللواء 604 بالكامل والحاق الخسائر الكبيرة في الأرواح والمعدات. لتأتي أوامرصدام حسين مرة أخرى بتبديل اللواء المدمر وتكليف لواء المشاة 97 بالصعود الى الجبل بديلا عنه. وهذا اللواء يتم تدميره أيضا بنفس الطريقة السابقة التي دمر فيها اللواء 604. ومرة ثالثة يكلف لواء المشاة 98 بالصعود ومسك المواضع الدفاعية المهدمة بديلاً عن اللواء 97 ، ليتم بعد ذلك تدميره وقتل مراتبه وضباطه وهلم جرا. ولك أن تقيس على هذه الشاكلة. كم لواء تم تدميره في قاطع حاج عمران وقاطع سيدكان بسبب هذه الأوامر القاصرة والبعيدة عن العلم العسكري وتطبيقاته الأخرى التي كان صدام يلزم فيها جنرالاته المستعدين دائما لتنفيذ أوامره؟.

علامة تذكار
اضطجعتُ على فراشي وفكرت في هذه المروحة التي تحرك الهواء في الغرفة. من أين جاءت؟ من الذي وضعها هنا؟ وفجأت تذكرت انها رأس لص داهمته ليلة البارحة وهو يهم بسرقة نقودي. فرّ هارباً وترك لي رأسه علامة تذكار.

انذارات ودببة
كانت سياقات التدريب العنيفة في فوجنا. تمنح الجنود شعوراً بانهم مثل الخراف التي يراد تسمينها من أجل الذبح. فالجندي هنا يجب أن يكون مدرباً تدريباً عالياً ويتمتع بلياقة بدنية وقتالية كبيرة. حتى يكون قادراً على خوض المعارك الجبلية الصعبة وبقية الواجبات الأخرى. وبما أن الكثير من الجنود الذين تم تنسيبهم الى وحدتي الآن من المواليد التي التحقت بالخدمة العسكرية حديثاً وبحاجة الى تدريبات ومهمات عنيفة. فقد كانت أيامنا شاقة حد اللعنة. وكانت برقيات استخبارات الفيلق المنشغلة بالاستعدادات الضخمة لصد ودحر الهجوم الايراني الوشيك على مواضع وحداتنا والتي كانت ترسل الى الفرق والألوية والأفواج. تبدل أوامرها باستمرار حسب السياقات التدريبية والأمنية المعهودة عندها. وهذه السياقات التي كنا نعرفها نحن الجنود القدماء. بدت غريبة على هؤلاء الذين باشروا الخدمة حديثاً. ومن ضمن هذه السياقات الداخلة في الانذار {ج}. هو سياق {اليقظة والحذر الشديد} ويقضي بأن يكون الجندي على أهبة الاستعداد دائما لأي هجوم أو تعرض تقوم به الوحدات الايرانية على مواضع قواتنا فوق الجبال. ولكي تترسخ مضامين وأوامر برقيات الاستخبارات في أذهان هؤلاء الجنود الجدد، فان الاستخبارات كانت تلجأ وضمن عملياتها النفسية الى أنواع من الحيل التعبوية والتدريبية و التي سرعان ما تنكشف لهؤلاء فيما بعد. ومن ضمن هذه البرقيات، هي البرقية التي ترسل بين آونة واخرى وتشدد على أن {البيشمركة} أو {الأنصار} سيقومون بهجوم على الربيئة الفلانية أو على الموضع الفلاني. وبالتالي فيجب أخذ الحيطة والحذر في التصدي لهجومهم. وكنا نحن الجنود القدامى نعرف أن البيشمركة أو الأنصار اذا أرادوا الهجوم على موضع ما فانهم لا يسمحون للاستخبارات بأن تعلم خططهم وتوقيت هجومهم. والسياق النفسي الثاني الذي يجب أن يترسخ في ذهن الجندي الجديد في الأسابيع الأولى من خدمته في القواطع الجبلية، لكي يبقى متيقظاً باستمرار لكل نأمة. هو أخذ الحيطة والحذر من حيوان الدب. مع أنني لم أشاهد في يوم ما بجبال العراق دباً واحداً. والمسألة تكون على النحو التالي. عند الانتقال الى مقر جديد أو في الليالي المظلمة تماما. يبلغ الجنود أن الدببة ستظهر بعد الساعة الواحدة ليلاً وتقوم بمهاجمة الجنود الذين يهملون واجبات الحراسة والرصد. وتطلب منهم برقية الاستخبارات أن لا يستسلموا للنوم أو التراخي أو الجلوس في نقاط الحراسة. لأن ذلك من الممكن أن يجعلهم يتعرضون للقتل من قبل هذه الحيوانات الشرسة. وكانت اللعبة كثيراً ما تنطلي على بعض الجنود الذين يشعرون بالخوف الشديد. فيبقون في نقاط الحراسة على أتم الاستعداد لكل طارىء. ومرة في سياق تدريبي طلب آمر فوجنا الجديد الرائد علي حسين. من رأس عرفاء الوحدة نائب الضابط زينل بعد الساعة الواحدة والنصف ليلاً. أن يقوم هو وآمر دورية الحراسة بجولة حول المقر للتأكد من جدية الحراسات في الوحدة. وطلب منهما أن لا يوقظا أي جندي اذا وجداه نائما. وعادة ما كانت الدورية تأتي بصورة غير مكشوفة الى النقطة المراد تفتيشها للتعرف على مدى يقظة الحارس. عاد زينل وآمر الدورية من جولتهما وأخبرا آمر الفوج بأن الجندي الجديد {منشد} كان نائماً في نقطة الحراسة فتركاه و لم يوقظاه. اقترح آمر الفوج أن يرتدي جندي الانضباط الخفرغازي {فروتين من فراء القماصل العسكرية} ويجعل من نفسه دباً ويذهب الى نقطة الحراسة التي يتواجد فيها منشد، ويرمي عليه من أجل ايقاظه واخافته عدة أحجار مع اطلاق أصوات حيوانية ثم يهرب. ما أن تم اطلاق أول دفعة من الأحجار على منشد الذي استيقظ وسمع صوت الدب الذي بدأ يقترب منه. حتى ارتعدت فرائصه و بادر باطلاق صلية من رصاص بندقيته وأردى الدب قتيلاً. أودعوا المسكين السجن وتمت كتابة محضر تحقيق في الحادثة. تولى مكتب استخبارات فوجنا ارساله الى مكتب استخبارات اللواء وقام اللواء بارساله الى استخبارات الفرقة التي أرسلته الى استخبارات الفيلق. بعد أيام وأثناء هجوم القوات الايرانية على قاطع حاج عمران. سقطت قذيفة معادية على بناية سجن الفوج الواقعة بمنطقة {قصري} وقتلت منشد السجين هناك، وبعد شهر من مقتله أرسلت استخبارات الفيلق برقية فورية تؤكد على اطلاق سراح الجندي السجين منشد فوراً بأمر من قائد الفيلق الفريق ضياء الدين ومنحه 10 أيام اجازة ومبلغ 50 دينارا تصرف من نثرية مكتب التوجيه السياسي في فوجنا وذلك ليقظته وشجاعته العالية. كما اعتبرت الجندي غازي الذي قتله منشد خطأ شهيداً تصرف له كافة الحقوق التي نص عليها القانون.

جواسيس تجمع عدي الثقافي 1
تلقت {بابل} رسالة بعث بها نخبة من المثقفين العراقيين تتحدث عن شجون الأوساط الثقافية ورحيل طوابير من كتّاب وصحفيي وفناني العراق الى خارج الوطن بعد أن أنهى التجمع الثقافي أعماله وتولى وزير الثقافة والاعلام السابق السيد عبد الغني عبد الغفور الاشراف على النقابات والمنظمات التي كانت منضوية تحت لواء التجمع. وتقول الرسالة {لقد كان التجمع خيمة تؤوي كل المثقفين الذين جادوا بكل المواهب والقدرات من أجل الوطن والقائد والمسيرة الظافرة، وقد توفرت لهم حينها كل أسباب العيش الكريم والرعاية، ولكن المؤسف والمحزن أن نرى العشرات اذا لم نقل المئات منهم وقد هاجرت الى خارج حدود العراق الحبيب بحثاً عن لقمة عيش مغمسة بكل الوان المذلة وآلام الغربة. كفاءات بناها ورعاها الوطن وصار جهدها في خدمة الآخرين، واعداد أخرى انحرفت عن خط العراق وارتمت في احضان أعدائه} ويتساءلون: لمصلحة مَن حدث كل ذلك؟ وقد أرفق مرسلو تلك الرسالة قائمة بأسماء بعض المثقفين ممن هاجروا من البلد بعد تاريخ 15 / 5 / 1995 وفي ما يلي نصها:
الاسم الدولة الغرض
نازك الملائكة مصر العلاج بسبب العوز
معاذ عبد الرحيم الأردن مرتد
فاضل ثامر تونس طلب رزق
حاتم الصكر الأردن طلب رزق
د عبد الله ابراهيم الأردن طلب رزق
نصيف الناصري الأردن مرتد
خليل شوقي الأردن طلب رزق
كريم العراقي الأردن طلب رزق
د حسن الجنابي الأردن طلب رزق
معد فياض الأردن مرتد
عامر فتوحي الأردن مرتد الخ.
جريدة بابل التي كان يصدرها عدي صدام حسين. العدد 1634. 13 تشرين الأول 1996

جواسيس تجمع عدي الثقافي 2
تنشر {الزوراء} أسماء عدد من الأدباء الذين خرجوا بعد التسعينيات من الوطن، والذين يكتبون الآن في الجرائد والمجلات المعادية.
عدنان الصائغ 1992 السويد / مالمو شاعر
علي الشلاه 1991 سويسرا شاعر
علي عبد الأمير 1994 الأردن / عمان شاعر
معد فياض 1993 الأردن / عمان قاص
زاهر الجيزاني 1992 سوريا شاعر
محمد مظلوم 1991 سوريا شاعر
سلام كاظم 1996 الدنمارك شاعر
عدنان حسين 1994 الأردن / عمان قاص
هادي ياسين علي 1996 الأردن / عمان شاعر
نصيف الناصري 1995 السويد / مالمو شاعر
جان دمو 1995 الأردن / عمان شاعر / مترجم
وسام هاشم 1995 الدنمارك شاعر
زعيم الطائي 1997 أمريكا قاص
ياسين النصير 1993 هولندا / امستردام ناقد
أحمد المشتت 1994 لندن شاعر
علي السوداني 1994 الأردن / عمان قاص الخ.
جريدة {الزوراء} العراقية الصادرة عن نقابة الصحفيين التي كان يرأسها عدي صدام. العدد 143 بتاريخ 2 / 3 / 2000

الأضرحة
لا واهب إلاّ الضريح
لهب
وما أكثر سطوع النيران على البيوت المهدمة في أقاليمنا. نناديك أيها اللهب. يا لهب الأسلحة نناديك. فضاءاتك فضة أضرحتنا. هنا الموت العطري الأكثر حرارة من الرمل العاري. الذي له سفوح شبيهة بجهشاتنا، والذي يدركنا في الظلام. نناديك يا لهب الأمجاد العالية علوّ آلامنا. يا لأضرحتنا غير المفطومة. يا لموتنا الذي يثمر في كل حين. الموت ولياليه المعطرة بشمس العراق. أين نهرب من موتنا العطري؟ هل نتوسد هذه الأسلحة الشيطانية نعمتنا؟ الأضرحة سديم حيّ وفضاءات سديم. فوق جبالنا المقصوفة يلمع القمر كما المرايا المتشظية. أتحدث اليكِ أيتها الفرائس المعلقة فوق رماد أهدابنا. الذهب في النعوش، والموت نفّاش في الأقاليم، والدم فوق السفوح ينشر التماعاته المنعشة وسط السديم. هنا بصاق الملك المسلول في شفتيّ الوردة. هنا أيام مسننة. أيام سهادات كما صيف بلا قناديل. من موت الى موت من أجل الموت. اتسعي يا أضرحتنا وليكن سديمك ناموسية تغطي انشاداتنا الشجية. اتسعي يا أضرحة اتسعي. بلاطاتك نهاية أحلامنا الذهبية. رأسي يشتعل وفي القلب الأسود تنصهر الأحقاد. تمهل، تمهل يا وقت القشعريرات. يا مناخ النداوة الهائم. ستعود الأيام القديمة ويرفع ذهبها الصليل. هل للموتى تاريخ مغلق تحرسه الكتابة؟ الظلمة، الظلمة التي تواري النهار. من يفتح باب الظلمة؟ مبنية بلحم وحطامات أسلحة متلألئة في هبوبها المساءات، والشوارع مرمدة وذهب السياجات تحرسه المروج، ومطر الرماد المقذوف بشراهة يبلل الأضرحة، ويبلل المشاعل والعيون، وتهبط فضة الضباب تهبط. من هديل الأضرحة وعظامها المبعثرة في الرمال. رابطاً بالأصفاد رقاب البغال والبهائم الفضائية أعود. أهتف في أقاليم الفجيعة. أنا القائم في الترائك، أطبقت عليّ الأنوال والقوائم، وانشدت عليّ أصابع الياقوت ومحاريث الكوكب العائم. هذا ياقوت الدم يزيح الأعمدة والمقابض. سهادات. الآمال مطمورة تحت تراب البرد والقشعريرة. الأضرحة سديم حيّ وفضاءات سديم. اذعني لمغلوبكِ يا أسلحة. الأضرحة اذعنت لانهطال السديم، وها الأرض حشّدت غبارها واستجمعت نفسها السماء كوكبا كوكبا. من الآتي في أسمال أحرقتها القذيفة؟

عيون / أقواس نار
نباح / ليل عاصف وأرتال من القتل والاستلابات
ثغاء، سهرات في أقاليم الورد
عواء / كنوز حرائق وهجاء شعوب ذليلة
غناء / عروش. شعوب منقرضة تصعد الى الهاوية
نعيق / ودائع ملوك في رياضيات أمينة
جعير / أقطان تحلج في مدائن مقدسة
فحيح / مشانق. نهارات شتائية كوشايات الأمراء
زئير / مواكب بمشاعل ودروع تبغية
هل انتهت الحشرجات بين البلاط والبلاط؟ هنا الظلمة آختها السلاسل هنا في الرماد الحيّ والظلمة الارجوانية تطقطق العظام. هنا كلمات الحكماء يمحوها حجر البازلت. انقتلي انقتلي يا شرارات الموت أيتها النايات المكممة شقيقة السخام ها انني أرفع صوتي في الغروب وأرى الشمس في أقاليمنا الأسيرة. في اقاليمنا الأسيرة في الأوهام. تنهض الانتقامات وتصعد تصعد الشمس من رطانات الظلام، ماحية عن جسد البلاد كل ندبة من الظلمة الوثيرة. الصفصاف في باحات الأضرحة ميسم احتضار واستلابات تحرق رمل التاريخ والأوهام.

العيش تحت النسيم الخانق للموت
وهكذا فشلنا في الصولة الأولى وتراجعنا الى الخلف تحت قصف مدفعي كثيف وصليات حامية لا تنقطع من مختلف الأسلحة الرشاشة، وما بين حصارنا ومخاوفنا الكبيرة خشية القتل الأكيد. كانت صيحات الضباط المذعورة بضرورة التقدم الى الأمام واستعادة المواضع المحتلة تضيف الى معاناتنا من القصف والرمي المعادي معاناة لا توصف. كنتُ مثل باقي الجنود الآخرين أحاول أثناء التقدم أن أستتر خلف صخرة، وكنا نكتشف أن كل صخرة نذهب اليها هي كومة عشب يابس يغطيها الثلج، وما أن ترصدنا القوات المعادية ونحن نزحف على البطون تحت الثلج في الظلام، حتى تبدأ بحصدنا بمختلف الأسلحة ولقد قتل الكثير منا جراء الاستتار خلف هذه الأكوام التي ظنناها صخوراً. ومن شدة رعبي وتعبي وأنا أتعثر في الثلج تراجعت ومجموعة من الجنود الى الخلف وكان الانفلاق الجوي لقذائف المدفعية الثقيلة ينزل على الأرض كالمطر. وجدت موضع رشاشة BKC مهدماً وبجانبه جثة جندي قتيل فألقيت نفسي على الأرض لأريح فرائصي التي ترتعد لكنني ما أن تمددتُ حتى عبرت من فوق رأسي 3 اطلاقات معادية وشعرت انها كادت أن تلامس خوذتي ولكي أستتر {هذه الحادثة التي أرويها يعرفها الكثير من أصدقائي منذ عام 1988} أكثر قمتُ بوضع كيس رملي فوق جثة الجندي القتيل ليقيني الرصاص الذي ينطلق نحوي من جهات لا أعلمها. بعد فترة استثمرت القوات الايرانية الوقت وشنت علينا هجوماً بدا أشبه بالقيامة من خلال القصف والرمي الشديد والصيحات المرعبة للمهاجمين التي ترافق الصولة، سمع الجنود صرخة {إجونا. إجونا. إجونا} فهربوا، وهرب أيضاً بسبب كلمة {إجونا}. الجندي القتيل الذي وضعتُ فوق جثته كيس الرمل. هربت مع الكثير من الجنود باتجاه السفوح الغربية للجبل في محاولة للوصول الى الموقع المتقدم وترك ساحة المعركة فصدتنا قوات ايرانية تسللت هناك وقتلت وأسرت العديد منا.عدنا أدراجنا وسلكنا الطرق النيسمية المغمورة بالثلج التي توصل الى المقرات المتقدمة، لكن هطول الثلج والانفلاق الجوي المستمر جعل مهمتنا عسيرة جداً. أثناء التعثر والتعكز على بندقيتي أضعتُ سدادتها ورحتُ أفكر وأنا وسط الجحيم بأن آمر سريتي سيشكل فيما بعد محضر تحقيق حول كيفية ضياع السدادة وربما سوف أسجن، ناسياً أنَّ علي أن أفكر في امكانية موتي الآن جراء اطلاقة قناص في الرأس أو شظية قذيفة حادة وحارة كالموس. أخيراً وجدنا طريقاً قادنا الى الخلف و قد أصبتُ أثناء الركض والتعثر بشظية صاروخ RBG7مضاداً للأشخاص صغيرة في حاجبي الأيمن فحمدتُ الآلهة على أنني سأذهب الى طبابة الميدان وأتخلص من جحيم المعركة. عندما صعدتُ عجلة الاسعاف وأنا أنزف دمي الذي لم يستطع ايقافه ضماد الميدان وجدتُ الكثير من الجنود والضباط وضباط الصف المصابين فاقدي الوعي ويئنون بشدة والبعض الآخر منهم كان ممزق الأمعاء. في مستشفى الميدان العسكري بالسليمانية أخرجوا الشظية وتم تضميد الجرح وكدتُ آمل أن يمنحوني اجازة طويلة، لكنهم منحوني 3 أيام استراحة أقضيها في وحدتي مثلما منحوني من قبل استراحة مشابهة عندما كسرت ساقي اليمنى في هجوم سابق. ماذا أفعل؟ وأين أجد وحدتي التي تمزقت شذرَ مذر؟ ذهبتُ الى بغداد من دون نموذج اجازة وكنت كلما توقفنا سيطرة استخبارات أو انضباط عسكري أموتُ من الرعب، ذلك انني سأعتبر في حال القاء القبض علي من دون نموذج اجازة متسرباً من المعركة على الرغم من اصابتي الواضحة. في سيطرة {جمجمال} لم يطلب مني رجال الاستخبارات نموذج اجازة عندما رأوا حاجبي مضمداً وكانت أخبار المعركة قد وصلت اليهم وتكرر هذا الشيء في سيطرة {كركوك} وسيطرة {بغداد}. هل كنتُ متأكداً من أنَّ لا أحد سيوقفني من هؤلاء الأوباش؟ لستُ أدري. بعد أن أمضيتُ في بغداد ثلاثة أيام عدتُ الى وحدتي التي بالكاد عثرتُ على مقرها وسط عشرات الوحدات التي جيء بها من قواطع كثيرة مختلفة. لم يعلم أحد أنني قد منحتُ ثلاثة أيام استراحة أقضيها في وحدتي وليس اجازة طبية، لكن عندما سألني رأس عرفاء سريتي زين العابدين أخبرته حقيقة الأمر فامتعض وبدا غاضباً وهو يخبرني بأن آمر لوائنا العقيد علي عبد محمد الحمادي قد تم سوقه مخفوراً الى دائرة الاستخبارات العسكرية ببغداد للتحقيق معه بتهمة التخاذل وعدم الكفاءة بسبب عدم استعادة لوائنا الهدف الذي احتلته القوات الايرانية من جهة، وهروب اللواء كله من ساحة المعركة أثناء صولة القوات الايرانية من جهة ثانية. في اليوم التالي تمت تسوية المشكلة مع آمر الفصيل عباس الذي اعتبر غيابي عن الوحدة اجازة طبية بسبب الاصابة مع كتمان الأمر عن آمر السرية الجديد الملازم أول عبد الزهرة الذي تم تنسيبه بعد مقتل آمر السرية السابق في معركة جبل {كرده كو} الملازم أول محمود وبقية مراتب السرية حتى لا يعتبر غيابي تسرباً من المعركة. بعد انسحاب لوائنا من المواقع المتقدمة لغرض اعادة التنظيم وبعد الافراج عن آمر اللواء من دائرة الاستخبارات العسكرية عندما اكتشفوا أنه لم يكن متخاذلاً أو غير كفوء، وأن السبب في هزيمة اللواء وتدميره والحاق الخسائر الفادحة به هو أن القوات المعادية التي قامت بالهجوم كانت تتكون من فرقة مشاة كاملة زائداً لواء مغاوير وهذا يعني في السياقات العسكرية أن القوة المعادية كانت تتفوق على لوائنا بالعدد والأسلحة كثيراً.
أثناء استراحة بعد تدريب يوم شاق وكنا نجلس أمام تلفزيون حانوت الفوج ونتحدث عن المعركة التي هزمنا فيها. قال الجندي كريم شيال المنسوب الى السرية الأولى:- {بعد أن اشتد القصف والقنص بالصولة والضباط يصرخون تقدم. تقدم. تقدمتُ وكنتُ ميتاً من الخوف. وكان الجندي العدد الذي يتبعني قد هرب بعتادي الاحتياط. وجدتُ موضعاً مهدماً فنمتُ فيه وسويت نفسي ميتاً ورميت رشاشتي الى جانبي حتى لا أتقدم. جاء واحد مطي ميت من الخوف مثلي. انبطح الى جانبي وكان يظنني ميتاً. بس هذا خطية الأثول. أول ما انبطح. شافوه الايرانيين فضربوه بـ 3 طلقات فوك راسه. زرب على روحه وبعدين جاب كونية رمل خلاها فوقي. آني من الخوف ما أقدر أقوم وكنت أخاف الايرانيين يضربونني. بقيت نايم. بعدين من سمعت هذوله يقولون إجونا. إجونا. قمت شردت وخليت ذاك المطي الأثول ميت من الخوف. بس أخ القحبة هذا يمكن شرد بعدين}. طبعاً لم استطع أن أخبر كريم أو الجنود الآخرين بأنني كنتُ نفسي ذلك {المطي الأثول}. وهذه أول معركة أطلق فيها من بندقيتي أربع اطلاقات باتجاه القوات الايرانية بسبب الاشتباك القريب.

الحفاظ على الكرامة
ليس باستطاعتي حمل الأشياء الخفيفة وأنا أتقدم صوب إلهي مع أول حجارة تنتصب في نوره. ينبغي أن أحافظ على صيانة كرامتي كندٍ قوي وأصيل.

معاقبة التقليد
لا يمكنني تصديق من يقول: {الشمس تدفئ الأرض، وتعين النباتات والأشجار على نموها}. ينبغي أن أعاقب كل شخص يتبجح أمامي، وأول شيء تجب معاقبته الآن هو التقليد.

اطمئنان
من الأشياء المهمة والمطلوبة في الزمن، هو اطمئناني الى انني سيتم في النهاية سلبي كل شيء، وتتم التضحية بي من قبل حارس البوابة الكبيرة للأرض والسماء من دون شفقة.

نجدة
لا أحد يريد التصديق أن النجدة التي أطلبها، تأتي من أعدائي فقط.

نحول الشجرة
لحفظ ما لا يعوض. يلزمني الكثير من نحول الشجرة.

حمامة الأمل

هل لصدى صوتي في الأشجار الذهبية لشواطىء غيابكِ العنيف
عمر مثل عمر الوردة؟
شعاع شمس سنواتنا التي عشناها معاً
لا يحرك الآن ندى الذكرى
ولا يدفىء الدموع النحيلة لنحلة الحب.
لماذا يركن الشوق اليكِ الظلمة على باب قبري؟
تسيل موسيقى ملح شفاعتكِ دائماً في جروح حياتي المتعرية للريح
وحمامة الأمل العليلة تدحرج صخرتها في الظلام
وتختفي الرغبة الأخيرة في الفجر
تحت رمل النسيان
وفي ما وراء الأفق.

أنهار عريضة الكدمات
هل لصدى صوتي في الأشجار الذهبية لشواطىء غيابكِ العنيف
عمر مثل عمر الوردة؟
شعاع شمس سنواتنا التي عشناها معاً
لا يحرك الآن ندى الذكرى
ولا يدفىء الدموع النحيلة لنحلة الحب.
لماذا يركن الشوق اليكِ الظلمة على باب قبري؟
تسيل موسيقى ملح شفاعتكِ دائماً في جروح حياتي المتعرية للريح
وحمامة الأمل العليلة تدحرج صخرتها في الظلام
وتختفي الرغبة الأخيرة في الفجر
تحت رمل النسيان
وفي ما وراء الأفق.

رطوبة السنوات
هل لصدى صوتي في الأشجار الذهبية لشواطىء غيابكِ العنيف
عمر مثل عمر الوردة؟
شعاع شمس سنواتنا التي عشناها معاً
لا يحرك الآن ندى الذكرى
ولا يدفىء الدموع النحيلة لنحلة الحب.
لماذا يركن الشوق اليكِ الظلمة على باب قبري؟
تسيل موسيقى ملح شفاعتكِ دائماً في جروح حياتي المتعرية للريح
وحمامة الأمل العليلة تدحرج صخرتها في الظلام
وتختفي الرغبة الأخيرة في الفجر
تحت رمل النسيان
وفي ما وراء الأفق.

ظل للثمرة المتعفنة
كم يلزمني من الوقت للتخلص من الأشياء التي تهدد حياتي؟
لا يقين عندي ولا أحلام، ولا آمل في أيام جديدة أكثر لطفاً
من حاضري الذي يسيجه الشظف والمعصية واللعنات.
عبرتُ في شبابي حقول ألغام كثيرة، وعشتُ حياتي كلها في قلب الفوضى
وامتدت يدي الى ثمار أشجار غاطسة في الأعماق الخطرة لنهر المسيسيبي.
أريدُ الآن أن أزيل عن عينيّ هذه العلامات الأكثر حموضة من عطر الصلاة.
وعلى الرغم من انني الآن أعيش حياتي بصلابة المحارب
لكنني أشعر أن آلاف الصخور قد سقطت فوق رأسي
وتصدعت طرقي، وحجارة ماضيّ المنتصبة تحت الشموس المتماثلة.
هل لي أن أنجو بكينونتي من هذا اللاأمان المخزي والخدّاع المعلق في
أغصان نومي الضئيل؟
أود الآن أن أخرج من هذا الكوكب الشائخ وأقذف نفسي في اللاشيء
وأصل الى الأعماق المتغطرسة لظلال اللاوجود.
هل أنا ظل للثمرة المتعفنة لحركة التاريخ؟

صاعقة. صاعقة أكثر رحمة من الشمس العليلة لحياتي المؤرقة.

* شاعر فرنسي
[email protected]