صالح كاظم من برلين: مع حلول الربيع تبدأ في العاصمة الألمانية برلين جملة من الإجراءات، تحضيرًا لمجموعة من الفعاليات التي تقع في إطار quot;مهرجانات برلينquot; ومن ضمنها quot;لقاء المسارحquot;، وهو عبارة عن فعالية تجمع في إطارها أهم الأعمال المسرحية التي تم تحقيقها خلال الموسم المسرحي الماضي باللغة الألمانية، ويتم جرد كافة النشاطات المسرحية في الدول الناطقة باللغة الألمانية (المانيا، النمسا وسويسرا)، يتم إختيار عشرة منها بناءً على طابعها المتميز من قبل لجنة تحكيم حيادية يتم إختيارها من قبل إدارة quot;مهرجانات برلينquot;. وقد قامت لجنة التحكيم خلال الموسم الحالي بمشاهدة أكثر من 350 عرضًا في العواصم والقرى لتعلن أخيرًا عن الأعمال التي ستشارك في اللقاء الذي يجري تقليديًا في شهر مايو منذ تأسيسه في العام 1964 خلال شهر فبراير. بعد أن يجري تقييم الأعمال بما يتطابق مع المواصفات الفنية المطلوبة، وعلى رأسها أن تكون ذات خصوصية كبيرة من ناحية الشكل والمضمون وبعيدة ممّا يسمى quot;المينستريمquot;. وقد سبق للمهرجان خلال عمره الطويل أن قدم العديد من الأعمال المهمة التي مازالت تشكل جزءًا من الذاكرة المسرحية للقرن العشرين، قام بإخراجها فنانون تركوا بصماتهم الحداثية على المسرح المعاصر ومن ضمنهم كونراد سفينارسكي (ملاحقة وقتل جان بول مارا)-1964، وبيتر تزاديك (اليقظة ربيعا)-1966، وصامويل بيكيت (نهاية اللعبة) وبيتر شتاين (في غابات المدن)-1968 إضافة الى جورج تابوري وبينو بيسون وروبرت ولسون..الخ. ومن الطبيعي أن يكون حضور الأسماء الأجنبية في هذه الأعمال مرتبطًا بتقديمهم لإعمال باللغة الألمانية كمخرجين ضيوف، حيث أن الأعمال العالمية تقدم ضمن quot;مهرجانات برلينquot; التي سابق أن شارك فيها بيتر بروك (قاطع برلين لسنوات عديدة بسبب عدم السماح له بعرض عمله quot;مهابهاراتاquot; في المكان الذي كان يريده) وانجي فايدا ويوشي أويدا وغيرهم.. غير أن هيئة التحكيم قامت هذا العام بالتعارض مع نهج اللقاء بإختيار عملين من خارج البلدان الناطقة بالألمانية الا وهي هنغاريا والولايات المتحدة، ويبدو أن إختيار هذين العملين جاء لكونها أعمال مشتركة مع مسارح نمساوية وسويسرية.
إضافة الى العروض المسرحية التي سنعود إليها لاحقًا، يفتح اللقاء الآفاق امام المواهب المسرحية الشابة بشكل خاص لتقديم أعمالها في إطار ما يسمى quot;سوق النصوصquot;، حيث يتم طرح أعمال جديدة لم تر النور سابقًا لكي تجد الطريق لاحقًا الى المسارح الكبيرة أو على الأقل الى المسارح التجريبية المنتشرة في البلدان المعنية، ويتم إفتتاح هذه الفعالية تقليديا بالعمل الذي وجد إقبالاً كبيرًا عليه خلال اللقاء السابق.

كما يجري في إطار quot;فوروم المسرح العالميquot; التعريف بأعمال عالمية جديدة وتعقد ندوات للنقاش حول آخر التطورات الجارية في مجال المسرح، يشارك فيها مختصون في مجال المسرح وهواة ومبتدئين من الجيل الشاب. وبالإرتباط بدخول عصر الإنترنيت ارتأت إدارة المهرجان أن تفسح المجال للمواهب الصحافية الشابة للعمل في إطار quot;مدونات لقاء المسرحquot;، حيث تفسح لهم الفرصة لمتابعة الأعمال والكتابة عنها يوميًا لغرض النشر في موقع quot;ايام المسرحquot; على الإنترنت.

ويبدو أن الطابع العام للأعمال التي ستقدم خلال هذا اللقاء هو إبتعادها عن الأعمال الكلاسيكية وتوجهها بشكل أكثر وضوحًا للدراما المعاصرة والبحث كذلك عن مواد أدبية معدة للمسرح أو اللجوء الى إستقراء السينما بحثًا عن الجديد. وفي مقدمة الأعمال المبنية على عمل روائي معروف هو quot;ايها الرجل الصغير ما العملquot; المأخوذة عن رواية بالإسم نفسه للكاتب الألماني المعروف هانس فالادا، سبق وأن قدمت مرات عديدة على المسرح الألماني وكان إخراجها من قبل بيتر تزاديك في سبعينات القرن الماضي حدثًا مسرحيًا مهمًا. وربما سيمنح تقديم هذا العمل من قبل المخرج المعروف لوك بارسيفال النص نكهة جديدة، يستمدها من حيوية الموضوع الذي تعالجه الرواية في زمن الأزمات هذا. أما المخرجة كارين باير فقد لجأت الى السينما لتستمد منها موضوعها، وذلك من خلال إعداد فلم quot;القذرون والقبيحون والمتوحشونquot; لإيتوري سكولا الذي يدور في أوساط فقيرة. وعلى ما يبدو فأن موضوع الأزمة الإقتصادية وإنتشار الفقر يشكل موضوعًا مركزيًا من مواضيع اللقاء هذا العام، حيث سيقدم مسرح تالٍ من هامبورغ عملاً للكاتب البريطاني دينيس كيلي، يعالج هذا الموضوع بشكل مباشر quot;الحب والمالquot; من إخراج ستيفان كيميش. ولا يكتفي مسرح تاليًا بمعالجة هذا الموضوع من خلال عمل واحد، بل يقدم كذلك عملاً آخر في الإتجاه نفسه للكاتبة النمساوية الحائزة على جائزة نوبل الفريدة يلينيك تحت عنوان quot;عقود التاجر- كوميديا إقتصاديةquot;. أما المواضيع التي تعالجها مسرحية quot;لصوصquot; للكاتبة الألمانية ديا لوهير التي يقدمها quot;دويتشس تياتر برلينquot; فأن علاقتها بالأزمة الإقتصادية غير مباشرة، بل تتبلور من خلال الشخصيات التي تعالجها في عملها المبني على أساس المونتاج. وسيقدم مسرح quot;البورغquot; من فينا أثناء اللقاء عملين تعتبر من الأعمال المميزة ضمن الأعمال الأخرى وهي quot;التنين الذهبيquot; لرولاند شملفينش الذي يدور في أوساط المهاجرين، يخرجه بنفسه وعرض quot;حيوات وأزمنةquot; لمسرح أوكلاهوما الطبيعي، وهو واحد من الأعمال غير الناطقة باللغة الألمانية التي تم إختيارها من قبل لجنة التحكيم الى جانب quot;الساعة التي لم نكن نعرف فيها شيئًا عن بعضناquot; المأخوذ عن نص لبيتر هاندكه من إخراج الهنغاري فيكتور بودو.
كذلك الكاتب النمساوي-الهنغاري المعروف أودون فون هورفات (1901-1938) سيصبح شاهدًا على الأزمة الإقتصادية الراهنة من خلال quot;كازيمير وكاروليناquot; وهي مسرحية كتبها في ظل الأزمة الإقتصادية في عشرينات القرن الماضي، وستقدمها في برلين فرقة مسرح كولونيا. وعلى رأس الأعمال التي تواجه الرأسمالية بالنقد هي مشروع المخرج كريستوف مارتالر بالمساهمة مع مصممة الديكور أنا فيربوك تحت عنوان quot;ريزنبوتزباخ-مستعمرة دائمةquot;، ويبدو أن هذا العمل سيجد له صدى كبيرًا في برلين، حيث هناك توجه مسرحي لنقل النقاش الاقتصادي/ السياسي الى خشبة المسرح لتوعية الجمهور بـ quot;كوارث الرأسماليةquot; كما شخصها كارل ماركس، وقد سبق لإحدى الفرق المسرحية البيرلينية تقديم quot;رأس المالquot; على خشبة المسرح.