صلاح سليمان من ميونيخ: لا شئ مثل العالم، هو كتاب جديد صدر حديثا باللغة الألمانية للصحفي السويسري quot;جورج برونولد quot;. قدم فيه اكثر من 250 0 من تقارير الرحالة القدامي والمعاصرين، التي تميزت برؤيتهم واكتشافاتهم عن المدن التي قاموا بزيارتها، والاكتشافات التي حققوها عن العالم المجهول والغرائب التي شاهدوها طوال ترحالهم، حتي أن الكتاب بهذه الصورة اصبح يمثل مرجعا هاما في أدب الرحلات شاملا القديم والحديث علب حد سواء.

ابرز الرحالة الذين اعتمد عليهم المؤلف في كتابه هو الرحالة والمستكشف العربي الشهير أبو عبد الله محمد بن بطوطة المولود في طنجة بالمغرب في عام 1304، وكان قد انجز مذكرات رحلاته في عام 1352 ومنذ ذلك الحين وهي متداولة بين الناس لما تتمتع به من إثارة كبيرة وجاذبية شديدة لذلك حرص المؤلف علي أن يقدمه في الكتاب بشكل جديد خاصة وان ابن بطوطة كان قد فاق كل رحالة عصره. وقطع حوالي 75 ألف ميل تقريباً في أسفاره. منها 12 الف ميل في رحلته التي أراد فيها أن يحج إلى مكة المكرمة، كما أنه أيضاً الرحالة الوحيد في العصور الوسطى الذي زار كل البلاد الإسلامية والتقي حكامها.
يتعرض الكتاب بالتفصيل لرحلة الحج الشهيرة لأبن بطوطة التي زار خلالها شمال أفريقيا وسوريا. ثم خرج منها بعد ذلك ليستكشف باقي بلاد الشرق الأوسط وبلاد فارس وبلاد الرافدين وآسيا الصغرى حتي وصل إلى شبه القارة الهندية التي امضي فيها عقدا من الزمن. ومن ثم سافر إلى إفريقيا ودون هناك الكثير في مذكراته مما رأه في تلك القارة الشاسعة من زراعات وفواكه وطبائع الناس وغرائب الأفعال واكلة لحوم البشر.

ثلاثون عاما من الترحال المستمر قطع فيها ابن بطوطة مساحات شاسعة من الأرض وغامر بدخول أراضى غريبة والتي التي كان يعتبر الدخول إليها في تلك الأزمنة مجازفة ومخاطرة كبيرة. غير أن ابن بطوطة كانت لديه الجرأة، أو على الأقل العزم بما يكفي للشروع في رحلته وحيداً، ففي رحلته الشهيرة للحج بدأها وحيدا ثم التحق بعد ذلك بقافلة من التجار ربما بدافع السلامة ثم تكاثرت القافلة في الطريق بتزايد عدد المنضمين إليها ومع وصولهم إلى القاهرة كان تعداد القافلة قد بلغ عدة آلاف من الرجال ولم يتوقف بعد عن الازدياد. و كانت هذه الرحلة هي أول تجارب ابن بطوطة المباشرة في تعلم المزيد عن أكثر ما يهواه وهو الإسلام والمسلمين. فقد قابل الكثيرين منهم واكتسب المزيد من المعارف الدينية والشرعية والإنسانية.
في الكتاب أيضا تقارير ابن بطوطة عن القاهرة التي أذهلته، اذ كان وصفه لها علي ما يبدوا قريبا لواقع القاهرة الحالي فهو يصفها بأنها أم المدن، سيدة الأرياف العريضة والأراضي المثمرة، لا حدود لمبانيها الكثيرة، لا نظير لجمالها وبهائها، ملتقى الرائح والغادي، سوق الضعيف والقوي... تمتد كموج البحر بما فيها من خلق بالكاد تسعهم.. وهو وصف قريب لواقع القاهرة الحالي التي تعتبر اكبر العواصم العربية ازدحاما وصخبا وضجيجا.
من القاهرة اتجه ابن بطوطة إلى دمشق التي كانت حينها العاصمة الثانية للدولة المملوكية في مصر، سحرته هي الأخري بجو التسامح والتعاضد الذي يسود فيها. وعنها يقول: إن الأوقاف الدينية في دمشق تتجاوز كل حساب. هناك أوقاف للعاجزين عن الحج إلى مكة ومنها تدفع نفقات من يخرجون للحج نيابة عنهم. وهناك أوقاف أخرى توفر أثواب الزفاف للعرائس اللائي تعجز عوائلهن عن شرائها وأوقاف أخرى لعتق رقاب السجناء. وهناك أوقاف لعابري السبيل تدفع من ريعها أثمان طعامهم وكسائهم ونفقات سفرهم لبلدانهم. كما أن هناك أوقافاً لتحسين ورصف الدروب لأن كل الدروب في دمشق لها أرصفة على جانبيها يمشي عليها الراجلون أما الراكبون فيمضون في وسط الدرب.
بعد مناسك رحلة الحج مضي لمواصلة الترحال. ولم يكن لديه بلاد بعينها يريد أن يقصدها، بل كان هدفه الوحيد هو زيارة قدر ما يستطيع من البلدان، فتوجه إلى أثيوبيا في الجنوب ثم إلى فارس في الشمال ثم سافر إلى بغداد عاصمة الإسلام في ذلك الوقت، ثم توجه ابن بطوطة شمالاً ليستطلع بحر قزوين والبحر الأسود وجنوب روسيا. لكن أسفاره اللاحقة الأكثر متعة كانت إلى الشرق في آسيا. في الهند وبعد اكتسابه معرفة وفيرة ببلاد الهند لكثرة أسفاره فيها وبعد هذه الرحلة قرر ابن بطوطة العودة إلى وطنه في عام 1351. ثم توجه قبل عودته أخيراً إلى فاس في المغرب عام 1353 في رحلة صغيرة إلى إسبانبا ثم إلى جنوب الصحراء الكبري.

يتحدث الكتاب عن رحالة اخر عظيم، فبعد 150 عاما من انتهاء رحلات ابن بطوطة وفي 14 مايو 1501 برز في العالم رحالة اخر وهو الإيطالي quot;اميرجو فسبوتشي quot;الذي قام بالابحار من لشبونة الي نصف الكرة الجنوبي مارا بالأنواء والأهوال حتي الوصول إلى أماكن ماهولة علي الطرف الاخر من الكرة الأرضية، ولد فسبوتشي في فلورنسا ودرس الملاحة في شبابه، ثم رحل في عام 1491م إلى أشبيليا حيث التحق بشركة متخصصة في تجهيز السفن للرحلات الطويلة.
قام فسبوتشي بأربع رحلات متجددة إلى العالم الجديد. وبعد رحلته الأولى قال بأنه شاهد قارة شاسعة (أمريكا الجنوبية الأن)ثم شارك فسبوتشي في عامي 1499 و1500م في حملة استكشافية. أبحرت فيها سفينة فسبوتشي، خلال هذه الرحلة على امتداد ساحل فنزويلا. ثم عاد فسبوتشي للإبحار في عامي 1501 و1502م، ومرة أخرى في عامي 1503 و 1504م، و وفي هاتين الحملتين استطاع اكتشاف وتحديد ساحل البرازيل الجنوبي.
ترجع شهرة فسبوتشي بدرجة كبيرة إلى خطاب كان قد كتبه في عام 1502 أو 1503م اكد فيه علي اكتشافه لقارة جديدة، نشر الخطاب في عام 1503 أو 1504م تحت عنوان العالم الجديد. اكتسب الخطاب شهرة واسعة وأعيد نشره في عدة طبعات وترجم إلى عدة لغات. وهو الخطاب الذي اكد مكانة فسبوتشي باعتباره مكتشفًا مشهورًا.
نشر المؤلف أيضا في الكتاب رسائل هيرودوت عن مصر التي تحدث فيها عن، طبيعة مصر ومناخها وسكانها وأجناسها ثم تحدث عن النيل ومنابعه ومصباته وفيضانه ووصفه لتقاليد المصريين وعقائدهم وتاريخ ملوكهم وعملية التحنيط عندهم، ثم وصفه لما شاهده من الأهرامات وقصر التيه وغير ذلك من الأمور المتصلة بأوضاع مصر إبان الحكم الفارسي لها في القرن السادس قبل الميلاد، كما تناول الجالية الإغريقية في مصر ومعبدها أمون في واحة سيوه