بيروت وعمان ndash; صدر لشاكر النابلسي الجزء الثاني من quot;ثلاثية الليبرالية السعوديةquot; بعنوان quot;الليبرالية السعودية بين الوهم والحقيقةquot; عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، الذي أهداه إلى رائد الليبرالية السعودية محمد حسن عوَّاد (1902- 1980). وفي هذا الجزء، يستعرض النابلسي تجليات الليبرالية السعودية، ويُقسّم كتابه إلى خمسة أبواب هي: فجر الليبرالية السعودية وفي هذا الباب يتحدث عن كيف تطارد الأصولية الدينية الليبرالية، ويأتي بأول quot;مانيفستوquot; ليبرالي حجازي، ويستعرض ما جاء في كتاب رائد الحداثة السعودية محمد حسن عواد ، ويعتبر كتابه quot;خواطر مصرَّحةquot; مرآة للواقع، ويتحدث عن حلاوة مرارة النقد. ثم يتساءل:هل كان العوَّاد ابن المقفع السعودي؟ ويقرُّ بأن شرارة التنوير تنطلق من التراث، وأن التعليم أساس التنوير، ويؤكد أن التفكير والحرية أهم القيم الإنسانية. ثم يستعرض موضوع الخلافة الإسلامية بين العواد وعلي عبد الرازق، وطموح الشريف حسين بالخلافة. وكيف كان العواد يراقب الحلم المستحيل. ويبسط لنا هذا الباب ليبرالية العواد الاجتماعية، وليبرالية العواد الاقتصادية والدينية، ونقد العواد لرجال الدين. ثم يضع كتاب quot;خواطر مصرّحةquot; في الميزان. ويربط بين ثلاثي التنوير: طه حسين، وعبد الرازق، والعواد. ولا ينسى هذا الباب النجوم الأخرى الساطعة في فجر، وضحى، وظهر الليبرالية السعودية.
أما الباب الثاني بعنوان (في الليبرالية والليبرالية السعودية) فيتحدث عن بيركليس الحاكم الأثيني، الذي حكم أثينا عشرين عاماً. ويشرح بداية الليبرالية الأوروبية، ويبسط الليبرالية، ونهاية التاريخ، والليبرالية السياسية، والليبرالية الاقتصادية. ويؤكد أن لا مفهوم جاهز الصنع لليبرالية. ثم ينتقل للحديث عن الليبرالية الاقتصادية السعودية، وعناصر الليبرالية السعودية. وأن الليبرالية الجديدة المجهولة مرفوضة. ويعيد إلى الأذهان فتنة القول بتعليم البنات، ورفض التعصب الديني. ويؤكد على الإجماع الإسلامي في ضرورة الحوار.
وفي الباب الثالث (الليبرالية السعودية.. نسيج وحده) يشرح النابلسي خصوصية السعودية كبلد، وضرورة الوعي بعوامل التكوين الليبرالي، والواقع الليبرالي السعودي. ثم يشرح مميزات وخصوصية الليبرالية السعودية، التي أضحت بين النفي والإثبات وبين الإسلام والمتأسلمين. ويعدد مظاهر الليبرالية السعودية. وكيف أن الرياح جاءت بما تشتهي الليبرالية. وكيف كان دور quot;الإخوان المسلمينquot; في دعم الليبرالية. ولماذا يسيطر الأصوليون على الشارع؟ثم يتساءل النابلسي عن سبب كل هذا الفزع من الليبرالية؟
وفي الباب الرابع يتحدث النابلسي عن الإسلام الليبرالي السعودي. فيشرح ليبرالية الغرب وليبرالية العرب. ويقدم المفكر السعودية يوسف أبا الخيل كفجر الليبرالية الإسلامية السعودية، ويشرح التسامح بين أبا الخيل وفولتير. ويقول إن التعددية خيار وجودي. وأن القلم الليبرالي أصبح مقابل السيف الأصولي. ويأخذ على الباحثين الاستشهاد بالنصوص الدينية. ثم يقدم لنا النابلسي أصواتاً ليبرالية أخرى مختلفة، معتبراً أن الليبرالية فأس لقتل ثعبان الخرافة. وأن لا مستقبل للشرق مع الخرافة. وأن العقل المستقيل هو الكارثة ، وأن واجب المفكر مواصلة البناء.
وكعادته في معظم كتبه، فالنابلسي لا يكتفي بوجه واحد للحقيقة. فيقدم لنا بعض النماذج الفكرية والصحافية تحت عنوان (الليبرالية السعودية في مرآة الآخرين) لمناصري ولمعارضي الليبرالية في الوقت نفسه. ويأتي خطاب المناصرين تحت عنوان (الليبرالية السعودية جدل يتجدد) أما خطاب المعارضين فيأتي تحت عنوان (الليبراليون السعوديون.. الأقلية الناطقة)، وكذلك تحت عنوان (هل إسلام المجددين هو الحل للمأزق الليبرالي؟ )
ومن الجدير بالذكر أن الجزء الثالث والأخير من quot;ثلاثية الليبرالية السعودية سيصدر الشهر القادم بعنوان (الحداثة والليبرالية.. معاً على الطريق) وسوف يتخذ من السعودية كذلك انموذجاً.

ويقول النابلسي في مقدمة كتابه:
عندما بدأت أنشر أولى حلقات هذه الدراسة، كانت ردود معظم القراء تتساءل:
- أين هي الليبرالية السعودية؟
- وهل هي وهم أم حقيقة؟
- وأين هم الليبراليون السعوديون.. إنهم مجرد أفراد متفرقين، لا تجمعهم جامعة، ولا يضمهم تيار، وليس لهم أي أثر في الحياة السعودية؟

ونسي هؤلاء أن quot;إخوان الصفاء وخلاّن الوفاءquot; كانوا جماعة قليلة متفرقة، ولم يكونوا تياراً شعبوياً جارفاً. ورغم هذا، كانوا بفكرهم وفلسفتهم من ذوي الأثر الكبير والمهم في الحياة السياسية والثقافية العربية. وما زال أثرهم هذا حتى الآن.

واستنكر عدد من القراء عليَّ البحث في موضوع quot;الليبرالية السعوديةquot; غير المُجدي - حسب رأيهم ndash; والذي يتصوّر - مجرد تصوُّر واهم حسب رأيهم - وجود ليبرالية سعودية.
ولكن بعض هذه الآراء السلبية، تجاه الليبرالية السعودية، بدأت تخفُّ وتختفي، عندما تابعت نشر المقالات، مُلقياً الضوء على مظاهر هذه الليبرالية، التي يعتقد البعض أنها موهومة، ولا حقيقة لها. وكنت آمل من كل هؤلاء أن ينتظروا قليلا حتى يكتمل بحثنا، الذي يحفر في أصول الليبرالية السعودية، التي بدأت منذ عشرينات القرن الماضي، بكتاب محمد حسن عواد quot;خواطر مُصرَّحةquot; عام 1926.
ففي هذا الكتاب، وجدنا بعد الحفر، والبحث عن الجذور أن الليبرالية السعودية، كانت وما زالت هناك. ولكنها تجري كجريان الماء في عروق الصخر الإيديولوجي الصلد، الذي بدأ يلين ويتزحزح قليلاً قليلاً. وكان آخر نجاحات هذا الزحزحة، جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست)، وما سوف تمثله من انطلاقة ليبرالية علمية، وحداثة حضارية مشهود لها.
وأود أن أؤكد هنا، أن اهتمامنا بهذا القدر بالليبرالية السعودية على هذا النحو، وتخصيص كتاب بثلاثة أجزاء لها، يأتي من أن محاولة تليين وزحزحة الصخر الإيديولوجي السعودي، سوف يؤدي إلى مزيد من الزحزحة واللين لكثير من الصخور العربية الصلدة الأخرى التي تقف في طريق نهر الحداثة. فلا هي امتصت الماء، ولا هي انزاحت عن طريق النهر.