تشتهر قبائل الطوارق المتمركزة في جنوب الجزائر، بصناعاتها التقليدية الحية الموصولة بعمق حراكها الاجتماعي، وتسنى لمندوب إيلاف لدى زيارته مدينة تمنراست (1800 كلم جنوبي العاصمة) أن يلاحظ الانتشار الكبير لحرف محلية صميمة تجمع بين إتساع الممارسة ووفرة الرواج.

الجزائر: تعدّ الصناعة التقليدية لدى الطوارق، جزءاً من ذاكرتهم وإحدى أهم تجليات روحهم الثقافية، بفضل مثابرة أجيال متعاقبة، والحب الذي يُكنّوه لحرف يربو تاريخها عن آلاف السنين الممتدّة.

وتنفرد الصناعة التقليدية لدى الطوارق بممارستها من قبل عائلات بكاملها، حيث تخوض بشكل متوارث في حرف يدوية عديدة على غرار صناعة الحلي، النسيج، الخياطة، الفخار وحياكة الزرابي، صنع الآلات الموسيقية وغيرها.

يقول الحرفي الشاب quot;محمد مريوتquot; (29 عاما) الذي ينشط في تعاونية quot;أسغانquot; (كلمة طارقية تعني quot;الروابطquot;)، أنّ الكثير من أبناء الطوارق (تُطلق عليهم كنية الرجال الزرق أو أهل اللثام) إنخرطوا في الصناعات التقليدية غيرةً منهم على هذا الموروث الحرفي العريق المهدد بالزوال.

ويشرح محمد أنّ تعاونيته وهي الأقدم من نوعها، تضمّ 40 عاملاً اكتسبوا مهاراتهم أباًّ عن جد، وهم يوظفونها حالياً في صناعة الحلي ولا سيما خواتم الفضة التي تحظى بإقبال كبير في منطقة يوفد إليها آلاف السياح كل عام.

وعلى منوال تعاونية quot;أسغانquot;، يبرز الشيخ quot;محمد الجيلاليquot; أحد أعيان الطوارق، تواجد عشرات التعاونيات المؤلفة عادة من أسر مجتمعة، كما هو حال تعاونية quot;الأصالةquot; التي أسستها خمس عائلات تربطها علاقة قرابة، وتختص تلك التعاونية بصناعة الأدوات المنزلية إعتماداً على الأخشاب والجلود.

وفي ورش متواضعة يكثر فيها الطلب على العمل اليدوي، لا يدخر أكثر من ثلاثمائة حرفي من مختلف الأعمار ينشطون ضمن تعاونيات، جهداً لإحترام آجال تسليم طلبات زبائنهم، بهذا الشأن، يؤكد عبد الحميد وهو حرفي مخضرم، أنّ الجانب التجاري لا يمثل مشكلةً بتاتاً، مشيراً إلى أنّ الورش تعمل بلا هوادة للحاق بالعدد المتزايد من الطلبات الكثيرة لا سيما في المواسم السياحية.

واستناداً إلى عرّابي الصناعة التقليدية الطارقية، فإنّ الطلب يتكاثر على سائر الزخرفات والتحف التقليدية مثل تيرو (الحرف)، دراندا (المربع)، الخميسة أو ما تُعرف بـquot;صليب الجنوبquot; التي يتهافت عليها السواح كثيراً.

وبفضل جودة نتاجاتهم، يُجمع حرفيون من عائلات quot;مريوتquot;، quot;بن عبد اللهquot;، quot;بداريquot;، quot;فيصلquot; وquot;دخوشquot; على أنّ ما تبدع فيه أناملهم تخطى حدود الجزائر، وبات يتمتع بصيت دولي، ملفتين إلى أنّ قوافل السياح الأجانب الزائرة للجنوب الجزائري دورياً، تتهافت على منتجات الصناعة الطارقية.

ويشير العم صالح إلى أنّ الصناعة التقليدية للطوارق عرّفت بنفسها من خلال مشاركاتها في معارض دولية كبرى في كل من الولايات المتحدة الأميركية، بريطانيا، فرنسا والبرتغال.

ويصرّ من تحدثنا إليهم، على أنّ المكسب التجاري ليس همهم الوحيد، إذ يركزون على إعتنائهم بعصرنة الصناعة الطارقية، ومنحها لمسات جديدة، ودفع عدد أكبر من مواطنيهم لممارستها، لذا لا تتردد الأسر ndash; بحسب نصر الدين - على حث أبنائها للإشتغال في الحرف التقليدية منذ سن الثالثة عشر.

ويلفت أحد الحرفيين الكهول وهو بصدد إعطاء شكل فني لقطعة من الفضة إستخرجها لتوّه من الفحم، أنّه نجح في إقناع أشقائه الصغار بالنسج على منواله، وتمضية أوقات فراغهم في إجادة حرفة تنطوي على أكثر من بعد.

بيد أنّ العديد من الحرفيين يشتكون من قلة الإهتمام الذي توليه السلطات لهذا النشاط، ويطالبون بإنشاء مركز مختص بالصناعات التقليدية لضمان أفق يليق بمكانة هذه الصناعات، وتحديث وسائل الحرف التقليدية.

ويحاول الحرفيون إخراج صناعتهم التقليدية من نطاق الطوارق، من خلال توشيتها بزخارف وتلاوين تنتمي إلى مناطق جزائرية أخرى على غرار طابع منطقة القبائل الكبرى في شمال البلاد، دون التفريط في الجوهر الأصيل لحرفهم.