أنظمةُ العالم، والشعوب، ومؤسساتُ المجتمع المدني الدولية، والناشطون في مجال حقوق الإنسان، ومنظماتُ الأمم المتحدة،.. كلها عارضت، وشجبت، واستنكرت، وما تزال تعارض، وتشجب، وتستنكر ما يجري لسجناء جزيرة quot;غوانتاناموquot;. مازال الكل يطالب بإصرار شديد إغلاق ذاك السجن البغيض اللاإنساني.
لا يوجد مَن يُنكر، أو يتجاهل أن سجن quot;غوانتاناموquot; مخالف لحقوق أسرى الحرب ولمعاهدة جنيف المنصوص عليها عالمياً، ولجميع مواثيق حقوق الإنسان، وأنه يجب على وزارة الدفاع الأمريكية quot;البنتاغونquot; إغلاقه فوراً. ذاك السجن يُعد وصمة عار تلطخ كل يوم جبين الولايات المتحدة الامريكية، وصفحة سوداء تسيء لتاريخها. فكلما تقاعست إدارة بوش عن الإفراج عن هؤلاء السجناء، أو محاكمتهم، كلما ازداد نبذ أمريكا من المجتمع الدولي واستصغارها، لأنها تنتهك جميع القوانين والاتفاقيات الدولية التي أقر بها العالم وصادقت عليها الأمم.
قبل أسابيع أصدرت وزارة الدفاع الأمريكية quot;البنتاغونquot; تقريراً يحوي على قائمة بأسماء سجناء quot;غوانتاناموquot; وأعمارهم ولأي بلد ينتمون. بلغ عددهم 490 سجيناً. شملت القائمة أسماء عرب من جزائريين، وبحرينيين، ومصرين، وأردنيين، وكويتيين، وسودانيين، وليبين، ومغربيين وغيرهم، لكن السعوديين هم الذين تصدّروا القوائم حيث بلغ عددهم 132 سجيناً، تلاهم الأفغان وعددهم 125، ومن بعدهم أتى اليمنيون بحصيلة 107.
تباً لتلك الشائعات التي تُروج ضدنا التي توحي بأننا تخاذلنا ولم نسجل لأنفسنا تاريخاً في النضال حتى ولو لم يكن النضالُ نضالَنا ولا المعركة معركتَنا ولم يكن ذلك لغايات إنسانية.. ففي نهاية المطاف، ها نحن أولاء، بهاماتنا الذليلة دخلنا التاريخ، من أوسع أبوابه المزرية المشينة، وبأكبر عدد من السجناء في ذلك السجن الحقير.
الجدير بالذكر، وعلى حسب التقارير والصور التي تتسرب بين فترة وأخرى من معتقل quot;غوانتاناموquot;، تبين أن هؤلاء الأسرى المغلوبين على أمرهم، يعيشون حياة صعبة في تلك الجزيرة المعزولة عن العالم، وهذا ما جعل عدداً منهم يحاولون الانتحار والخلاص، وبعضهم أضْرَبَ عن الطعام لعدة أيام، طلباً للموت، وآخرون فكروا في الفرار ومواجهة أمواج المحيط العاتية على البقاء في أقفاصهم.
لكنَّ من يمتلك القدرة على أن يستشف ويحلل حياة سجناء quot;غوانتاناموquot;، ويقارنها بحياة النساء العربيات، وعلى وجه الخصوص الخليجيات، وتحديدا اليمنيات والعمانيات والسعوديات، سوف يجد أن أوجه الشبه بينهم وبين تلك النساء جد كثيرة..هذا التشابه يتجسد في النقاط التالية:
أولاً: المرأة في بعض البلدان العربية سجينة في دارها، لا يمكن أن تتحرك سوى بإذن من ولي أمرها أو بالأحرى بتصريح من سجّانها، حالها كحال أسير quot;غوانتانامو.quot;
ثانياً: ولي أمر المرأة العربية في بعض الدول هو المالك والمتصرف الشرعي فيها، وهو الوصي عليها في جميع شؤونها الصغيرة والكبيرة، عمله يتشابه إلى حد بعيد مع مهنة السجّان في معتقل quot;غوانتانامو.quot;
ثالثاً: أسير quot;غوانتاناموquot; مثل بعض النساء العربيات، لا يملك جسده وليس له الحق في تقرير مصيره، وحريته الشخصية منزوعة منه، وحقه في رفع صوته للتعبير والاستنكار ورفض الوضع الذي هو فيه مُصَادَر.
رابعاً: أسرى ذاك السجن ليس لديهم قانون يحميهم، فأرواحهم ملك بأيدي سجانيهم، مثل النساء العربيات أرواحهن في أيدي ولاة أمورهن، وحالما يشعرأولياءُ الأمور بأن نساءهم قد مسسنَ الخطوط الحمراء، فإن نهايتهن تكون مروعة، وثمة موت بشع ينتظرهن.
خامساً: كثير من النساء العربيات حاولن الفرار، أو الانتحار من أجل الخلاص، لكنهن فشلن في تحقيق ذلك، مثلما فشل سجناء quot;غوانتانامو.quot;
سادساً: بعض النساء العربيات يُجْبَرْنَ على ارتداء لباس مصمم بطريقة خانقة، وغير عملية، ولونه لا يتناسب مع أجواء الطقس في بلادنا الحارقة، لكن هذه النقطة تُسجل لصالح سجناء quot;غوانتاناموquot; لأنهم يرتدون ملابسَ بألوان فاتحة وعملية وتتماشى مع أحوالهم الجوية.
سابعاً: أسير quot;غوانتاناموquot; يرى الشمس، ويشعر بنورها، ويتلذذ بمداعبات الهواء الطلق لوجهه، وهو مكبلٌ بسلاسل جسدية، بينما المرأة العربية في بعض الدول أغلالها جسدية ونفسية. تظل طوال حياتها تحمل الأغلال التي غُصبت عليها منذ الصغر في جميع تحركاتها ولفتاتها وهمساتها، وحينما تصبح شابة يافعة لا يتعرف نور النهار على وجهها، ولا تشتم قط هواء طلقاً أو نقياً سوى من خلف غطاء، لأنها مكممة ومتشحة بالأغطية السوداء من الرأس حتى أخمص القدمين.
ثامناً: إن جميع الناشطين في حقوق الإنسان، وعلى رأسهم الأمم المتحدة، أدانوا ما يجري لهؤلاء المحتجزين في سجن غوانتانامو، وطالبوا quot;البنتاغونquot; بإطلاق سراحهم، بينما النساء العربيات السجينات منذ قرون سحيقة لم يحرك أحد لأجلهن ساكناً، ولم تهتم أية مؤسسة عالمية أو محلية، رسمية أوغير رسمية، بفضح ما يحدث لهن في زنازينهن التي يُطلق عليها تجاوزاً اسم quot;بيوتquot;.
تاسعاً: إن وضع سجناء quot;غوانتاناموquot; مؤقت، وقد يُفرج عنهم في أي وقت، ومن ثم يعودون لممارسة حياتهم الطبيعية كرجال عرب، وربما يتوجون بأوسمة البطولة، بينما النساء العربيات الأسيرات سيبقين هكذا حتى تفارقهن الحياة، ومآسيهن ستستمر ربما لقرون قادمة، قبل أن تتمكن الأجيال الجديدة منهن من أن تنتزع حقوقها وتجني كيانها وتحفظ كرامتها المسلوبة.
خلاصة القول أن سجينات quot;غوانتاناموquot; العربيات لم يكنَّ قط محاربات، ولا انتحاريات، ولم ينخرطن في أي تنظيم إرهابي، ولم يسببن أذى لأحد، ومع ذلك يعشن quot;سجيناتquot; طوال حياتهن، وأوضاعهن في بعض النقاط السالفة الذكر أسوأ بكثير من أوضاع سجناء تلك الجزيرة. لا أحد يهتم بأمرهن من الأمم المتحدة ولا من غيرها، ولا أحد يدافع عنهن، أو يوصّـل أصواتهن للمؤسسات الحقوقية العالمية... مع أن أعدادهن بالملايين وليس خمسمائة محاربا كما هو الحال في غوانتانامو حيث كان قتلهم او اعتقالهم من الاحتمالات الواردة!
ترى، لماذا لا تثيرُ أحوالُ النساء في بعض البلدان العربية استنكارَ دول العالم وغضب شعوبها...؟؟ لماذا يغض الناشطون في حقوق الإنسان الطرفَ عن معاناتهن وكأنهن غير موجودات على سطح كوكب الأرض؟ لماذا لا يُسمعُ أنينُ ملايين النساء ولا يجدُ أحد له صدى في أي بقعة من هذه الأرض ؟؟؟ لماذا؟؟ لماذا؟؟ لماذا؟؟ هل لأنهن نساء والعالم ذكوري السحنة يحكمه ويُدير دفته رجالٌ ليس في قلوبهم ذرة رحمة؟؟ ربما...