ولاية بطيخ!!!!!!!!!

واعلم أن بغداد كانت جليلة في القديم وقد تداعت الآن إلى الخراب، واختلت وذهب بهاؤها، ولم أستطبها ولا أعجبت بها، وإن مدحناها فللتعارف... وكانت أحسن شيء للمسلمين وأجل بلدٍ وفوق ما وصفنا حتى ضعف أمر الخلفاء فاختلت، وخف أهلها، فأما المدينة فخراب، والجامع فيها يعمر في الجمع، ثم يتخللها بعد ذلك الخراب. ((المقدسي البشاري، أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم)) وقدم الخبر بأن الخراب شمل البلاد من توريز إلى بغداد، مسيرة خمسة وعشرين يوماً بالأثقال، وأن الجراد وقع بتلك البلاد حتى لم يدع بها خضراً،(( المقريزي، السلوك في معرفة الملوك)) فكثر الخراب ببغداد والهدم، فدرست المنازل؛ ووكل الأمين علياً افراهمرد بقصر صالح، وقصر سليمان بن المنصور إلى دجلة، فألح في إحراق الدور والدروب، والرمي بالمجانيق، وفعل طاهر مثل ذلك، فأرسل إلى أهل الأرباض من طريق الأنبار وباب الكوفة وما يليهأن فكلما أجابه أهل ناحية خندق عليهم، ومن أبى إجابته قاتله، وأحرق منزله؛ ووحشت بغداد، وهربت، فقال حسين الخليع:
وانتقضت بغداد عمرانهـا عن رأي لا ذاك ولا هـذا(( ابن الأثير، الكلمل في التاريخ))، ومن أبى قاتله وأحرق منزله، فذلت الأجناد وتواكلت عن القتال، وبقي أهل السجون والأوباش والرعاع والطرّارين، وكان حاتم بن الصقر قد أباحهم النهب. وخرج من أصحاب طاهر رجل من أصحاب النجدة والبأس، فنظر إلى قوم عراة لا سلاح معهم، فقال لأصحابه: ما يقابلنا إلا من أرى استهانة بهم. فقالوا: نعم، هؤلاء هم الآفة(( ابن الجوزي، المنتظم))، وتعال لتطالع،(( ابن الأزرق والطبري، والسمعاني، وابن بطوطة وابن جبير والقلقشندي والأبشيهي وابن أبي أصيبعة، والمسعودي وياقوت الحموي والمقري والنويري وابن خلكان وابن خلدون)) لتجد الأخبار الكثيرة عن الخراب والفوضى والنهب وسفك الدماء.كأنه تراث الخراب المقيم والشر المستطير، هذا ما يحدثنا به التاريخ عن بغداد، ولكن نبقى نحب البلاد كما لا يحب البلاد أحد، هي المعشوقة الرائعة البهية، على الرغم من زحف الجراد، وانتشار الظلام.

نريد حلا؟!!!
حين أرادوا تكريم علي الوردي، وهو عالم الاجتماع الكبير والأكاديمي اللامع، أرسل من ينوب عنه، محملا مندوبه ورقة صغيرة كتب فيها؛ (( أتت وحبال الموت بيني وبينها وجادت بوصل حين لا ينفع الوصل)). رحمك الله أيها العالم الجليل في ذكرى وفاتك، وإلا ما أحوجنا اليوم، إلى عقلية علمية كي تساهم في قراءة وتحليل المعضل الذي حط على العراقيين حتى ضيع عليهم ((الصاية والصرماية))، ويبقى السؤل الملح، هل نحن حقا إلى عقل راجح كي يسهل لنا مهمة التحليل والشرح والتفسير؟ بعد أن أضحى العراقيون (( طوبة- كرة)) يتقاذفها كل من هب ودب على هذه البسيطة، حتى لتتبدى ملامح الخراب والضياع
في أحد المواقع الإلكترونية، كتب عراقي غاضب، عن الأوضاع المأساوية التي يعيشها العراقيون، ومن فرط الأعياء والوهن والاحباط، لم يتورع عن استخدام مفردات شديدة المباشرة، كان لها الوقع المفيد على نفسية صديقي القلق الذي كان يترقب أخبار بغداد برعب وذعر. وهكذا تصدرت مفردات، (ولاية بطيخ، جيش العاكول، الخرنكعية) مع حزمة من المفردات التي لا تستوي ومقام القاريء الجليل، ولكن يبقى السؤال عن أصول هذه التوصيفات، تاريخيا واجتماعيا.حتى أن المتأمل في جرس المفردات، لابد أن يجد فيها كما هائلا من الغضب والسخونة.
أرخ عباس العزاوي في حولياته لمقتل شرطي همام، عرف عنه جرأته في مطاردة اللصوص، وإذا ما أريد لمهتم بكتابة الحوليات اليوم، فكم من رجال الشرطة سيعد ويحصي.ومن سطوة القانون والخشية والخوف منه، كانت الناس ترتعد فرائصها حين تشاهد الشرطي على مبعدة أمتار منه، فأين هيبة القانون وأين مكانة رجال القانون، في عراق اليوم
هاهو ذا العراقي يعيش كابوس القسمة والنصيب الذي جعل منه، ضحية البطش والقسوة والدموية، تلك التي لا تفتأ تحضر متمددة على رأسه ورأس اللي خلفوه! اخطف أيها الخاطف، واسرق أيها السارق وانهب أيها الناهب وانعق أيها الناعق، فلا جدوى ولا معنى، وما بين حانه ومانه ضاعت لحانه، وياويل الذي يغامر ويخرج من باب داره، فعليه أن يواجه فرق الموت وفرق الانتحاريين وفرق الحواسم، فيما تعطلت أنشطة الفرق الرياضية بعد أن أضحى الرياضيون لقمة سائغة لعصابات الخطف.وتوقفت الحياة بعد أن بات القوي يأكل الضعيف، في زمن سيادة الميليشيات، وتفجر الأحقاد الطائفية والصراعات التي راح أصحاب المصالح يلبسونها مبررات شتى! وتعطلت لغة الكلام حتى! وبعد أن كانت الناس تعمد إلى حل أتعس مشكلاتها ضربا بالهراوات أو ركلا بالأقدام، فإن الحل اليوم بات يقوم على خيار الموت، نعم الموت ولا شيء سوى الموت!

لا أجدهم!!!!!!!
ما انفكت كلمات العجوز اللبنانية المهجرة، تحضر منددة بكل هذا الخراب الذي بات يجثم على صدر لبنان، ( لا أجدهم ) وهي تتحدث عن أبنائها الذين فروا بأرواحهم من مشهد البشاعة.وما أشبه الحال العربي الواحد، قتل وتدمير وخراب وموت وذبح وجثث مبعثرة، ونهاية للبنى التحتية، ( لا ماء ولا كهرباء) وما يتبعها من صورة العصور الوسطى، والتي يراد للعرب العودة لها. هي ذات الجملة ترددها الأم الفلسطينية الثكلى بأبنائها( لا أجدهم)، وبذات الحرقة تصرخ الأم العراقية (لا أجدهم)، واللهم احفظ أمهات العرب الباقيات، من المصائب المحدقات، والقادمات أشد فتكا من الماضيات .وإيه أيتها البشاعة يامن تحطين بثقلك الكئيب على صدر هذه الأمة المفجوعة المنكوبة.