من المعروف علمياً أن قوة المقاومة تظهر أولاً كقوة رد فعل ( Reaction) لفعل (Action) معين. ثم تختفي باختفاء الفعل نفسه؛ فوجودها مرهون بوجوده، والأمثلة على ذلك كثيرة. فالهواء مثلاً يبدأ في مقاومة حركة السيارة بمجرد أن تبدأ السيارة في الحركة وتتوقف مقاومته للسيارة عندما تقف؛ إذ لم تعد هناك حركة يقاومها. فإذا لم تختفي قوة المقاومة (رد الفعل) بمجرد تلاشي الفعل فإنها تكون ارتكبت خطأً فادحاً إذ أن استمرارها في العمل كرد فعل في غياب هذا الفعل يحولها هي نفسها إلى فعل وعندئذ ستظهر قوى أخرى تقاومها. وأبسط مثال على ذلك quot;حزب اللهquot; فقد تناسى أنه رد فعل واستمر في نهجه في غياب الفعل (احتلال الجنوب اللبناني) حتى تحول هو ذاته إلى فعل فكان لابد من ظهور قوى مقاومة ضده خارجية وداخلية؛ فهذه هي فلسفة صراع القوى.
في الحقيقة أن كل ما يؤثر ويتأثر في هذا الكون يمكن اعتباره quot; قوة quot;، وكل قوة أصيلة فعالة في هذا الكون تقاومها قوى أخرى تسمى quot;قوى المقاومةquot; ولا يستثنى من هذه القاعدة أية قوى. واقعياً نجد أن هناك أمثلة كثيرة على القوى والقوى المضادة (المقاومة). فنجد أن قوى الاحتلال في مقابل قوى التحرير. قوى التنوير في مقابل قوى الظلام، قوى التعليم في مقابل قوى الأمية، قوى التقدم في مقابل قوى التخلف، قوى الحب في مقابل قوى الكراهية، وهكذا .. وتظل المعركة مستمرة حتى تنتصر إحدى القوتين على الأخرى المضادة. فكيف يتحقق النصر ؟ ما هي الشروط التي يجب أن تتحقق حتى تنتصر قوة معينة على قوة أخرى مقاومة أو العكس؟
لنأخذ مثالاً لذلك قوة الاحتلال في مقابل قوة التحرير (المقاومة). من ينتصر على من؟ في الحقيقة إذا أردنا لقوة المقاومة ـ مثلاً ـ أن تنتصر على قوة الاحتلال يجب أن يتحقق شرطان أساسيان:
الشرط الأول هو أن تكون قوة المقاومة أكبر من ناحية الكم من مقدار قوة الاحتلال.
الشرط الثاني هو أن يكون اتجاه المقاومة في عكس اتجاه قوة الاحتلال وعدم الانحراف عن هذا الاتجاه قيد أنملة تحت أي ظرف من الظروف فهذا الشرط فولاذي لا يقبل المساومة!!.
تفسير الشرط الأول
بالطبع إذا تساوت المقاومة كماً وكيفاً مع الاحتلال من الناحية العسكرية مثلاً تتحول المعركة إلى حالة اللاحرب واللاسلم. وإذا تناقصت انتصرت عليها قوة الاحتلال وسحقتها. إذن كيف نزيد من مقدار قوة المقاومة؟ أي ما هو الشرط الكافي والضروري لتعظيم مقدار قوة المقاومة؟ الإجابة بسيطة وهو أن تكون قوة المقاومة هذه متعددة من حيث النوع. ماذا يعني هذا الكلام؟
يعني تعددية المقاومة إي وجوب أن تكون quot;المقاومةquot; قابلة للتكاثر النوعي ومستحدثة أشكالاً غير نمطية لنحصل في النهاية على محصلة عدة مقاومات وليس مقاومة واحدة. quot; فالوحدة الوطنية quot; أول قوة مقاومة فعالة، quot;الدبلوماسية والتفاوضquot; أيضاً قوة مقاومة فعالة، quot;كسب التأييد الدوليquot; قوة مقاومة فعالة، quot;كسب الرأي العام والتأييد الداخليquot; قوة مقاومة فعالة، quot;كسب تعاطف شعوب الدولة المعتديةquot; قوة مقاومة فعالة، hellip;، ثم تأتي في نهاية المتوالية العددية quot;قوة المقاومة العسكريةquot; باعتبارها تملك أقل مقدار لقوة المقاومة الفعالة. فتفجير الصواريخ، أو الانتحار باستخدام أشرطة ناسفة تحمل مقداراً ضعيفاً من قوة المقاومة بمقاييس العصر الراهن، وهي حلول تافهة تستطيع أية قبيلة متخلفة من قبائل الأدغال القيام بها، لكن ليس الكل قادراُ على تحمل مصاعب التفاوض وكسب التأييد الدولي والشعبي.
لكن للأسف الشديد نجد أن المقاومة العسكرية المسلحة هي المقاومة الوحيدة في العقل العربي، وغابت عنه مفاهيم قوى التفاوض وكسب التأييد الدولي، بالإضافة إلى فقدان قوة الوحدة الوطنية (قوة غير فعالة في الحالة اللبنانية، والحالة الفلسطينية) وهذا الفكر غير العلمي الأحادي والمقتصر على المقاومة العسكرية فقط لم يحرر فلسطين ولم يحرر لبنان، ولن يقدم إلا التخلف والدمار، والأحداث الأخيرة خير شاهد؛ إذ أن إسرائيل تدخل غزة وتخرج منها بإرادتها، كما تخرج وتدخل الجنوب اللبناني أيضاً بإرادتها.
تفسير الشرط الثاني
يجب أن تكون كل قوى المقاومة لها نفس الاتجاه، وأن تكون متوازية، وهو ما يعبر عنه سياسياً بمبدأ فصل المسارات. إذا حدث أي انحراف في اتجاه المقاومة (عكس اتجاه الاحتلال) فهذا يعني وجود ثغرة أو زاوية محصورة بين خط عمل قوة الاحتلال ومحصلة خط عمل قوى المقاومة. هذه الزاوية يتبين مقدارها مع مرور الوقت؛ إذ عادة ما تظهر هذه الزاوية (الثغرة) صغيرة لا يمكن ملاحظتها ثم تتعاظم في الكم مع مرور الوقت حتى إذا ما اصبح مقدارها مؤثراً (في حالة التكبر وعدم الاعتراف بالضعف والعناد والتمسك بمفاهيم عاطفية غير عقلانية يمكن أن تصل إلى 180 درجة) وعندئذ ينعكس اتجاه المقاومة لتعمل في اتجاه قوة الاحتلال وبالتالي تضاف قيمتها إلى قيمة قوة الاحتلال وتصبح بذلك قوة المقاومة عامل مساعد لقوة الاحتلال تزيدها في الكم والمقدار وتساعدها على تحقيق أهدافها بدلاً من أن تكون قوة مضادة لها وتسمى المقاومة في هذه الحالة quot;مقاومة سلبيةquot; لأنها بدلاً من أن تعيق قوة الاحتلال وتعمل على نقصانها تساعدها في التعاظم الكمي وتقوي نفوذها..
من الناحية الرياضية عدم فصل المسارات يعني نوع من تقاطع خطوط القوى. فعندما تنحرف المقاومة عن هدفها فهذا يعني تقاطع خط عمل المقاومة مع خط عمل الاحتلال وفي هذه الحالة يمكن تحليل قوة المقاومة إلى مركبتين في اتجاهين متعامدين الأولى في عكس اتجاه الاحتلال والثانية في الاتجاه العمودي عليه. بهذه الطريقة تضعف قوة المقاومة لأن مركبة قوة المقاومة العمودية تصبح معدومة التأثير على قوة الاحتلال لأنها فقدت الاتجاه، أما المركبة الأخرى فتصبح ضعيفة بسبب تناقصها في المقدار.
للخروج من هذا المأزق
يجب على قوة المقاومة الاعتراف بأنها أخطأت وانحرفت عن الاتجاه الصحيح، وان تصحح مسارها، وأن تبحث عن قوى مقاومة أخرى متحدة معها في الاتجاه وأن تكون متوازية، أو أن تكون عاملة في نفس اتجاه خط عملها. هذه القوى كثيرة ومتنوعة وتتناغم وتنسجم مع المزاج العالمي في القرن الحالي. فقوة التفاوض بلا هوادة وباستخدام الأساليب العلمية هي قوة ردع من النوع الفائق التأثير، وقوة كسب التأييد الدولي والتعاطف العالمي من القوي المؤثرة (انظروا كيف يصمت المجتمع الدولي الآن بل كيف يقف بجوار إسرائيل)، قوة الاتصال بين الشعوب وحكامها تعتبر قوة مقاومة عنيفة. قوة الديمقراطية، قوة فصل الدين عن الدولة، قوة الدين لله والوطن للجميع، قوة المواطنة، قوة البحث العلمي والوجود العلمي العربي في المحافل الدولية، قوة التعليم والثقافة الحديثة للشعوب العربية. قوة التاريخ العربي الأصيل غير المزيف وغير الكاذب. وغيرها الكثير والكثير من قوى المقاومة التي إذا حصلنا على محصلتها فسنجدها فوق مستوى العقل العربي.
أ.د./ إميل شكرالله ـ أستاذ الرياضيات بالجامعات المصرية
[email protected]
التعليقات