(تبا لك ايها الصهيوني العميل)، (سحقا لك ايها المجوسي الصفوي)،( لعنة الله عليك يا ابن المتعة يارافضي)، (الويل لك ايها المتصهين) الى آخره، نماذج من العبارات التي سوف لن يتردد بعض القراء من قولها عند قراءة هذه المقالة، وقد تعودنا على مثل هذه التعليقات_وكل اناء بالذي فيه ينضح_ والتي تصدر من البعض الذين هم نموذج للشخصية التي تحركها العواطف والغرائز عند التعاطي مع الشأن السياسي او القضايا المصيرية، حيث لا مجال للعقل، ،وحيث يطغي الانفعال والهلوسة بدلا من التعقل والتبصر في هزائمنا ومصائبنا وكوارثنا، وحيث العجز عن تفسير الظواهر وتحليلها علميا فنلجأ الى السباب والشتائم للتنفيس عن امراضنا وعقدنا الطائفية والعنصرية ولتبرير عجزنا، وهذه حالنا في الامتين العربية والاسلامية وصدق الله القائل ( وان اكثرهم لايعقلون). مالدليل على ما تزعم؟ رب سائل يسأل!
تعودنا على ترديد عبارة (اعرف عدوك) ولكن لم يدر بخلدنا يوماً تطبيق ما نردد. (اعرف عدوك) كما افهمها تعني تحليل مراكز القوة والضعف لهذا العدو المفترض والوقوف عند مفاصل وجزئيات حياته العامة . كيف يعيش ويتصرف و يفكر ويخطط؟ وبماذا يتفوق علينا؟ وما هي مصادر تفوقه؟ وقبل هذا وذاك لماذا تفوق علينا اصلا؟ هذه الاسئلة وغيرها ممنوع علينا طرحها علانية، لانها وبكل بساطة ستكشف عوراتنا ومخازينا، لاننا سنكتشف بالنهاية ان سر قوة هذا (العدو) تكمن في شئ واحد لانريد الاعتراف له به، ذلك هو ديمقراطيته ومدنيته ، وهذه اعني بها اخذه بسبل التقدم والرقي وبأدوات التحضر والمدنية وركونه الى الواقع وليس الى الخيال والعيش في الماضي . الديمقراطية هذه الكلمة السحرية هي التي جعلت وتجعل من دولة كإسرائيل اقوى من كل الدول العربية، وهي التي صيرت الاسرائليين اقوى من العرب رغم التفاوت العددي بين الاثنين.
الدليل بل قل الادلة كثيرة. وتعالوا لنتصارح ونتكاشف من خلال اجراء مقارنة بين انظمتنا التي تحكمنا وبين نظامهم. قد يعترض معترض بالقول ان العيب والخلل في انظمتنا وحكامنا فلا تتعب نفسك باجراء مقارنة بين حكامنا وحكامهم. حسنا سوف لن اتحدث عن ديكتاتورية انظمتنا وديمقراطية نظامهم ،علما انني سبق وان اشرت ان سر قوتهم هو في الديمقراطية التي يعتنقونها وليست الترستانة النووية التي يمتلكونها. فبعض الدول التي تحكمها انظمة غير ديمقراطية امتلكت النووي او على وشك امتلاكه لكن هل يعني انها اصبحت دول قوية؟ كلا والف كلا. فدولة ديمقراطية كأسبانيا التي يفوق دخلها القومي الدخل القومي للدول العربية النفطية مجتمعة لاتمتلك النووي كما تمتلكه دولة كباكستان ينخر الجهل والفقر والتخلف فيها.
حسنا سوف لن اقارن بين انظمتنا الرجعية وبين نظامهم ، لكن سوف اجري مقاربة ومقارنة بين شعوبنا وشعبهم. بيننا نحن العرب وبينهم اعني الاسرائليين. تعالوا معي لنرصد موقفا سياسيا واحدا لا اكثر نُشرِح من خلاله عقليتنا وطريقة تعاملنا معه ونحلل طريقة تعاملهم معه لنرى اين تكمن قوتهم واين يكون ضعفنا. الموقف من الهزيمة في الحرب. دعونا نقارن بين ردة فعل الشارع العربي تجاه هزيمة حرب حزيران 1967، وبين ردة فعل الشارع الاسرائيلي تجاه هزيمة حرب تموز المنصرم 2006 على يدي مقاتلي المقاومة اللبنانية الوطنية. لا حظوا اننا نتحدث عن الشعوب وليس الانظمة او الحكومات. كيف تعامل الشارع العربي مع هزيمة 1967 ؟ بالنسبة اليَّ ولدت باعوام بعد تلك الهزيمة، فلم احضر او اشاهد ردة فعل العرب تجاهها لكن قرأت وبحثت وكذلك استمعت الى من عاصر تلك الفترة وعاش ايامها. لكنني عشت وشاهدت ردة الفعل الاسرائلية تجاه هزيمتهم على يدي رجال حزب الله وبقية المقاومة اللبنانية.
بعد هزيمة حرب 1967 قرر (الزعيم) العربي الاشهر في حينها _ باعتبار هنالك اكثر من زعيم يتنافس على قيادة الامة العربية_ جمال عبد الناصر تقديم استقالته وتحميل نفسه مسؤولية تلك الهزيمة وخرج على الجماهير بخطاب حزين معربا عن اسفه لتلك الهزيمة ومبلغا تلك الجماهير قراره (التاريخي) و(المصيري) بالاستقالة . حسنا فعل السيد (الزعيم) خطوة شجاعة من حاكم عربي لا كما يفعل السيد أولمرت الان الذي يرفض الاستقالة ، لكن كيف تعامل العرب مع خبر الاستقالة ؟ تقول الروايات المتواترة ان المصريين خرجوا من بيوتهم الى الشوارع يبكون و(يولولون) ويتوسلون بزعيمهم المحبوب ان يعدل عن قراره ولتذهب الهزيمة في (ستين داهية) وكذلك لتذهب الاراضي العربية التي احتلتها اسرائيل الى الجحيم اكراما لعيني الزعيم.
لا اعتقد انني بالغت في نقل صورة الشارع المصري والذي هو نموذج لبقية الشوارع العربية، وما يجعلني اصدق مثل هذه الروايات هو ما حدث لبعض ابناء الشارع العربي بعد اعدام الطاغية المجرم صدام حيث حدثت اكثر من حالة انتحار في الدول العربية وتحديدا في مصر والمغرب العربي تضامنا مع هلاك صدام، ناهيك عن سرادق العزاء التي اقيمت على هلاكه في الاردن وغيرها من الدول العربية. حينما ارى هذه المواقف الان واقارنها بما حدث بعد هزيمة حزيران واستقاله (الزعيم) ناصر ، اجد نفسي مرغما على تصديق ما ذكر حول ردة فعل الشارع العربي تجاه الهزيمة والاستقالة. الشارع يطالب ببقاء الزعيم ونسيان الهزيمة او تناسيها هذا هو باختصار موقف الشعوب العربية بشكل عام من هزيمة حزيران 1967.
تعالوا لنسلط الضوء على موقف الشارع الاسرائيلي من هزيمة جيشهم في حرب تموز المنصرم، وكيف تعامل هذا الشارع مع قيادته. بُعيد الهزيمة ولما يداوي الاسرائليون جراحاتهم تعالت الاصوات في اجراء التحقيق والوقوف على اسباب الهزيمة، ومعنى ذلك ان الشارع الاسرائيلي لم يكابر واعترف بان ما حصل كان هزيمة، في حين نجد ان بعض العرب وللاسف الشديد يرفض وصف ما حدث للجيش الاسرائيلي بأنه هزيمة لأن ذلك يعني انتصار المقاومة اللبنانية وتحديدا انتصار حزب الله وهو يرفض الاعتراف بذلك من منطلقات طائفية ضيقة وقد شاهدنا جميعا الفتوى التي اصدرها بعض علماء الطائفية ضد المقاومة اللبنانية الى الحد الذي وصلت الحماقة والطائفية والكراهية بهؤلاء ان حرموا الدعاء للمقاومة اللبنانية لماذا؟ لان من يقودها (حزب الله ) الرافضي. يالها من مهزلة !
نقول ونردد كعادتنا دوما، بان الاعتراف بالخطأ فضيلة، وهذا فعله الاسرائليون بالضبط فقد اعترفوا ان حربهم كانت خطأ ً، بعد ذلك اعترفوا بهزيمتهم، ومن ثم دعوا الى محاسبة من تسبب بهذه الهزيمة، وتحديدا دعوا الى استقالة كل من رئيس اركان جيشهم ووزير دفاعهم ورئيس حكومتهم أولمرت الذي يعيش الان تحت ضغط سياسي واعلامي كبير. دققوا النظر بموقف الاسرائليين وقارنوا بين موقفهم هذا تجاه من تسبب بالهزيمة وبين موقف الشارع العربي تجاه من تسبب بهزيمة حزيران 67. الاسرائليون يطالبون بإقالة ومحاسبة من تسبب بهزيمة جيشهم مع انه كان المعتدي ، ومع انهم لم يفقدوا شبرا واحدا من اراضيهم ، بينما العرب خرجوا الى الشوارع يبكون ويتوسلون بمن تسبب بالهزيمة وضياع اراضيهم ان يتراجع عن قرار استقالته. قارونوا بالله عليكم بين وعي الشعب الاسرائليي وبين وعي العرب. بين شعب يركن الى العقل ويحتكم اليه وبين شعب تحركه الغريزة والعواطف، هذا وكتاب الله المجيد يدعونا في أكثر من آية الى اعمال العقل في امور الدنيا. فأي عقل ذلك الذي يأمر صاحبه بتفجير نفسه لقتل الذين يخالفونه بالمذهب او الطائفة او يختلفون معه بالرأي ؟ اليس هذا ما يفعله (المقاومون) في العراق؟ اليس هذا مايفعله (المجاهدون) في الجزائر والمغرب؟
ايهما يستحق الاحترام شعب يعترف بهزائمه، ويبحث عن تفسير لها، ويحاسب من تسبب بها ويطالب بإقالته، أم شعب يكابر ويبرر بل ويختلق الاعذار لمن تسبب في هزيمته ويطلب منه البقاء؟ اكتب هذه الموضوع وقد وصلتني قائمة باسماء اغنى خمسين رجلا عربيا في العالم لو ان نصف مايملكون انفقوه على المشاريع التنموية لما ظل فلسطيني او عربي بلا مأوى او مشرد في دولنا، ولاصبح العالم يحسب لنا الف حساب كما يفعل مع اسرائيل. أخيرا هل رأيتم اسرائيلاً واحداً مشرداً في اسرائيل او خارجها؟ هل عرفتم الان لماذا يستحق الاسرائيليون الاحترام؟
- آخر تحديث :
التعليقات