مطالب براون في غرفة الانعاش الخليجي
ثقيل هو الدور المنُتَظر من دول الخليج لمعالجة تداعيات الأزمة المالية العالمية، فالعيون الأميركية والأوروبية متجهة quot;بقوةquot; نحوالدول النفطية وهي تحثُ المسؤوليين الخليجيين quot;بشدة quot; للتدخل بهدف إنعاش الاقتصاد العالمي المتدهور، وقد جاءت زيارة رئيس الوزراء البريطاني غوردون براون الأخيرة الى المنطقة لتؤكد الدور الذي تطمح له الدول الأوروبية طارحًا الخطة المطلوبة للنهوض quot;بحال البنوك المتعثرةquot;.
وفيما نجد quot;الشيوخ العربquot; يسعون للمشاركة الشفافة والمتوازنة، فإن براون تعاطى معهم باستراتيجية quot;خطة الطوارئquot; التي تقتضي التدخل السريع، ففي وقت أشار حاكم دبي محمد بن راشد إلى ان quot;معطيات جديدة ومستجدة يجب توظيفها من قبل الطرفين من اجل بناء شراكة شفافة ومتوازنة بعيدا عن المنافسة وصولا الى تحقيق الاهداف والمصالح المشتركةquot;، فإن براون طرح اعادة ترتيب البنية التنظيمية للمؤسسات المالية العالمية، طالبًا تدخّلا أكبر من دول الخليج فاسحًا لها مقعدًا على quot;طاولة المالquot;؛ وقد صال من أجل ذلك وجال متنقلا من دولة خليجية لأخرى من السعودية الى قطر الى الامارات... في سبيل تحقيق وجهة نظره quot;الانقاذيةquot; هذه.
غريب إذن، لقد استفاق العالم quot;فجأةquot; وأراد إشراك quot;عرب النفطquot; في مؤسساته ! ولماذا لم يشركهم في كعكته quot;الاقتصادية quot; طيلة الأعوام السابقة؟؟ فهل العرب شركاء في المغارم لا المغانم؟؟ أليس من حق المرء ان يتساءل عن سرّ هذا quot;الدلال المفاجئquot; الذي ترسله الدول الاوروبية الآن لدول الخليج؟!
لا بأس على أية حال فالجواب معروف ! ومعلوم أيضًا ان العلاقات ليست quot;ندّيةquot; لا quot;إقتصاديًّاquot; ولا غير quot;إقتصاديًاquot;!
بطبيعة الحال وبما ان تصريحات quot;العرب مدروسة وموزونةquot; خلال الزيارات الرسمية، ولا يستطيع quot;أجدع صحفيquot; أن quot;يفهم او يتصرف quot; بما أدلوا به، فقد جاء الموقف العربي واضحًا على لسان بيتر ماندلسون السكرتير الصحفي المرافق لبراون الذي أُعجب بتعاون العرب ووفائهم! حيث قال ان الدول الخليجية ابدت quot;انفتاحاً للمساعدة كما انهم يقدمون انفسهم كشركاء اوفياء يسعون لمشاركة بقية دول العالم في حل الازمة المالية العالميةquot; مضيفاً quot;حينما يتعلق الامر بصندوق النقد الدولي فإن ترحيبهم اكبر، ولكن عموماً كشركاء من حقهم المطالبة بأن يكون لهم دور في صنع القرار من اجل بناء المؤسسات والتجارب الجديدةquot;.
وفي وقت لم تعلن المصادر الرسمية الخليجية عن حجم quot;الدعمquot; الخليجي والسيولة النقدية، فقد اكد ماندلسون quot;ذو اللسان الصريحquot; ان الزيارة للمنطقة اسفرت عن جمع نحو نصف مليار جنيه استرليني 790 مليون دولار كعقود وقعت بين دول المنطقة وبريطانيا مستفيداً من قدراته التفاوضية باعتباره وزير مالية سابق !
على أية حال، لا بأس من الشركة quot; ودخول نادي النقد الدولي quot; على أمل المشاركة في quot;القرارquot;، وإن كان السؤال يبقى قائمًا عن جدوى quot;المشاركةquot;،فعلى فرض وجود quot;الشراكة والتعاونquot; الذي جاء quot;طوعًا أو كرهًا لا ندري quot;، فهل مقعد واحد على الطاولة كفيل بصنع القرار؟؟؟
إذن المطلوب هو quot; السيولة الان quot; مقابل quot;الشراكة بمقعدquot; فيما بعد و على مهل !
ولعل إلقاء نظرة تحليلية لتوقعات خبراء quot;الاقتصاد العالميquot; ورأيهم في الدور الخليجي المفترض توضح ذلك، حيث نجد عوامل عدّة يأخذها هؤلاء بالحسبان أهمها وبالدرجة الأولى quot;السيولة الكبيرة quot; التي وصفها أحد الخبراء بquot;الهائلةquot; وأنها الدول الوحيدة في العالم القادرة على مقاومة الازمة الحالية.
وخلال تواجدي في إحدى الندوات المالية المنعقدة في دبي هذا الأسبوع لاحظت مدى تشديد هؤلاء على محدودية تأثير تدني اسعار النفط على الفوائض المحققة وليس على النظام المالي، فقد رأى رئيس مجلس ادارة شركة نوفليز للموارد الخاصة ان اسعار النفط مرشحة لتعاود الارتفاع فور عودة الاستقرار الاقتصادي إلى الغرب.
وبعبارة اكثر وضوحًا فإنه يريد ان يطمئن العرب بأن(أسعار نفطكم ستعود اذا انتم ساهمتم بضخ المال المؤدي الى الاستقرار الاقتصادي العالمي ) وهو نفسه أقر ان quot;الغرب بدأ يفقد رويدا رويدا ريادته العالمية، وان دولا في آسيا مثل الصين ودول الخليج بدأت تتحرك لتأخذ دورا محوريا في قيادة العالم اقتصادياquot;.
وبغض النظر عن دور الخليج وحجمه المرتقب في الاونة القادمة، فإن للازمة الحالية إيجابيات كونها أعادت الاقتصاد إلى جذوره الاساسية او أجرت عملية quot;تنظيف quot; في الأسواق المالية، خصوصا في ضوء تفاعل الحكومات العالمية مع هذه الازمة وسعيها إلى الامساك بزمام الامور واستعادة الثقة المفقودة في الأسواق المتأرجحة أو المنهارة.
لا شك إذن، في أن زيارة براون جاءت في سياق تشجيع دول الخليج على الاستمرار في quot;ضخ الأموالquot; إلى الأسواق الغربية المتعطشة للسيولة النقدية، واعدًا إياها بإعطائها دورا اساسيا وquot;محورياquot; في صندوق quot;النقد الدوليquot; من اجل ضمان استقرار الاقتصاد العالمي.
ربما سيكون لهذا الطرح quot;ايجابيات مستقبلية كبيرة quot; إذا حقق quot;توازناتquot; جديدة بما فيها quot;المعادلات الاستراتيجية quot;، فهل سيستفيد العرب هذه المرة ويستطيعون quot;فرض معادلتهم quot; وتحقيق quot;مشاركة حقيقية إقتصادية بكل ما تعنيه الكلمة من معنى وما تحمله من أبعاد وانعكاسات على السياسة الدولية وصناعة القرار في العالم؟! ربما
التعليقات