تعيين نتنياهو رئيسا لحكومة إسرائيل يشكل تحديا جديا لمشروعك السلمي الواعد بحل النزاعات الحبلى بالحروب، بالحوار. وفي مقدمتها النزاع العربي الإسرائيلي وعقدته الأعوص، النزاع الفلسطيني الإسرائيلي. نتنياهو هو النقيض المباشر لهذه السياسة الأمريكية الجديدة المنسجمة مع المزاج السلمي للرأي العام العالمي المناهض للتعذيب والعنف والحرب. حكومة نتنياهو بما تمثله من شركاء، ذوي مشاريع عنصرية وإرهابية أقلها امتحان ولاء الإسرائيليين الفلسطينيين قبل تجريدهم من جنسيتهم وأقصاها ترحيل الشعب الفلسطيني إلى الأردن لتكون له وطنا بديلا، مشروع حرب. تكفي حرب واحد إسرائيلية فلسطينية جديدة لتدمر كل الرأسمال الرمزي الذي راكمْتَه بمواقفك العقلانية خلال حملتك الانتخابية ولإعادة الولايات المتحدة إلى الخازوق الأخلاقي الذي أجلسها عليه منذ زمن طويل الشعب الفلسطيني ومعه شعوب الشرق الأوسط والعالم. أنت اليوم أكثر شعبية في فلسطين من أكثر زعمائها شعبية منذ 15 عاما: 41% من الفلسطينيين يقيمونك ايجابيا حسب آخر استطلاع في الضفة الغربية وغزة.
إذا كان حزب العمل قد اقتنع منذ الثمانينات بحل الدولتين، الإسرائيلية والفلسطينية، في فلسطين الانتدابية، كمخرج من خيارين أحلاهما مُرٌّ: إما دولة ثنائية القومية تكف فيها إسرائيل في المستقبل المنظور عن أن تكون دولة يهودية وإما دولة يهودية عنصرية تكف فيها إسرائيل عن أن تكون دولة ديموقراطية لكل مواطنيها، بحرمان الفلسطينيين من الاقتراع كما كان وضع الأفارقة في جنوب أفريقيا، أما حزب ليكود فما زال يعتبر أن ما يمثل خطرا وجوديا على الدولة الإسرائيلية ليس الحرب بل السلام: الحرب تدفع اليهود إلى الانصهار القومي والتضامن الغريزي أمام الخطر، أما السلام فيدفعهم بالعكس إلى الذوبان الثقافي في المحيط الشرق أوسطي. وما هو مصير الفلسطينيين في quot;إسرائيل الكبرىquot;؟ يجيب أديولوجيو وسياسيو ليكود وحلفاؤه من أقصى اليمين: الترحيل إلى الأردن ليكون لهم وطنا بديلا!
حكومة نتنياهو ndash; ليبرمان لن تقبل مفاوضات الفلسطينيين إلا على إجراءات ترحيلهم. حكومة ليكود ndash; كاديما قد تنخرط في مفاوضات ماراطونية غايتها إضاعة الوقت لتيئيس الفلسطينيين من السلام ودفع قطاع منهم إلى حلول اليأس؟ خارطة الطريق توفر لها البضاعة المطلوبة لذلك: واجب قيام السلطة الفلسطينية بنزع سلاح كتائب القسّام وquot;تقويض بنية الإرهابquot; وهي مهمة أسطورية قد لا يستطيع تنفيذها الجيش الإسرائيلي نفسه.
ما العمل؟ المخرج من هذا الانسداد الخطِر هو نسيان الشروط التعجيزية لخارطة الطريق وتناسي المفاوضات العقيمة بين الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني، غير الناضجين لحل الدولتين، التي لن تكون نتيجتها إلا تسريع انزلاق الشرق الأوسط حيث النفط وطرق نقله إلى فوضى تجعله غير قابل للحكم ومرتعا خصبا للعنف والحرب والإرهاب.
بدلا من إلقاء السلاح أمام هذه العقدة العويصة، اقطعها بسيفك الذي هو ليس إلا مقترحات أوباما التي تعطي إسرائيل الأمن، كل الأمن، وتعطي السوريين والفلسطينيين الأرض كل الأرض المحتلة. العناصر الأساسية لمثل هذا المشروع السلمي قبلها طرفا النزاع العربي الإسرائيلي منذ زمن بعيد: مقترحات كلينتون، تفاهمات طابا، مبادرة السلام العربية، وquot;وصيةquot; أولمرت أضف اليها quot;وديعة رابينquot; السورية وما أنجزته الوساطة التركية بين إسرائيل وسوريا. ولا شك أن الرأي الإسرائيلي، النَفور من استفزاز الولايات المتحدة الأمريكية ورئيسها، سيقبلها أيضا. لكن حكومة نتنياهو سترفضها أو تراوغ للالتفاف عليها بألف حيلة وحيلة. لكنها لن تجد حيلة لتفادي انتخابات مبكرة تأتي بحكومة وسط اليسار أو وسط اليمين، اللذان يتداولان اليوم على حكم البلدان الديموقراطية وهما، في السيناريو المتفائل، مرشحان لحكم العالم. مشروعهما السياسي ليس المصادمات بل التسويات، ليس الحلول القصوى بل الحلول الوسطى.