توفي الفنانان العراقيان، غانم حداد وخزعل مهدي، بهدوءٍ تامٍ دون أنّْ يثير خبر موتهما الوسائل الإعلاميَّة.


بغداد: فجع التاريخ الفني العراقي خلال الاسبوع الماضي برحيل فنانين كبيرين هما الموسيقي غانم حداد والفنان المتنوع المواهب خزعل مهدي، ولا اقول فجع الوسط الفني الذي لم يفجع بهما بالتأكيد لانه ما زال غافيًا لا يدري من رحل ولا يعرف ماذا يجري على اطرافه او في داخله.

والغريب ان صدى رحيلهما كان باهتًا جدًا، كان عديم التأثيروهامشيًا، بل انه لم يصل الى ادنى مستوى مما يمكن تخيله لرحيل مبدع قدم لبلده ما قدمه، ولا يمكن تفسير ما جرى الا بكون الذاكرة العراقية ذاكرة خائنة وليست مثقوبة طبعًا، والا فكيف لها ان تنسى موسيقيًا كبيرًا مثل غانم حداد الذي اغنى التراث الموسيقي وحافظ عليه وكان اسمه يلتمع كلما عزف عود او كمان او اهتزت اوتار، وسيرته الحياتية ثرية جدًا بحيث لا يمكن التغاضي عنها او محاولة التناسي، لا سيما ان من بين يديه تخرج فنانون كبار، كما انه اخر المتتلمذين على يد الشريف حيدر، كما لا يمكن تناسي مقطوعته الشهيرة (سولاف)، فمات في الغربة وما نظرت اليه عيون لتحمله الايادي الى ثرى الوطن لتدفنه بعد تشييع مهيب يليق به.

ومثله خزعل مهدي الرجل الذي استعرت في الوجدان منذ ساعة رحيله الاغنيات التي قدمها كمطرب او ملحن او مؤلف، مات في بغداد لكن خبر موته لم يعبر الا لبعض الصحفيين لنشر نعيه عسى ان يتذكر المتذكرون، رحل وكان الكثيرون غير منتبهين الى ما انجزه، بل انهم وجدوا انفسهم في لحظة يعرفون الكثير ويتفاجؤون به، وراحت الاغنيات تصدح على الالسن في احاديث الاستذكار الجانبية، وهو مكتشف النجوم ومختبر المواهب ومحتضنها، فمن ينسى الاغنية الشهيرة لداود العاني (احبه واطيعه)، ومن ينسى اغنية عفيفة اسكندر (جوز منهم)، او الاغنية الرياضية التي غنتها شقيقته هناء التي طارت في الارجاء (حلوة ابو جاسم)، وهو الذي اخرج اشهر تمثيليتين هما (النهيبة) و(فدعة) فضلاً عن كونه ممثلاً لعدد من الافلام السينمائية، وسيرته الفنية حافلة مفعمة بالانجازات التي لا يمكن ان يمحوها الزمن، والاثنان لهما من المآثر ما لا تحصى ويستحقان البكاء او الاشارة الى ان رحيلهما يمثل خسارة للعراق .

ويمكن بشكل بسيط المقارنة ما حدث لهذين العملاقين وما حدث للفنانة الكبيرة وردة الجزائرية التي رحلت في الاسبوع نفسه، فلا يمكن ان نجد فرقًا اذ ان المسافة تطول وتبتعد ولا يمكن ايجاد صفة واحدة متشابهة، فقد جرى لها احترام كبير وتقدير مهيب سواء في القاهرة او الجزائر، وشهد رحيلها اهتمامًا لافتًا، رسميًا وشعبيًا، وما زال الحديث عنها ساري المفعول واغانيها منذ ان اعلن عن رحيلها غذاء لوسائل الاعلام المختلفة، فيما غانم وخزعل لم يلتفت اليهما احد، لا على المستوى الرسمي ولا الشعبي، بل ان المؤسسة الفنية التي ينتميان اليها لم تعر اي انتباه لها فلم تقم بالواجب البسيط المطلوب، فلم يكن لموتهما صدى، اي صدى الا في نفوس محبيهما واصدقائهما ومعارفهما، فلم تتجرأ فضائية على بث شيء من انجازاتهما وتم تناسي ما قدماه تمامًا واذا ما كانت هنالك قناة حاولت الاستذكار فلم يكن بالمستوى الذي يليق بأحدهما، فلا احتفاء بالرحيل ولا تشييع رمزي ولا برقيات عزاء ولا تمنيات لاهاليهما بالصبر والسلوان، فقد رحلا ... بهدوء تام، رحمهما الله.