رحل ياسين بقوش، أحد آخر الرواد المتبقين على قيد الحياة، الكوميديان البارز، عفوي الأداء، عاش مهمشاً في سنواته الأخيرة، وطريقة وفاته المؤلمة جاءت معبرة بشكل لافت، فياسين الذي تعرض للإغتيال معنوياً عندما أقصي عن الشاشة، تم إغتيالهفعلياً بقذيفة غادرة،وأثارت وفاته ردود أفعال واسعةنرصدها في هذا التقرير.


الدمام:ياسينو، صبي القهوة الساذج، متلقي التأنيب الدائم من فطوم حيص بيص (نجاح حفيظ)، لم يعد يقف أمام الكاميرا في السنوات الأخيرة، كما غاب قبل ذلك عن خشبة المسرح، بإستثناء أدوار تجارية هنا أو هناك، كذلك لم يعد الراحل المخضرم يجد له مكانًا في الفن السابع، باستثناء دور شرفي منحه إياه المخرج محمد عبد العزيز في quot;دمشق مع حبيquot;، بدور عارض سينما عجوز يعيش منسيًا في غرفة العرض، كان ربما شبيهًا بياسين بقوش في الواقع المؤلم.

الفنان ذو الأصول الليبية، كان سورياً بامتياز، تعرض لتغييب متعمد، سبق أن تجرعه عملاق الدراما السورية وابن الجيل نفسه نهاد قلعي، على يد شللية فنية تسعى لاحتكار الفن، وتخشى من كل فنان حقيقي.

كان الفيديو الذي عرض جثته صادماً، ربما أقل بكثير من مقاطع للمأساة السورية العصية على التوقف، لكن البطل هنا، هو نفسه البطل هناك، على الشاشة الصغيرة حيث إعتادت أجيال أكبر سناً أن تراه، ياسين بقوش مضرجاً بدمائه، لكن الماكياج هنا لم يكن حاضراً، دماء حقيقية، ووجه غابت ملامحه بعد أن نقشت نفسها في ذاكرة السوريين الجمعية.

ملح وسكر، وصح النوم، اثنان من أبرز أعمال الراحل، ومن أبرز ما قدمت الدراما السورية في حقبتها الأولى، في هذه الأعمال كرست quot;كاراكتراتquot; سورية خالدة، مثل quot;أبو عنترquot;وquot;أبو كلبشةquot; وquot;ياسينوquot; صبي القهوة الساذج، هذه الشخصية الأخيرة التي أداها بقوش باسمه الحقيقي، وعاد ليبني عليها أعمالاً كاملة منهاquot;ياسين في المطبخquot; وquot;ياسين تورزquot;، وإلى جانبها شارك في العديد من الأعمال السينمائية خلال فترة انتعاش القطاع الخاص، الذي غاب لاحقاً في ظل سطوة الدولة على الإنتاج السينمائي وتحويله إلى مكان آخر لتوزيع المكافآت على تحتعباءتها.

خبر وفاته الصاعق، انتشر كالنار في الهشيم، وسرعان ما نعاه فنانون، وكتاب، ومثقفون، ومواطنون سوريون، كتبت السيناريست ريما فليحان: quot;وهكذا انتهت سيرة حياة من رسم الابتسامة على وجوهنا بقذيفة غادرة كوفاء لعطائه... من الشارة إلى صحيفة الشرف انتقل اسمه ليرسم الحزن على وجوهناquot;.

من جانبه الفنان مازن الناطور، كان أكثر مباشرة وبساطة: quot;ياسين بقوش...لروحك الرحمة والخلود...ﻷهلك ولمحبيك الصبر والسلوان... ولقاتليك... اللعنة والبؤس والعارquot;، وكذلك فعلت الفنانة مي سكاف التي كتبت: quot;ياسين بقوش لن ننساك يا غالي.. ابن الشهيد رأسك مرفوعquot;.

بدورها كتبت الروائية السورية ديمة ونوس: quot;ياسينو، الذي سجنه دريد لحّام في quot;مقالب غوارquot;وquot;حمّام الهناquot;، لم يحظَ بعد انقضاء quot;الزمن الجميلquot;، بأدوار تذكر، تمّ تهميشه، لكنه ظلّ ياسينو الذي يحرّض الذاكرة ويستفزها على الضحك رغم كل ما يحدثquot;، ثم يقتل اليوم ياسينو الطيّب، خفيف الظلّ، النظيف، بشكل مجاني؟quot;.

وختمت الروائية السورية: quot;أعرف أنه ليس مجانياً. وأعرف أنها ضريبة البقاء هناك. سورية صارت هناك، ذلك المكان البعيد الذي يتجنّب الكثيرون زيارته. صار الخارج هنا والداخل هناك. ياسين قتل هناك.. هنا. حيث كان لأنه يحبّ أن يكون. أو ربما لأنه لا يمتلك فرصاً أخرى للخروج كما هو حال معظم السوريينquot;.

أما الكاتب السوري المرموق ياسين حاج صالح، فكتب: quot;باستشهاده اليوم شرّف ياسين بقوش فنه، استشهاده يشبه طيبته أكثر مما يشبه الفن المتواضع الذي قدمه، quot;ياسينوquot; بطلنا اليوم...لم يكن كذلك كفنانquot;.

والجدير بالذكر أنمجلس الثورة السوريةأكدمقتل الممثل السوري ياسين بقوش بعد استهداف سيارته في حي العسالي بقذيفة quot;آر بي جيquot;، وقال ناشطون سوريون إن مصدر القذيفة هو النظام السوري، واعتبروا الفنان quot;شهيداً للثورة السوريةquot; مؤكدين أنه كان مناهضاً للنظام. بينما أعلنت الوكالة السورية للأنباء، quot;سانا،quot; عن وفاة quot;بقوش بسقوط قذيفة هاون أطلقها إرهابيون على سيارته في مخيم اليرموك بدمشقquot;.
وتظل القذيفة مجهولة المصدر، وفي ظل الوضع الملتهب في سوريا، فمن الصعب تحديد القاتل.