يثير الإقبال على الملابس الغربية، جدلاً كبيرًا في المجتمع العراقي، فالبعض يعتبره ظاهرة تتجاوز القيم والتقاليد المجتمعية، بينما يؤكد آخرون، لا سيما من الشباب، أن هذه الإشكالية هي نتيجة طبيعية للصراع بين القديم والجديد.


تثير ظاهرة ارتداء الملابس الغربية، لاسيما بين الشباب والمراهقين، لغطًا وجدلًا واسعين في المجتمع العراقي مع إقبال هؤلاء على صرعات التصاميم ذات الالوان والأشكال الغريبة، ليتحول الأمر من تصرف فردي الى سلوكيات بين الشباب الذين يحرصون أشد الحرص على الاعتناء بالمظهر، ويقضون أوقاتًا طويلة امام المرآة، وفي الوقت نفسهيتركز الاهتمام على محال الازياء بغية اقتناء الجديد والمثير من عالم الموضة.

وفي متجر لبيع الملابس (الشبابية) في منطقة الكرادة في بغداد، تتيح جولة السوق التعرف إلى ملابس تقترن بصرعة (الهيب هوب)، كما تنتشر الملابس التي تحمل عبارات (إباحية)، واحيانًا عبارات بلغات أجنبية لا يفهم أحد معناها.

يقول باسل الخفاجي (طالب جامعي) إن بعض العقليات المحافظة تتشبث بالقديم، وتحاول أن توقف زخم الحداثة والعصرنة، التي هي من سمات العالم المتفتح. وينتقد الخفاجي أية محاولة لمنع ذلك، ويعتبرها مساسًا بالحرية الشخصية.

يرتدي الخفاجي ملابس أزياء متميزة جدًا من وجهة نظر أصدقائه، وكلها (ماركات أجنبية) مطرزة بحروف واسماء وعبارات اجنبية. لكن الخفاجي يؤكد أنه يرتدي هذه الأزياء عن وعي، ويفهم كل عبارة مطرزة على الازياء. ويتابع: quot;لست مثل الآخرين ممن يساير الموضة بطريقة عمياء، وأسلوبي في المظهر ناتج من ذوق صقلته بالدراسة والثقافةquot;.

لكن هناك من أشكال الزي ما يعد غريبًا فعلاً في المجتمع العراقي، ذلك أن سليم حميد (22 سنة) يرتدي قبعة رجال الكابوي دائمًا في الصيف والشتاء، حيث يعتقد أن هذه القبعة تضيف الى شخصيته بعدًا آخر، وأنها جزء من مظهر عام يتناسب مع شخصيته. كما يزين حميد عنقه بسلسلة فضة عريضة.

ويعتقد حليم سيد حسين مدير مدرسة في بابل (100 كم جنوبي بغداد) أن التربويين في المدارس هم الاكثر معاناة من هذه الظاهرة التي يعتبرونها خروجًا على النظام العام في المدارس، والذي يتطلب ارتداء زيّ يناسب الاجواء الدراسية.

يشير حسين الى الكثير من اللوازم الدراسية والازياء المدرسية التي تتضمن رسومات غير محبذة في الفصل الدراسي. ويتابع: quot;أرصد الكثير من العبارات التي تسيء إلى الذوق العام، وتتعارض مع التقاليد الاجتماعية والقيم الدينيةquot;.

من وجهة نظر حسين، فإن التمرد على الزيّ التقليدي هو محاولة لإثبات الذات من قبل البعض. ويضيف: quot;يستطيع الشاب أو الطالب تحقيق ذاته عبر التفوق الدراسي، وتحقيق الانجازات العلمية والثقافية، وليس عبر المظهرquot;.

ويعتقد حسين أن هناك أزمة هوية تواجه الشباب، بينهم طلاب الجامعات، مما يجعلهم هدفًا سهلاً للتقليد الأعمى نتيجة الانبهار بكل ما هو أجنبي. وبحسب حسين، فإن الشعور بالنقص والفراغ يدفعان الشباب إلى التقليد.

لكن الحرص على ارتداء الملابس الغربية مستمر، وسط استهجان عدد من كبار السن والتربويين والداعين إلى المحافظة على الزي الملائم للعادات والتقاليد.

الباحثة والناشطة النسوية لمياء القاضي ترى أن الاجندة المحافظة في المجتمع وطغيان المد الديني واعلام الأحزاب المحافظة خلقت ردة فعل معاكسة بين الشباب الذين يحاولون الهروب من الواقع عبر محاكاة الانماط الغربية في العيش.

لكن محمد رضا (25 سنة) ويعمل حلاقًا يرى أن التأثر بصرعات (الموضة) هو نتيجة طبيعية للانفتاح، فقصات الشعر الغربية مع الطراز العصري في المظهر هي الاكثر ملائمة للعصر. ويؤكد رضا أن كل جديد يكون مثيرًا، ويولد الكثير من الجدل والنقد، لكنه يصبح بمرور الزمن جزءًا من الواقع.

لا يستهجن الباحث الاجتماعي شيوع الظاهرة بين شباب العراق، لأنها ظاهرة تشترك فيها جميع المجتمعات، وتعبّر عن نزوع نحو التجريب والتحديث. ويرجع رضا بعضًا من اسباب الظاهرة الى التأثير الإعلامي، على الشباب المراهق.

وتنتشر الملابس الغربية بشكل لافت بين شباب العراق في كل المدن، ولا تستثنى من ذلك المدن المتميزة بطابعها الديني والمحافظ.

لكن ليث الجابري يستاء جدًا من طرح موضوعات تمس الحرية الشخصية، ويظهر تململه بالقول: اذا ارتدينا (الدشداشة) التقليدية يقولون إنها غير مناسبة، كما أنهم ينتقدون الملابس الغربية ايضًا. ويعتقد الجابري أن الملابس الغربية اكثر عملية، وتتيح حرية الحركة، كما انها تنسجم بألوانها وتصاميمها مع العصر.

يرى الجابري أن هذه الازياء لا تساهم في هدم القيم الاجتماعية بحسب ما يشيعه البعض، بينما يؤكد قيصر الكلابي (22 سنة) أن الكثير من الازياء يحمل عبارات تدل على معانٍ لا تتناسب مع القيم المجتمعية السائدة.

ويشير الكلابي إلى أن بعض الشباب يتعرض للاضطهاد، الى درجة أنهم يضطرون الى نزع الملابس التي يرتدونها قبل دخولهم البيت خوفًا من تعرضهم الى النقد من قبل ذويهم.

ويؤكد الشاب سليم الظاهر، ويمتلك عددًا من القمصان التي تحمل عبارات باللغة الانكليزية، أنه حين يصل المدرسة يستبدل تلك القمصان بأخرى ملائمة، خوفًا من العقاب من قبل ادارة المدرسة التي حذرت الطلاب من مجاراة الصرعات الغربية.

وكانت ادارة المدرسة بحسب سليم، شنت قبل شهر حملة على قصات الشعر الغربية واجبرت الطلاب على قص شعرهم بدرجة (صفر) عقابًا لهم على مجاراتهم للنمط الغربي في تسريحة الشعر. ويشير سليم الى أن السائد بين الشباب اليوم هو بنطلون برمودا الضيق، و(فانيلة) خفيفة تتناسب مع جو العراق الحار، اضافة الى حزام غليظ يتدلى مع الساق.

وتضم الكثير من القمصان شعارات دعائية أو كلمات دالة أو صوراً لممثلين ورياضيين.

ويرى محمد جاسم، وهو تاجر ملابس، أن اقبال الشباب على الملابس الغربية يجعل تجارتها رائجة، كما يرفع اسعارها.

ويتابع: في فصل الصيف صار منظر الملابس الخفيفة، لاسيما quot;فانيلات الكاتquot; مع بنطلون أزرق وقميص كاروه الذي يظهر تفاصيل البطن والصدر والعضلات المفتولة، منظرًا عاديًا يثير استهجان الكثيرين، لاسيما النساء.

ويصل سعر القميص الاجنبي غير المقلد الى نحو خمسين دولارًا، بينما تباع الصينية بأسعار تصل الى نحو عشرين دولارًا. اما التركية، فيفضلها الكثير من الشباب، وتصل اسعارها إلى نحو اربعين دولارًا. ويفضل الكثير من الشباب الجينز الاميركي الاصلي، لكنه باهظ الثمن، بينما يكون الجينز التركي أو الأردني أو المحلي أقل سعرًا.