ترفض مجموعة من السلفيين اعتبار الجندي المسيحي الذي يسقط في الحرب "شهيدًا" لأنه يموت على غير الاسلام، فاستاء الأقباط وأكد الأزهريون أن للجندي المسيحي نفس حقوق المسلم الذي يدافع عن مصر.

القاهرة: شارك المسيحيون في مصر بجميع الحروب والثورات، جنبًا إلى جنب مع المسلمين، وقتل بعضهم في الحروب المختلفة مع إسرائيل، أو بمواجهة الإرهاب. وقضى في تفجيرات الشيخ زويد الأخيرة عدد من الجنود الأقباط، فأثير الجدل حول إطلاق لقب "شهيد" على كل واحد منهم، في ظل نزع التيار السلفي هذا اللقب عنهم، معتبرين أنهم كفار، فيما ردت وزارة الأوقاف بالتأكيد على أنهم شهداء.

شهداء أم لا؟

لقي ثلاثة جنود أقباط مصرعهم في التفجيرات التي استهدفت كمينًا عسكريًا ومدرعتين في منطقة كرم القواديس في سيناء، يوم السبت 25 تشرين الأول (أكتوبر) الجاري، بينهم شنودة أنور إسحاق وكيرلس فاضل حبيب ومفدي زكي عوني.

وبعد تشييع جثامين الضحايا جميعهم، أثير الكثير من الجدل حول سؤال مفاده: "هل يعتبر الجنود المسيحيون الذين قتلوا في مواجهات الجيش مع الإرهاب شهداء؟".

تداول التيار السلفي وبعض المتشددين الإسلاميين فتاوى وآراء تقول إن الجندي المسيحي إذا قتل أثناء الدفاع عن الوطن، سواء ضد العدو أو ضد الجماعات الإرهابية، ليس "شهيدًا"، لأنه مات على الكفر.
وأوردوا للتدليل على ذلك مجموعة من الآيات القرآنية منها: "إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ"، الآية السادسة من سورة البينة، و"وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ"، الآية 85 من سورة آل عمران.

منزلة عظيمة

قال الشيخ أبو اسحاق الحويني في فتوى منشورة له بهذا الشأن: "حكم إطلاق لفظ ("شهيد") على المسيحي المقتول في حرب أو المرابط على الحدود، لا يجوز". وأوضح أن من مات على دين غير دين الإسلام فهو كافر ومصيره نار جهنم بدليل قول الله تعإلى: "أن الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ"، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفس محمد بيده، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلاَّ كان من أصحاب النار".

وأشار الحويني إلى أن الشهادة منزلة عظيمة تفوق منزلة الصالحين كما دل القرآن، لكن الناس امتهنوا هذا اللفظ وأضفوا هذا اللقب على من شاؤوا.

الأزهر يقول "شهيد"

أثارت هذه الفتوى غضبًا في صفوف الأقباط، لاسيما أن الجنود المسيحيين قتلوا أثناء الدفاع عن الوطن. وقال القس بولس عويضة، استاذ القانون الكنسي وراعي كنيسة الزهراء، لـ"إيلاف" إن هؤلاء لا يستحقون الرد، مشيرًا إلى أن علماء ومشايخ الأزهر تكفلوا بالرد.

فقد حسم علماء الأزهر الجدل لصالح الجندي المسيحي، مؤكدين أنه "شهيد". وقال الشيخ جابر طايع، وكيل وزارة الأوقاف: "هذا المجند المسيحي يقاتل من أجل مصر، فكيف لا يحتسب "شهيدًا"". واضاف: "لا ينبغي أن نوزع الخصوصيات على أُناس معينة، والله هو الذي يعلم هذا "شهيد" وهذا غير "شهيد"، وقد يقدم هذا المسيحي إلى الجنة بسبب هذا القتل والخيانة الغادرة".

وتابع في تصريحات له: "هذا المسيحي قد يبعث على نيته، وهو كان مرابطًا في سبيل الله ويحمي حدود مصر".

يقاتل مخلصًا لله

وأفتى الدكتور عبد الله النجار، عضو مجمع البحوث الإسلامية، بأن الجندي المسيحي المقتول في صفوف الجيش "شهيد". وقال إن المسلمين والمسيحيين أخوة بحكم المواطنة، مستدلا على ذلك بقول الله تعإلى: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا". وأضاف: "إن شهداء الجنود المسيحيين لهم الحقوق نفسها، حتى إنه في الدنيا ال"شهيد"، الذي يموت منهم له الحقوق نفسها لل"شهيد" المسلم، لأن الشهادة لها أحكام متعلقة بالدنيا وأخرى متعلقة بالآخرة، وأمر الآخرة مرده لله ومن سوء الأدب الحكم عليه".

ولفت إلى أن الذي يقاتل لكي تكون كلمة الله هي العليا، هو الذي يقاتل في سبيل الله، منوهًا بأن المسألة ليست خاصة بالإسلام، وإنما تتعلق بالإخلاص لله. وقال: "الرسول صلى الله عليه وسلم قال إن هناك من بين المسلمين من يقاتل رياء أو شجاعة أو من أجل أي مأرب آخر".

جعله على المطلق

وقال الدكتور أحمد عبد الرحمن، استاذ العقيدة في جامعة الأزهر، لـ"إيلاف" إن الإسلام يعظم القتال في سبيل الله والدفاع عن الأرض والعرض، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال في حديث صحيح: "من قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ" (رواه الترمذي).

وأضاف عبد الرحمن: "الرسول لم يقصر هذا الحديث على المسلم فقط، بل جعله على المطلق، والجندي المسيحي المدافع عن أرضه وعرضه والمال العام لو قتل فهو "شهيد"".

وحذر عبدالرحمن من أن إثارة البلبلة حول هذا الأمر من شأنه أن يحدث الشقاق بين أبناء الوطن. ولفت إلى أن كل انسان جزاؤه على الله، ولا يحق لأي شخص سواء كان عالمًا أو مفتيًا أن يحرم الآخرين من ثواب محاسن الأعمال.
&