أثنى وزير الخارجية البريطاني على الدور الحيوي الذي لعبته النساء السوريات في دعم وقيادة الثورة السورية، وقال إنهنّ من يتحمّلن عبء الحفاظ على تماسك الأسرة في غمار الحروب.


نصر المجالي: وجه وزير الخارجية وليام هيغ الدعوة لعدد من الناشطات السوريات البارزات كي يتحدّثن عما تعنيه الثورة بالنسبة لهن، وعن تطلعاتهنّ لسورية المستقبل.

وقال هيغ في تصريحات نقلها موقع وزارته الالكتروني انه وجه بمناسبة اليوم الدولي للمرأة quot;اننا نحتفل بالانجازات السياسية والاجتماعية والاقتصادية للنساء، ونتفكّر بكفاحهنّ في العديد من أنحاء العالمquot;.

وأكد انالمساعدة في كسر الحواجز التي تقف عقبة في طريق النساء هي قضية من واجب كل وزير خارجية أن يناصرها. فليس هناك من جائزة استراتيجية في القرن الحادي والعشرين أكبر من تمكين كافة النساء في أنحاء العالم اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا.

وقال وزير الخارجية البريطاني انه لا بد وأن يكون هذا القرن هو الزمن المناسب لتحتل المرأة مكانتها المناسبة، حين تطوى صفحة مئات السنين من تهميشها، وحين تولد الفتيات في عالم تسوده المساواة بالمعاملة وفرص لا حدود لها وليس في عالم ضيق الآفاق يتوفر فيه لهنّ قدر أقل من الحماية كما كان من قبل.

وأشار الى أن الصراع، الذي هو السبب وراء الكثير من العنف ضد المرأة، يمثل عائقا أساسيا أمام تحقيق هذا الهدف. وبمناسبة هذا اليوم الدولي للمرأة أتفكّر بوضع النساء السوريات اللاتي شهدن بلدهن ومستقبل أبنائهن يتعرض للدمار نصب أعينهن خلال السنوات الثلاث الماضية.

دعم الثورة

وأثنى وزير الخارجية البريطاني على الدور الحيوي الذي لعبته النساء السوريات في دعم وقيادة الثورة الشعبية منذ بدأت في عام 2011. وهنَّ من يتحملن عبء الحفاظ على تماسك الأسرة في غمرة الحروب. وتعرضن لجرائم وحشية في مدن سورية المحاصرة. وأكثر من نصف اللاجئين السوريين هم من النساء والأطفال. وسيقع على عاتقهن معظم أعباء بناء المجتمع السوري من جديد، كما يحصل دائما في المجتمعات التي تضررت من الحرب.

وأكد ضرورة مشاركة المرأة في مفاوضات السلام الرامية لإنهاء الصراع، وقال انني أهيب بالأمم المتحدة والدول الرائدة في العالم العمل معنا لضمان أن يكون للمجموعات النسائية والمجتمع المدني دور رسمي طوال المفاوضات وفي العملية الانتقالية مستقبلا في سورية. إننا بحاجة لسلام قوي ومستدام في سورية - وهذا يعني مشاركة نسائية تامة.

وقال ان المملكة المتحدة ستواصل تمويل ودعم هذه العملية، كما سنواصل دعم المنظمات النسائية المستقلة في سورية وتدريب الناشطين والخبراء في مجال جمع الأدلة التي سوف تُستعمل لاحقاً في المحاكمات الجنائية.

بسمة قضماني

وفي الآتي تنشر (إيلاف) ما شاركت فيه الناشطات السوريات من آراء عما تعنيه الثورة بالنسبة لهن، وعن تطلعاتهن لسورية المستقبل تلبية لدعوة وزير الخارجية البريطاني:

وكتبت بسمه قضماني، المديرة التنفيذية لمبادرة الإصلاح العربية الآتي:

عندما بدأ شباب وشابات سورية بالتظاهر في ربيع عام 2011، أدركت أن لا شيء في حياتي أهم من مساعدتهم على تحقيق النجاح ونيل حريتهم. ولم أكتفِ بدعم مجموعات شبابية تعمل على الأرض، بل أردت أيضا نقل صوتهم إلى العالم، فالتحقت بالمعارضة السياسية. وواجهت، كوني ناشطةً معارِضة، حملات تشهير شنها النظام، وكان عليَّ، كوني إمرأة، أن أبذل قصارى جهدي حتى يسمعني زملائي في المعارضة. وعرفت متأخرةً في حياتي بأن على النساء أن يتّحدن وأن يكافحن لاقتحام دهاليز السلطة ومراكز صنع القرار اقتحاماً، إذا كان لسورية أن تصبح وطناً لجميع مواطنيها.

لقد نشط النظام في تشجيع العنف الجنسي ضد النساء كاستراتيجية لإذلال العائلات والمجتمعات برمّتها وتمزيق النسيج الاجتماعي. وتشعر النساء أنفسهن بأن إنسانيتهن قد سُلبت منهن. وإلى جانب توثيق هذه الجرائم ولفت أنظار المجتمع الدولي إليها، تتولى الناشطات داخل سورية وفي مخيمات اللاجئين إحضار الإغاثة إلى الضحايا ومداواة جراحهن ونشر الوعي في أوساط العائلات بضرورة حماية كرامة النساء بوصف ذلك جزءاً من النضال العام، وإلا فسيكون النظام قد انتصر في جبهة غايةٍ في الخطورة.

رفيف جويحاتي

ومن جهتها، كتبت رفيف جويحاتي، المتحدثة باسم لجان التنسيق المحلية في سورية:

المطالبة بالحرية والكرامة والديموقراطية في سورية تنعش ذاكرة كل من يسمع النداء: فهي حق للجميع. وبينما نحقق الكرامة أو الديموقراطية أو الحرية فإننا نكون بذلك قد حققنا بكل تأكيد المساواة التامة أيضا بين الرجال والنساء، وإلا فإن المفاهيم الأخرى تفقد قيمتها الحقيقية.

أمام السوريين فرصة، خلال هذه الأزمة التي حلت ببلدنا لإعادة بناء مجتمعنا وأخلاقياتنا والمجاهرة بقيمنا. وحين ندعو للمساواة بين كافة المواطنين علينا إدراك ضرورة أن يكون لكافة المواطنين من يمثلونهم. وبالتالي لا بد من وجود المرأة السورية حول طاولة المفاوضات وفي اللجان الانتقالية وفي كل صرح ولقاء معني بموضوع رحيل الأسد وتشكيل دولة جديدة. لقد شاركنا نحن النساء يدا بيد في هذه الثورة، وفي الكثير من الأحيان تجاوزنا وتفوقنا على نظرائنا من الرجال، لضمان المساواة في سورية ما بعد الأسد. وهذا لا ينحصر بعنصر النساء فقط، بل أيضا بالمسيحيين والأكراد والعلويين والدروز؛ فالنساء السوريات في طليعة المطالبين بالتمثيل الكامل لكافة السوريين.

عادة ما يقال لي حين أثيرُ هذه النقاط بأن هذا ليس هو الوقت المناسب للانشغال بحقوق المرأة، وبأن هناك أموراً أكثر أهمية لننشغل بها حاليا. فأسأل ldquo;إن لم يكن الآن، فمتى؟ كيف يمكننا المطالبة باحترام حقوق الإنسان ونهمل في نفس الوقت حقوق 50% من مجتمعنا؟rdquo; ما الذي يمكن أن تفوق أهميته أهمية ضمان حقوق أكثر من نصف السوريين. ويقال لي في بعض الأحيان أنني مجرد متطرفة في دفاعي عن حقوق المرأة. وردّي على ذلك دائما هو ldquo;شكراrdquo; وأسأل عن سبب وصفي بأنني متطرفة في حين أن كل ما أدعو إليه هو المساواة. أليس وصف أي سوري يتجرأ على المطالبة بالمساواة بأنه ldquo;متطرفrdquo; هو من تكتيكات الأسد؟ وهل بتنا نميل، في المعارضة، لنفس أسلوب استغلال العواطف الذي يتبعه هذا النظام الذي كرّسْنا أنفسنا لاستبداله؟ يقول الكثيرون بما أن المجتمعات الغربية لم تنجح بتحقيق المساواة بين الجنسين فإننا لسنا ملزمين بذلك، وبأن أمامنا مئات السنين للحاق بركب الغرب. وأكرر هنا بأن أمامنا فرصة بدء البناء من الصفر، حرفياً. وعلينا نحن السوريين المطالبين بالحرية والكرامة والديموقراطية انتهاز هذه الفرصة لكي نكفل مستقبلا ينعم فيه الجميع بالمساواة.

رنا قباني

أما رنا قباني، كاتبة وإذاعية فقد شاركت بالرأي التالي:

ألبوم صور عائلتي يعرض التغيرات الجذرية الهائلة التي وقعت في حياتي. ففي النصف الأول من القرن العشرين عَرَفت سورية ديموقراطية وليدة بعد الاستقلال عن فرنسا، حيث كانت هناك عملية اقتراع صحيحة وانتخابات تتنافس فيها أحزابٌ سياسية نشطة، وصحافة حرّة وحرية الاحتجاج والتعبير عن الرأي والفكر.

وأتلمّس صورة ملوَّنة التُقطت بكاميرا كوداك قديمة لأستعيد تلك الحقبة وذاك العالم. إنها صورة أمي (ترتدي رداءها المزركش من طراز دار أزياء ديور والذي حاكته لها خياطتها الأرمنية العبقرية على ماكينة الخياطة سنجر، والمستوحى من طراز في مجلة الأزياء بوردا) وهي تبتسم لي أثناء نزهة في يوم جمعة تحت أزهار شجر اللوز في الغوطة. يقشعرّ بدني لأنني أعرف أننا كنا نجلس في البقعة ذاتها التي استخدم فيها بشار الأسد بعد ذلك أسلحته الكيماوية ضد أطفال ونساء مثلنا.

لقد تحمل الأوروبيون قبل ثلاثة أجيال الفاشية الوحشية. عانوا وأزهقت أرواح الملايين وأحيلت مدن تاريخية إلى ركام. ولكنّ الردّ العسكري الدولي الموحّد، وخطة مارشال ومحاكمات نورمبيرغ، واستجلاب العمالة الأجنبية اللازمة هو ما ساهم في وقوف القارّة المدمرة المكتئبة على قدميها من جديد. غير أنه لم توضع لنا نحن عملية إنقاذ كهذه. وراح الأسد ، سيْراً على خطا والده الدموية، يدمِّر بلادنا بمساعدة قوات عسكرية روسية وإيرانية (تركل رؤوس معتقلينا السياسيين)، فبات نصف سكان سورية مشردين وجوعى. وكل ذلك لأن الناس خرجوا بصورة سلمية لمعارضة 44 سنة من حكم عائلته التي راحت كالمافيا تمعن في سرقة خزائن الدولة، إلى جانب اعتقال واغتصاب وإخفاء الناس وزعم ldquo;انتحارrdquo; وقتل كل من تجرأ على الوقوف في وجه هذه المافيا.

فاشية البعث

فاشية بعثنا لم تدمّر الرخاء الاقتصادي والسياسي وحسب، بل العَقد الاجتماعي أيضاً. فالمدارس خضعت لمراقبة وسيطرة الحكومة؛ واللغات الأجنبية ألغيت، بينما بدأ اللجوء لفنون الظلام الدعائية وعمليات غسل الأدمغة. وكان لهذا انعكاساته الأليمة على العائلة السورية، ما مهّد لتوتر العلاقات بين الأجيال وبين الجنسيْن - حيث تعرّضت النساء إلى ضغوط غير عادية قد لا تحصى أبدا. وجرى تحويل بلدنا تدريجيا إلى كوريا شمالية أخرى بعد أن كنا كجيراننا على شواطئ البحر الأبيض المتوسط، نستمتع بمباهج الحياة دون خوف أو وجل بفضل القضاء المستقل، والتمتع بالحقوق، وتلاقي العديد من الحضارات القديمة التي أعطت للعالم معظم ما يجده قيّماً.

خلال 56 سنة التي عشتها منذ أن ولدت وحتى اليوم شُوِّهت سورية على أيدي وحشيين من الرجال الذين وصلوا إلى السلطة فوق الدبابات، واحتفظوا بالسلطة بالدبابات والتعذيب والإبادة. وحيث لا شيء في جيوب بزاتهم العسكرية غير التظلمات الطبقية أو الطائفية، والجشع والطمع في ملئها، فإن مثل هؤلاء النازيين لا يفهمون بلدنا، ناهيك عن فهمهم للمنطقة أو العالم. لقد داسوا على جميع الحريات السياسية والاقتصادية والشخصية، وأمّموا بيوت البشر وأراضيهم، ولم يحسِّنوا حياة فلاح أو أجير فقير، بل دمَّروا شريحة كاملة من النساء المتنوِّرات. فجدّتي مثلا، والتي كانت تنادي بحق الاقتراع للمرأة وبالمساواة بين الجنسين، باتت أرملةً مُعوزةً فقيرة الحال بين عشية وضحاها بسبب quot;إصلاحاتهمquot;. وقد عُرف عن أسرتها إقامة المؤسسات الخيرية، وهي متحدّرة من نسل عبد الغني النابلسي، الكاتب الزاهد الصوفي الدمشقي الذي زهد وعاف مباهج الحياة ليقوم على خدمة الفقراء، وهي قصة من الثراء إلى الفقر المقصود.

الشيفون التقليدي

وكانت من بين أوائل من تخلوا عن الشيفون التقليدي الذي يغطي الوجه في الأماكن العامة وأسست، إلى جانب من يشاركنها أفكارها وطموحاتها من النساء، مدارس وملاجئ للفتيات في أنحاء البلاد، ومن جيوبهن الخاصة.

وحين تقدمت بالعمر قررت ألا تلتحق بالطبقة الاجتماعية التي تنتمي إليها، والتي غادر أبناؤها سورية بأعداد كبيرة ضمن هجرة العقول النابغة أو أنهم تملّقوا النظام الجديد الفاسد للانتفاع منه.

وكان أن حوّلت شرفتها الغناء إلى مكان لاستقبال كافة العاملين الوقورين من سكان حيِّنا لتستمع لما يقولونه عن تردّي أحوالهم وما تعانيه عائلاتهم من جوع. وكانت تقطف الورد الدمشقي العطر أو حفنات من زهر الياسمين وتقدمها لهم إلى جانب القهوة والبسكويت الذي صنعته في البيت مصفوفا على أطباق الطقم الصيني المزهّر، وتستمع طوال ساعات لبناتهم وزوجاتهم وهن يبكين لأنهن وجدن أذنا صاغية حانية مع أنها مثلهنّ لم يعُدْ حولٌ لها ولا قوّة.

وكانت ترسلني محملة بهدايا من عبوات مربى المشمش أو الألعاب لأبنائهم مما هو فائض عن حاجتنا في البيت. وقد ولّت أيام شرائها لأي شيء جديد حتى أنها استغنت عن سجائر سوبراني الملونة الزاهية التي كانت تدخنها لتستبدلها بسجائر الحمراء المحلية الرخيصة، ضاحكة لأنه بات باستطاعتها هي وبائع الذرة الاستمتاع بتدخين نفس النوع من السجائر معاً حين يأتي لزيارتها.

تلك كانت صورة دفاعها عن حقوق المرأة.

ولربما كانت جدّتي ستذهل من فكرة حزب البعث الفاشية بدعم النساء، والتي ولدت منها المتحدثات الفظيعات باسم الأسد اللاتي اصبح الكذب عندهنّ كالتنفس. وحماسهن للقضاء على كافة أفراد شعب أنهكه الفقر لربما كان قد أشاط غضبها ودفعها للكفاح ضد النظام.

وإنني على ثقة بأنها لو قُدِّر لها ستصبح ناشطة عظيمة في هذه الثورة الباسلة.