إيلاف من بيروت:&منذ حوالى النصف قرن، أثار بوب ديلان (اسمه الحقيقي "روبرت ألن زيمرمان") صدمة في عالم الموسيقى من خلال إدخال الغيتار الكهربائي وتنفيره للأصوليين الشعبيين حيث فنّد الفكرة الجاهزة حول الموسيقى الشعبية. ولعقود متعددة، استمرّ في تخطّي التوقعات فباع ملايين التسجيلات التي تتضمّن تأليف أغان غامضة. تميّزت أعماله بأسلوب مبهر واحتجاجي، أدرج تأثيرات سياسية واجتماعية وفلسفية وأدبية.&
والآن إنّ السيد ديلان، الحائز على جائزة شاعر حقبة موسيقى الروك، نال جائزة نوبل للآداب، وهو شرف يرفعه إلى منزلة الكتّاب والأدباء توماس ستيرنز إليوت وغابرييل غارسيا ماركيز وتوني موريسون وصموئيل بيكيت.
لطالما أظهر نفحة أدبية
بوب ديلان البالغ 75 من عمره، هو أول موسيقي يربح هذه الجائزة، ولعلّ اختياره يوم الخميس، هو اختيار غير تقليدي في تاريخ جوائز نوبل الذي بدأ في العام 1901. في الواقع، بانتقاء موسيقي شعبي لمنحه أهم تكريم أدبي، تكون الأكاديمية السويدية، المسؤولة عن توزيع جوائز نوبل، قد أعادت رسم حدود الأدب وأثارت جدلاً حول ما إذا كانت كلمات الأغاني تحمل القيمة الفنية نفسها التي تملكها الأشعار والروايات.
لطالما قام السيد ديلان بإدخال تلميحات أدبية إلى موسيقاه وإضفاء نفحة شاعرية إلى كلمات أغانيه، وكان يستعمل عبارات من كتابات الشعراء آرثر رامبو، وبول فيرلين وعزرا باوند. كما أنّه نشر بعض كتابات الشعر والنثر، بما فيها مجموعة Tarantula في العام &1971 وسيرة ذاتية حملت عنوان مذكرات في العام 2004 &Chronicles: Volume One. وفي أول نوفمبر، ستصدر كل كلمات أغانيه من 1961 حتى 2012، على موقع Simon & Schuster.
&
بين الرضا والتهكم
وقد احتفل كتاب متعددون بإنجازات السيد ديلان الأدبية، من فيهم ستيفن كينغ وجويس كارول اوتس وسلمان رشدي، الذين وصفوا السيد ديلان بـ"الوريث اللامع للتقاليد الشاعرية"، وأضافوا أنّ هذا الاختيار موفق. بينما اعتبر البعض أنّ قرار الأكاديمية مضلل وأنّ كتابة الأغاني مهما كانت رائعة لا ترتقي إلى مستوى الأدب. وفي هذا السياق، كتب الروائي ربيع علم الدين على تويتر: " إنّ منح جائزة نوبل في الآداب لبوب ديلان، شبيه بإعطاء 3 نجوم ميشلان إلى ماركة Mrs. Fields وهذا يضاهي بسخافته وينستون تشرشل". &أما جودي بيكولت، وهي الروائية صاحبة أعلى نسبة مبيعات، فقد قالت بسخرية "أنا سعيدة لبوب ديلان" ولكن هل هذا يعني أنّ بإمكاني ربح جائزة غرامي للموسيقى؟ #ButDoesThisMeanICanWinAGrammy?”
بعض الموسيقيين أشادوا بهذا الاختيار مع نوع من الرهبة. فعلّقت كاتبة الأغاني روزان كاش، إبنة جوني كاش، تعليقاً بسيطاً على تويتر: "يا إله الكون. ربح بوب ديلان جائزة نوبل". لكنّ الكثيرين ثار غضبهم، فقام موقعا Pitchfork و Vice المعروفان بتوجههما الشبابي، بنشر مقالات تتساءل مشككة ما إذا كان السيد ديلان هو الخيار الصحيح لربح جائزة مماثلة.
لم يكن حاضراً!
السيد ديلان، كاتب الأغاني الشعبية الكلاسيكية والأغاني الاحتجاجية مثل Blowin’ in the Wind و The Times They Are a-Changin بالإضافة إلى أفضل عشر أغنيات بما فيها Like a Rolling Stone، يُعدّ رابح نوبل غير اعتيادي. وهو أول أميركي ينال هذه الجائزة بعد الروائية موريسون في العام 1993. قام نبلاء أكسفورد بدراسة أعماله وأحبّه الرؤساء، علماً أنّ الرئيس الأميركي أوباما أشاد بإنجازاته وأكّد أنّه يستحق هذه الجائزة. &ولكن بدلاً من أن يكون ديلان حاضراً في المؤتمر الصحفي الاعتيادي الذي نظمه الناشر يوم الخميس، كان يغني على أحد مسارح لاس فيغاس، ولم يدل بأي تصريحات حول فوزه التاريخي. &
أشعار بلا ألحان
لوقت طويل، تجادل أهل الأدب حول ما إذا كان من الممكن اعتبار كلمات أغاني السيد ديلان أشعاراً بدون موسيقى، وكرّسوا جهوداً أكاديمية هائلة &لتحليل موسيقاه. حتى انّ كتاب أكسفورد للشعر الأميركي Oxford Book of American Poetry قد تضمّن أغنيته Desolation Row، في طبعة العام 2006، وكذلك قامت مطبعة جامعة كامبريدج في العام 2009 بإطلاق كتاب The Cambridge Companion to Bob Dylan، ما يدعم سمعته كصاحب أسلوب أدبي لامع. &
&
وفي هذا السياق، يقول بيلي كولينز، الحائز السابق على جائزة الشعر في الولايات المتحدة، إنّ السيد ديلان يستحق أن نعترف به ليس ككاتب أغان فحسب، بل كشاعر. وقد لفت في إحدى مقابلاته إلى أنّ: "معظم كلمات الأغاني لا تصمد بدون موسيقى، وليس من المفترض أن تفعل. لكنّ بوب ديلان هو من بين الـ 2% الذين يؤلفون كلمات أغان تبقى مثيرة للاهتمام حتى بدون الهارمونيكا أو الغيتار أو صوته المميز، وأظن أنّه شاعر ناجح".&
انهيار الفن الراقي
وبمنحه جائزة نوبل للآداب، قد تكون الأكاديمية اعترفت بسدّ الفجوة بين الفن الراقي والأشكال التجارية المبدعة. وفي هذا الإطار قال الناقد الموسيقي في صحيفة The Nation، ديفيد هاجدو، الذي كتب الكثير عن السيد ديلان وفنه المعاصر: "هذا أدب، لكنّه أيضاً موسيقى وأداء وفن، وتجاري للغاية" وأضاف أنّ التصنيف القديم للفن الراقي والمنحط بدأ ينهار منذ فترة طويلة، لكنّ سقوطه حدث اليوم بشكل رسمي." &
تذمّر دائم
في السنوات الماضية، تذمّر المؤلفون والناشرون من أنّ الجائزة تمنح دوماً إلى كتّاب غامضين يوصلون رسائل سياسية واضحة، بدلاً من المؤلفين المعروفين. &ولكن، باختيار شخص مشهور وبعيد جداً عن التقاليد الأدبية القائمة، تكون الأكاديمية قد سلكت اتجاهاً معاكساً ومنحت سمعة إلى فنان شعبي يتمتّع بها أصلاً. &
وهذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها التوسع في تعريف الأدب. ففي العام 1953، نال ونستون شرشل الجائزة، من جهة للاعتراف بالصفات الأدبية لخطاباته السياسة، ومن جهة أخرى، بـ"الخطابة الرائعة في الدفاع عن القيم الإنسانية النبيلة" وفقاً لما قالته الأكاديمية. وتفاجأ الكثيرون في السنة الماضية، حين أعطيت الجائزة إلى الصحافية البيلاروسية سفيتلانا ألكسيفتش، التي نقلت رواياتها أصواتاً رسمت التاريخ.&
ما هو رأي أصحاب الاختيار؟
وتنويهاً بالسيد ديلان، أشارت الأكاديمية السويدية إلى أنّه "أبدع عبارات شعرية جديدة في تراث الأغنية الأميركية العظيم".
أما سارة دانيوس، الباحثة الأدبية والأمينة العامة لمجلس الأكاديمية السويدية الذي يضم 18 عضوا، فقالت إن اللجنة اختارت ديلان لأنه "شاعر عظيم ضمن التقليد الشعري للناطقين بالإنجليزية" وقارنته بالشاعرين العظيمين هوميروس وسافو. ورداً على سؤال عمّا إذا كان هذا القرار سيعمل على توسيع تعريف الأدب، أجابت دانيوس: "الأوقات تتغير، ربما" (في إشارة إلى واحدة من أغاني ديلان).
وأضافت الأكاديمية أنّ ديلان بمثابة أيقونة، فتأثيره في الموسيقى المعاصرة عميق جداً، وهو موضوع تيار مستمر من الأدب الثانوي.
وتجدر الإشارة إلى أنّ جائزة نوبل تترافق مع مبلغ يزيد عن 900 ألف دولار وهي تمنح بناء على تاريخ من الكتابات وليس على مجرد عمل واحد.&
أعدّت إيلاف هذه المادة عن صحيفة نيويورك تايمز عبر الرابط الآتي:
http://www.nytimes.com/2016/10/14/arts/music/bob-dylan-nobel-prize-literature.html?_r=1
التعليقات