أرخى إعلان المملكة العربية السعودية "رؤية السعودية 2030"، اليوم، ثقله على الواقع الإقتصادي والإعلامي والإجتماعي في المملكة وحول العالم.&

بيروت: أهم انعكاسات الإعلان تبدت في ارتفاع مؤشر سوق الأسهم السعودية بنحو 2.5% إلى مستوى 6868 نقطة، بتداولات نشطة بلغت قيمتها 10.1 مليارات ريال، فيما دعم قطاع التجزئة مؤشر سوق السعودية، حيث ارتفع القطاع بنحو 1.03%، والمصارف والخدمات المالية 1.58%، والتأمين 2.88%.

تمثل أهداف المملكة في التنمية والاقتصاد على مدار 15 سنة مقبلة، وركزت على نقاط القوة في البلاد، بعيدة عمّا وصفه ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بـ"الإدمان النفطي".. ولعل أبرز نتائجها المتوخاة هو خصخصة أصول بـ400 مليار دولار تفتح فرصًا ضخمة للشركات، وتخلق ستة ملايين فرصة عمل، وتعزز قطاعي التجزئة وتكنولوجيا المعلومات، وتولد 100 مليار دولار دخل سنوي إضافي من خارج قطاعات النفط، وقد توفر 30 مليار دولار بعد 4 سنوات بموجب خطة الإصلاحات. فما هي أبرز مكوناتها وتأثراتها؟، وما هي ردة فعل السعوديين حولها؟.

إصلاحات تنموية واقتصادية واجتماعية
تشمل هذه الرؤية برامج تضم إصلاحات تنموية واقتصادية واجتماعية واسعة، وسيكون "برنامج التحول الوطني" أحد عناصر هذه الخطة. ووفقًا لرؤية المملكة 2030، فإن البيانات الأولية تتكلم أن صندوق الاستثمارات العامة سوف يكون، أو يسيطر على أكثر من 10% من القدرة الاستثمارية في الكرة الأرضية.

بهذا ستكون نقلة ضخمة جدًا في الاقتصاد المحلي والإقليمي، بينما سيقدر حجم ممتلكات الصندوق بأكثر من 3% من أصول موجودة حول العالم، ومن المرجح أن تتخطى المملكة هذا المقدار بمراحل.

هذا ما كشفه ولي ولي العهد، حيث شدد الأمير محمد بن سلمان على أن المملكة لا تتوقع نزول أسعار النفط عن 30 دولارًا للبرميل من جديد بفضل تحسن الطلب العالمي على الخام.&

وأضاف: "نستطيع أن نحقق هذه الرؤية حتى لو كان سعر النفط 30 دولارًا أو أقل. نعتقد أنه من شبه المستحيل أن سعر النفط يكسر أقل من 30 دولارًا بحكم الطلب العالمي". معتبرًا أن "الخطة تستطيع التعامل مع أي سعر للنفط"، سواء وصل إلى 30 أو 28 أو 70 دولارًا للبرميل، لكن الخطة وضعت على اعتبار بلوغ سعر النفط 30 دولارًا للبرميل.

لعل أهم ما تتضمنه الخطة لـ "الرؤية السعودية 2030"، هو اشتمالها على إصلاحات اقتصادية تقلل الاعتماد على إرادات النفط. أما أبرز نقاطها هو طرح أقل من 5% من أسهم شركة "أرامكو" النفطية الوطنية العملاقة للاكتتاب العام في السوق المحلية، والذي سيكون - بحسب الأمير محمد بن سلمان - "أكبر اكتتاب في تاريخ الكرة الأرضية"، مقدرًا قيمة الشركة بما بين تريليونين و2.5 تريليون دولار. هذا إضافة إلى تحويل صندوق الاستثمارات العامة إلى صندوق سيادي بأصول تقدر قيمتها بتريليوني دولار، ليصبح بذلك "أضخم" الصناديق السيادية عالميًا.

المملكة من دون نفط
وفقًا للخطة، فإنه يتوقع زيادة الإيرادات النفطية 6 أضعاف من 43.5 مليار دولار سنويًا إلى 267 مليارًا من خلال اقتطاعات ضخمة من الدعم الحكومي على منتجات الطاقة وغيرها وسلسلة إجراءات تنفيذية، ما سيحدّ من اعتماد الايرادات الحكومية بشكل رئيس على مداخيل النفط، ويقلل من تأثير تراجع أسعاره عالميًا على المالية العامة للبلاد.&

حيث أكد ولي ولي العهد السعودي في هذا السياق أنّ المملكة في سنة 2020 ستتمكن من العيش بدون نفط. كما من المتوقع أيضًا زيادة عدد الذين يؤدون سنويًا مناسك العمرة من 8 ملايين إلى 30 مليونًا بحلول سنة 2030 عن طريق استثمارات وحوافز، بعد إتمام أعمال تطوير البنى التحتية كمطار جدة الجديد ومطار الطائف، إضافة إلى تطوير البنى التحتية في مكة واستثمار أراض محيطة بالحرم المكي.

وبحسب المتابعين، فقد يؤدي نجاح تطبيق هذا البرنامج إلى تحسين تصنيف المملكة العربية السعودية، وجعلها من ضمن أفضل 15 اقتصادًا في العالم بدلًا من موقعها الراهن في المرتبة العشرين.. إضافة إلى رفع مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي من 3.8 % حاليًا الى 5.7 %، ورفع حصة الصادرات غير النفطية من 16% من الناتج المحلي حاليًا إلى 50% من الناتج.

تهدف الخطة إلى زيادة مشاركة النساء في سوق العمل من 22 % الى 30%، وخفض نسبة البطالة من 11.6% الى 7% فقط. إلى جانب إطلاق صناعة عسكرية سعودية، من خلال إنشاء شركة قابضة للصناعات العسكرية مملوكة 100% للحكومة، تطرح لاحقًا في السوق السعودية. هذا ناهيك عن مساهمتها في العمل على تعزيز مكافحة الفساد.

ولعل الأكثر إثارة للجدل والتساؤل هو إعلان الأمير محمد بن سلمان عن سعي الخطة إلى تطبيق نظام "البطاقة الخضراء" خلال 5 سنوات من أجل تحسين مناخ الاستثمار.

تجتاح تويتر
حظيت هذه الرؤية منذ إعلان الأمير محمد بن سلمان عن الاستعدادات لإطلاق برنامج التحول الوطني، باهتمام وسائل الإعلام المحلية والدولية، وكذلك كانت محط أنظار وأمل السعوديين، لا سيما أنها تركز على وضع إستراتيجية واضحة، تمكن المملكة من توفير الموارد المالية اللازمة للدولة، وتهيئ الأرضية والبنية التحية لعصر ما بعد النفط.

وقد ضجّت مواقع التواصل الاجتماعي بالتوقعات والتمنيات لما ستكون عليه الأوضاع في السنوات المقبلة. فبرزت أكثر من تغريدة على تويتر حول هذا الموضوع، وتعددت التعليقات بين من رفعوا من سقف توقعاتهم، وآخرين تمنوا أن تكون بداية لتغيير الأوضاع الاقتصادية في المملكة.

تجاوز عدد الانطباعات للمغردين في تويتر حول هاشتاغ #رؤية_السعودية_2030 الـ16 مليون مغرد، وكانت نسبة من استخدم موقع تويتر للتغريد حول "#رؤية_السعودية_2030" نحو 80% من المغرّدين. وفي تحليل، بحسب مانشرت قناة العربية، حول متابعي الهاشتاغ خلال اليومين الماضيين، وجدت أن عدد من وصل إليه، بشكل تقريبي وصل إلى 16.092.569 مغردًا.

الأمير محمد بن سلمان والمستقبل الواعد
وعقب إعلان موافقة مجلس الوزراء على "رؤية السعودية 2030"، شدد ولي ولي العهد، وزير الدفاع ورئيس المجلس الاقتصادي والتنمية الأمير محمد بن سلمان، خلال مؤتمر صحافي، على أن مستقبل المملكة، مبشر وواعد: "سنبذل أقصى جهودنا لنمنح معظم المسلمين في أنحاء العالم فرصة زيارة قبلتهم".

وقال: سنخفف الإجراءات البيروقراطية الطويلة، وسنوسع دائرة الخدمات الإلكترونية، وسنعتمد الشفافية والمحاسبة الفورية، حيث أنشئ مركز يقيس أداء الجهات الحكومية، ويساعد على مساءلتها عن أي تقصير. سنكون شفافين وصريحين عند الإخفاق والنجاح، وسنتقبل كل الآراء ونستمع إلى جميع الأفكار.

وشدد على أنه بدءًا من هذا اليوم، سنفتح بابًا واسعًا نحو المستقبل، ومن هذه الساعة سنبدأ العمل فورًا من أجل الغد… ما نطمح إليه ليس تعويض النقص في المداخيل فقط، أو المحافظة على المكتسبات والمنجزات، ولكن طموحنا أن نبنيَ وطناً أكثر ازدهارًا يجد فيه كل مواطن ما يتمناه، فمستقبل وطننا الذي نبنيه معًا لن نقبل إلا أن نجعله في مقدمة دول العالم، بالتعليم والتأهيل، بالفرص التي تتاح للجميع، والخدمات المتطورة، في التوظيف والرعاية الصحيّة والسكن والترفيه وغيره.

وأبدى بن سلمان إلتزامًا "بأن نكون من "رؤية المملكة العربية السعوديّة 2030" الفعّال لخدمة المواطنين، ومعًا سنكمل بناء بلادنا لتكون كما نتمناها جميعًا مزدهرةً قويةً تقوم على سواعد أبنائها وبناتها، وتستفيد من مقدراتها، من دون أن نرتهن إلى قيمة سلعة أو حراك أسواق خارجية".

تابع: في المرتكزات الثلاثة لرؤيتنا: العمق العربي والإسلامي، والقوة الاستثمارية، وأهمية الموقع الجغرافي الاستراتيجي؛ سنفتح مجالًا أرحب للقطاع الخاص ليكون شريكًا، بتسهيل أعماله، وتشجيعه، لينمو ويكون واحدًا من أكبر اقتصادات العالم، ويصبح محركًا لتوظيف المواطنين، ومصدرًا لتحقق الازدهار للوطن والرفاه للجميع. هذا الوعد يقوم على التعاون والشراكة في تحمل المسؤولية.

وختم بالقول: لقد سمينا هذه الرؤية بـ "رؤية المملكة العربية السعوديّة 2030"، لكننا لن ننتظر حتى ذلك الحين، بل سنبدأ فورًا في تنفيذ كل ما ألزمنا أنفسنا به.

الأكثر جرأة
توصف الخطة وفقًا للعديد من المتابعين والخبراء الإقتصاديين بأنها "ستكون الخطة التنموية الأكثر جرأة والأكثر شمولًا بتاريخ المملكة" بحسب وصف كبير الاقتصاديين في البنك الأهلي السعودي د.سعيد الشيخ، الذي توقع في تصريح لقناة "العربية" بأن تحدد الخطة "نسبة مستهدفة للنمو أو معدلًا محددًا لنصيب الفرد من الناتج الإجمالي في المستقبل".

وأوضح د.سعيد الشيخ أن هذه الأصول ستكون مرتكزًا في تحقيق مبلغ الـ 2.7 تريليون دولار، مشيرًا إلى وجود "45% من القيمة السوقية لسوق الأسهم السعودية، مملوك لصندوق الاستثمارات العامة، كما إن الحكومة تملك حصصًا مؤثرة في عدد من الشركات المدرجة، أبرزها الكهرباء السعودية، والاتصالات والبنك الأهلي وبنك الرياض وبنك سامبا".

ولفت إلى أن هناك جزءًا من هذا المبلغ (2.7 تريليون دولار) متوافر أساسًا في صندوق الاستثمارات العامة"، كما إن الدولة تملك أصولًا لم تحدد قيمتها بعد "مثل محطات تحلية المياه، وصوامع الغلال، وإذا خصصت الدولة المطارات، فسيكون الرقم كبيرًا، هذا بجانب ما ذكر عن تخصيص أجزاء من بعض القطاعات، مثل القطاع الصحي، وطرح نسبة 5% من شركة أرامكو، إضافة إلى احتياطيات الدولة من النقد، والتي تديرها مؤسسة النقد العربي السعودي (البنك المركزي)".

المطلوب تضافر الجهود
من جهته أكد الأمين العام لمجلس الضمان الصحي التعاوني الأستاذ محمد بن سليمان الحسين أن رؤية السعودية &2030 &تستهدف تحقيق التنمية المستدامة للوطن وتنمية الإنسان السعودي، وهي خارطة طريق طموحة، تستشرف ما يجب أن تكون عليه المملكة لمرحلة ما بعد النفط، لنقل الإقتصاد السعودي من إقتصاد مستهلك إلى إقتصاد منتج، يقوم على المعرفة والإنتاج المتنوع والإستثمار المتعدد.&

لافتاً إلى أن الإنسان السعودي حضر بقوة في رؤية المستقبل من خلال إستمرار الدولة في الإستثمار في الروؤس البشرية الوطنية عبر رفع مستوى التعليم لتتواءم مع متطلبات سوق العمل وتوسيع الشراكة مع القطاع الخاص وتحسين بيئته وجذب المزيد من الإستثمارات لتوفير فرص عمل جيدة.

أضاف الحسين "لتحقيق نجاح تطبيق هذه الرؤية المستقبلية فإنه يتطلب تضافر كل الجهود على الصعيد المؤسساتي وعلى صعيد الأفراد"، مؤكدًا كامل ثقته بأبناء هذا الوطن، الذين لم ولن يدخروا جهدًا وسيبذلون كل ما بوسعهم لتحقيق مصلحة ورفعة هذا البلد الغالي في ظل قيادته الحكيمه وتطلعاتها نحو رفاهية كل مواطن سعودي وكل مقيم فوق ثرى وطننا الغالي.

يجمع المتابعون على أن هذه الخطة ستكون بمثابة "جسر لنقل التقنية" والاستفادة من الميزات التنافسية للاقتصاد السعودي، الذي يتميز بنشاط قوي في قطاعي التجزئة وتكنولوجيا المعلومات، اللذين يحققان قفزات نمو قوية، وقادرين على توفير أكبر عدد من الوظائف الجديدة، فهي تحمل في طياتها العديد من البرامج الاقتصادية والاجتماعية لتجهيز المملكة، من أجل زيادة مداخيلها من غير النفط، وتقليص اعتمادها عليه، عبر أكبر هيكلة لصندوق الاستثمارات العامة، كما إن خصخصة أصول بقيمة 400 مليار دولار ستشكل أكبر فرصة للقطاع الخاص، وتحديدًا الشركات المؤهلة للاستفادة منها.
&