الحسكة: يشعر الطالب محمد الاحمد بحماسة كبيرة لتقدمه الى الامتحانات الرسمية في مدينة الحسكة في شمال شرق سوريا، بعد انقطاع عن المدرسة لاكثر من عامين فرضته سيطرة تنظيم الدولة الاسلامية على مدينته قبل طرده منها قبل اشهر عدة.
ويقول محمد (17 عاما) المتحدر من مدينة تل ابيض في ريف محافظة الرقة (شمال) لوكالة فرانس برس "لقد حولوا مدرستنا سجنا يستخدمه مسلحو تنظيم الدولة الاسلامية وحرمونا من التعليم" منذ العام 2014، تاريخ سيطرة التنظيم على المدينة.
ويضيف "قلبي كان يعتصر الما عندما امر قرب مدرستي من دون ان استطيع الدخول اليها، واستذكر طويلا رفاقي الذين فرقتهم الحرب... وبات كل منهم مع اسرته في بلد".
وبعد تمكنه من المشاركة في امتحانات الشهادة المتوسطة الرسمية هذا الاسبوع، يوضح محمد بحماسة "العودة الى التعليم اعادتني الى الحياة بعدما كنت قد يئست اثناء وجود مسلحي داعش، وبات هدفي متابعة تحصيلي العلمي". ويتابع "المستقبل كان مظلما بالنسبة الي، لكن ذلك تغير اليوم لان العلم وسيلة للعمل الناجح".
محمد هو واحد من اكثر من 650 طالبا يتحدرون من ريف الرقة الذي تحرر في الاونة الاخيرة من سيطرة تنظيم الدولة الاسلامية، ممن تقدموا لامتحانات الشهادة الرسمية المتوسطة في مدينة الحسكة بعدما انقطع بعضهم عن الذهاب الى المدرسة منذ العام الدراسي 2014.
وغالبا ما يحول التنظيم المدارس في المناطق الخاضعة لسيطرته الى ثكنات ومقار عسكرية، ويفرض على الطلاب دروسا دينية او الالتحاق بدورات تدريب عسكرية.
وقطع بعض الطلاب مسافة اكثر من مئتي كيلومتر للقدوم من مناطق عين عيسى وتل ابيض وسلوك في ريف الرقة الى مدينة الحسكة لتقديم الامتحانات.
وعملت مديرية التربية السورية بالتعاون مع منظمة الامم المتحدة للطفولة (يونيسيف) وبطريركية الروم الارثوذكس على تجهيز مقري اقامة للطلاب الذكور والاناث داخل مدرستين في المدينة، وتأمين نقلهم الى ثمانية مراكز امتحانات مخصصة لطلاب الرقة خلال ايام الامتحانات.
- العلم "في الخفاء"-
وتشير الامم المتحدة الى ان نحو مليوني طفل في سوريا لا يرتادون المدارس، جراء نزاع مستمر منذ اكثر من خمسة اعوام تسبب بمقتل اكثر من 270 الف شخص.
وتوضح مديرة التربية في محافظة الحسكة الهام صورخان لفرانس برس ان "كل مستلزمات نجاح سير الامتحانات تأمنت"، مؤكدة "حرص وزارة التربية في سوريا على عدم حرمان اي طالب من حقه في التعلم".
ويشرح الطالب محمد خير الحسين المتحدر من بلدة سلوك في ريف الرقة الشمالي "كنت طالبا في الصف السادس عندما دخل المسلحون الى بلدتنا واغلقوا المدارس"، مضيفا "والدي مدرس واستمر بتعليمنا في الخفاء اثناء وجود المسلحين".
ويقول المدرس تهامي حاج عبدالله المسؤول عن المجمع التربوي التابع للحكومة السورية في تل ابيض "عندما وصل (المسلحون) الى تل ابيض، طلبوا تخفيف ساعات التعليم والغاء بعض المواد التعليمية، ثم الغي التعليم نهائيا، وتحولت المدارس سجونا او مراكز دعوية او مقار للحسبة الاسلامية".
ويشير الى ان عناصر التنظيم "ضغطوا على زملائنا المدرسين واخضعوهم لدورات استتابة"، بعدما اجبروهم على توقيع تعهد بالامتناع عن التدريس وفق المنهاج السوري الرسمي.
ويضيف "كان لدى التنظيم مناهج خاصة به يدرسها في مراكز اسماها مدارس اسلامية ومراكز دعوية، لكن لم يدرس فيها الا افراد من عائلات المسلحين الاجانب" متابعا "كنا نشعر أننا غرباء".
ويروي الطالب ابراهيم خليل الهارون من مدينة تل ابيض "لم امسك ورقة او قلما منذ اربعة اعوام، لانني خفت ان تقطع يدي اذا امسكتهما بسبب منع التعليم" خصوصا بعدما "قتلوا عددا من المعلمين واعتقلوا اخرين، واحرقوا المقاعد.. كان التعليم بالنسبة اليهم خطا احمر".
- "يريدوننا جهلة"-
ومع خسارة النظام السوري سيطرته على مناطق عدة في سوريا، ظهرت مناهج تعليمية بديلة للمنهاج السوري الرسمي، لا سيما في شمال شرق البلاد، اذ فرضت الادارة الذاتية الكردية منذ مطلع السنة الدراسية الحالية، المنهاج الكردي الى جانب المنهاج العربي في مدارس محافظة الحسكة. كما تشرف المجالس المحلية التابعة للمعارضة السورية في مناطق اخرى على قطاع التعليم.
وفي مدينة حلب، ثاني كبرى المدن السورية، اضطرت المدارس في الاحياء الشرقية تحت سيطرة الفصائل المعارضة الى اقفال صفوفها لاسابيع جراء الغارات والقصف.
ودفع النزاع الدامي الذي تشهده سوريا منذ اذار/مارس 2011 منظمات الامم المتحدة الى التحذير مرارا من "ضياع جيل" باكمله بعدما شهد مستوى تعليم الاطفال السوريين التدهور "الاسوأ والاسرع في تاريخ المنطقة".
وتروي الطالبة اتحاد الحسّان (18 عاما) من تل ابيض انه كان يجب ان تتقدم لامتحانات الصف التاسع منذ عامين، لكن "وجود التنظيم واغلاق المدارس حال دون ذلك".
وتضيف "اجبرونا على التزام منازلنا، لانهم كان يريدون لنا ان نبقى جهلة وفرضوا علينا ان نغطي كل اجسادنا بالنقاب".
وتقول الطالبة الكردية نيرودة محمد التي تعيش في تل ابيض التي انتقلت اليها من الرقة "اتيت اليوم الى الحسكة لاكمل دراستي واحقق طموحي بالتعلم".
وتتابع بحماسة "اشتقت الى الدراسة (...) وانا واثقة ان الغد سيكون مثل معنى اسمي بالكردية، الشمس الجديدة التي ستشرق خيرا على بلدي".
التعليقات