مهما أنجز ديفيد كاميرون خلال السنوات الست التي قضاها في السلطة، إلا أن ذكره سيقترن أبدا بوصفه رئيس الوزراء الذي قاد بريطانيا إلى الخروج من الاتحاد الأوروبي. إنها سمة غريبة على زعيم سياسي تعهد مرة بوقف حزبه عن "التساؤل المستمر بشأن أوروبا"، كما إنها ليست الطريقة التي كان يرغب أن يغادر (مسرح) التاريخ فيها. لقد قاد كاميرون حزب المحافظين نحو 11 عاما، وأعادهم إلى السلطة بعد أكثر من عقد من الجدب السياسي. (ستانلي بالدوين، والليدي تاتشر والسير وينستون تشرشل هم فقط من قضوا فترة اطول في هذا الموقع في الأزمنة الحديثة). سأكون مصلحا اجتماعا جذريا كما كانت تاتشر مصلحة اقتصادية ديفيد كاميرون في آب/أغسطس 2008 عندما اندفع إلى مقدمة المشهد في عام 2005، بازا منافسين مشهورين في الوصول إلى قيادة الحزب، أراد كاميرون أن ينظر إليه بوصفه نوعا جديدا من السياسي المحافظ، الشاب، الليبرالي الذهن والمهتم بالشأن الاجتماعي، وفوق كل ذلك الحديث (في توجهه). ولن يكون ثمة مكان في حزب كاميرون المحافظ لمناقشات تسمم الاجواء بشأن الاتحاد الأوروبي كتلك التي وضعت الحزب على شفا التفكك تحت قيادة زعماء سابقين. وكان كاميرون، بوصفه براغماتيا بطريقته الخاصة، يزعم أنه يشك في الأيديولوجيا، قادرا دائما على تشذيب موقفه ليناسب الأزمنة المختلفة. وقد أهلته تلك المرونة للتحالف مع خصومه السياسيين، وبشكل خاص مع زعيم حزب الديمقراطيين الليبراليين نك كليغ، في أول تحالف حكومي منذ الحرب، كما تشارك لاحقا في الوقوف على منصات مع شخصيات عمالية خلال حملة الاستفتاء. بيد أن هذه الخاصية هي ما ولدت شكا، وعدوانية صريحة، في النهاية، بين زملائه من المحافظين الخالصين أيديولوجيا، الذين تساءلوا عما يدافع عنه، إن كان ثمة ما يدافع عنه. كما أصبحت خلفيته الثرية (وجاهته) مصدرا آخر للضغينة لدى البعض في حزبه، ممن يفضلون أن يكون قادتهم قد تعلموا في مدارس القواعد (مدارس حكومية للمتميزين)، ومن العصاميين الذين بنوا أنفسهم من أمثال تاتشر وميجور. وكان كاميرون أول زعيم محافظ منذ مطلع الستينيات درس في مدرسة إيتون، أحدى أغلى المدارس الخاصة في بريطانيا أجورا، ويمكن تتبع تحدر أسلافه الى وليم الرابع، ما يجعله قريبا عن بعد للملكة. ولم يخف كاميرون خلفية وجاهته قائلا إنه يتمنى أن يتمتع كل فرد في بريطانيا بالفوائد التي حظي بها في حياته. وقد وصف كاميرون نفسه في ديسمبر/كانون الاول 2005 قائلا "أنا رجل عملي وبراغماتي، أعرف أين أريد الوصول، ولكنني لا ألتزم ايديولوجيا بمنهج واحد محدد ". وقال أيضا في آب/أغسطس 2008، "سأكون مصلحا اجتماعا جذريا كما كانت تاتشر مصلحة اقتصادية". وقبل أن يلتحق بجامعة اوكسفورد لدراسة الفلسفة والسياسة والاقتصاد، أخذ كاميرون إجازة عام، عمل فيها أوليا في مكتب النائب المحافظ عن سيسكس تيم راثبون، قبل أن يقضي ثلاثة شهور في هونغ كونغ يعمل فيها وكيلا للنقل البحري، ثم عاد من هناك بالقطار عبر الاتحاد السوفياتي السابق وأوروبا الشرقية. وفي أوكسفورد، تجنب كاميرون الانخراط في العمل السياسي الطلابي لأنه بحسب أحد اصدقائه في هذه المرحلة ، ستيف راثبون، "أراد أن يقضي وقتا ممتعا". وقد كان يتهرب باستمرار من الإجابة عن سؤال: هل تعاطى المخدرات في الجامعة خلال تلك المرحلة، بيد أنه لم يترك أبدا انشطته (اللاصفية) الخارجية تؤثر على دراسته. ووصفه مرشده في أوكسفورد، البروفسور فيرنون بوغدانور بأنه "واحد من أبرع الطلبة " الذين درسهم، وأن افكاره السياسية كانت افكارا "محافظة معتدلة ومعقولة". وبعد حصوله على شهادته بامتياز، فكر لبرهة في العمل الصحافة أو القطاع المصرفي، قبل أن يرى إعلانا عن عمل في دائرة البحوث التابعة لحزب المحافظين. وتفيد تقارير أن مكتب إدارة حزب المحافظين تلقى اتصالا هاتفيا في صباح اليوم الذي أجرى فيه مقابلة التقدم للعمل في يونيو/حزيران 1988، من شخص لم يذكر اسمه من قصر بكنغهام، قال "فهمت أنكم تقابلون ديفيد كاميرون". وأضاف المتحدث "حاولت كل ما باستطاعتي لثنيه عن تضييع وقته في السياسة لكنني فشلت. أتصل بكم لأقول لكم إنكم ستقابلون شابا مميزا فعلا". وكباحث، بدا كاميرون مجتهدا ولامعا. وعمل مع من سيصبح في المستقبل وزير الداخلية في حكومة الظل، ديفيد ديفز، في فريق تقديم المعلومات لجون ميجور عن الأسئلة التي توجه لرئيس الوزراء في البرلمان، كما ترافق مع جورج اوزبورن، الذي سيصبح لاحقا وزير ماليته وأقرب حليف سياسي له. وقد اختاره لاحقا وزير المالية نورمان لامونت مستشارا سياسيا له، وكان إلى جانبه عندما حدث ما عرف بيوم الأربعاء الأسود، الذي انهار فيه سعر صرف الجنيه الاسترليني بسبب آليات معدلات الصيرفة الأوروبية. وبحلول مطلع التسعينيات، قرر كاميرون السعي لنيل منصب رئيس الوزراء بنفسه، لكنه كان عارفا أن من الضروري له أن يحصل على خبرة خارج السياسة ايضا. لذا انتقل إلى العمل في العلاقات العامة مع شركة كارلتون في تلفزيون (آي تي في)، بعد فترة قصيرة من العمل مستشارا لوزير الداخلية لاحقا مايكل هوارد. وفي عام 1996 تزوج كاميرون من سامنثا، ابنة السير ريجنالد شيفيلد، البارون الثامن، وكانت تعمل مديرة فنية في شركة القرطاسية الراقية، سميثسون، في بوند ستريت. وقدم عرّفته عليها شقيقته كلير، التي كانت صديقتها المقربة في حفلة في بيت عائلة كاميرون. وخلف الزوجان ثلاثة اطفال، هم نانسي وآرثر وفلورانس، التي ولدت بعد فترة قصيرة من انتقال العائلة إلى داوننغ ستريت. وعند دخوله البرلمان في عام 2001 ، تدرج كاميرون بسرعة بالرتب البرلمانية، وعمل في البداية في لجنة الشؤون الداخلية، التي اوصت بتخفيف القوانين بشأن المواد المخدرة. ولكن قلة منحته الفرصة في البداية عند دخوله في سباق التنافس لخلافة مايكل هوارد في زعامة الحزب في عام 2005 . وجاء تسلسله حينها رابعا بعد كين كلارك ووليام فوكس والمرشح المتقدم ديفيد ديفز. وفي موسم حملة الانتخابات العامة في 2010 ، لاحظ كاميرون أن العديد من الأصوات المؤيدة له قد تبخر إثر ارتفاع نجم زعيم الديمقراطيين الليبراليين نك كليغ، وهو رجل من خلفية مشابهة وله ذات السلوك الحسن والجذاب. وفي سن 43، بات كاميرون أصغر رئيس وزراء منذ روبرت بانكس جينكينسون، ايرل ليفربول الثاني في عام 1812، وكان أصغر بستة أشهر من توني بلير عند دخوله داوننغ ستريت في عام 1997.
- آخر تحديث :
التعليقات