تصاعدت التهديدات الكلامية والاعتداءات الجسدية بحق المسلمين والمهاجرين والأوروبيين في بريطانيا، بعدما دخلت البلاد في مرحلة غموض، تسببت بها نتائج استفتاء بريكسيت وترتيبات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
&
إيلاف من لندن: من يتجول في شوارع بريطانيا منذ هزة "البريكسيت" يوم 23 يونيو الماضي، يرى أنها ليست على ما يرام، فقد اختلط الخوف والقلق والإحساس بالرفض في شعور ظهرت ملامحه على وجوه الناس، خصوصًا المسلمين، وبعض الأوروبيين المقيمين في بريطانيا.

منذ أيام، نشرت إيفا لوبيز، وهي مدرّسة إسبانية مقيمة في مدينة مانشستر، على صفحتها في موقع فايسبوك: "ليس عيبًا أن أعيل عائلتي الفقيرة، ولا أخجل من الفقر، أنا أفتقد أمي بشدة، وودت لو لم أتركها، لكنني أتيت إلى بريطانيا، لأنني أعلم أن هناك من يحبني، أعانق من يكرهني".
&
بريكسيت واضطهاد المسلمين
شعور إيفا بالرفض تُرجم في حوادث كراهية عديدة ضد المهاجرين في بريطانيا، لم يسلم منها مسلموها، إذ خرجت منذ أيام تظاهرات أمام مسجد في مدينة برمنغهام رفعت فيها لافتة: "اللاجئون المغتصبون غير مرحّب بهم". وقالت فتاة مسلمة تدعى سلمى لـ"إيلاف": "أحدهم وصفني بالحشرة"، قائلًا "داعش يبحث عن جارية، لقد صوّتنا للمغادرة فارحلي". كانت هذه العبارات في الواقع الأقل وقاحة وبذاءة.

قد يتساءل سائل لماذا لم يتهيأ أمن بريطانيا للتصدي لحوادث كتلك قبل ما سماه بعض الصحافيين "الاستفتاء الانتحاري"، وكان اغتيال النائبة في حزب العمال جو كوكس مؤشرًا إلى ما قد يأتي.

ألم يضع رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون في الحسبان عواقب دعوته مواطنيه إلى قول رأيهم بشفافية في شأن عضوية بلادهم من الاتحاد الأوروبي؟، لماذا أصرّ على إقناع مواطنيه بما يراه ملائمًا في حملاتهم الأخيرة على الترهيب والتخويف من العواقب الاقتصادية، والعزلة السياسية في حال جاءت النتائج لمصلحة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وحين فشل في ذلك اختار إخفاء وجهه في الرمال، تاركًا البلاد وما اختارت يتضاربان؟.
&
ضعف حكمة سياسية غير معهودة
فراغ وقلة تدبير غير معهودين في السياسة البريطانية سمحا لبعض من رأوا في ذلك فرصة لوضع قوانينهم خارج مؤسسة كاميرون وخصمه، بإطلاق العنان لجرائم الكراهية ضد المسلمين ومهاجري أوروبا الشرقية، وخصوصًا الجالية البولندية، من خلال عبارات عنصرية كتبت في أماكن تواجدهم، ووزعت منشورات كتب فيها: "لا مزيد من الحشرات الطفيلية البولندية".

أعقبت ذلك إساءات لفظية وتعليقات سلبية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تشمل لغة معادية للأجانب، وتوزيع منشورات أخرى مناهضة للمهاجرين عامة، وصلت في بعض الحالات المحدودة جدًا إلى اعتداءات بدنية، أحصتها أجهزة الأمن بـ 331 بلاغًا منذ التصويت، مقارنة بمتوسط أسبوعي يبلغ 63 بلاغًا.

ذكرت رئيسة مجلس قادة الشرطة الوطنية سارة ثورنتون أن عدد جرائم الكراهية التي تم إبلاغ الشرطة عنها عبر موقعها على الإنترنت فاق الـ 500 هذا الأسبوع، ما دعا إسكوتلانديارد إلى فتح تحقيق عاجل، وإلى تكثيف النشاط الأمني لحماية المهاجرين، في حين عبّر رئيس الحكومة عن قلقه، وتعهد باستمرار التصدي لتلك الجرائم بصرامة، وفتح خط مباشر للشكاوى والبث فيها بشكل فوري.
&
تضليل وتطرف
من جانب آخر، يرى منتقدون أن عبارة "صوّتوا للخروج، واستعيدوا السيطرة على البلاد" ترجمها حرفيًا داعمو الحملة المؤيدة للانفصال، وأطلقت العنان لتأجيج كراهية الأجانب والعنصرية من قبل المتطرفين والمجرمين، لوقف الهجرة الخارجة عن السيطرة، التي يلقي بريطانيون كثيرون باللوم عليها في الضغوط على الوظائف والخدمات العامة.

يتساءل سائل: هل وافقت بريطانيا على الخروج من أوروبا من دون أن تكون لديها خطة عملية لحماية مواطنيها من أبناء المهاجرين والمقيمين على أرضها، أم إن الأمن الذي وعد به من دعا إلى الانفصال عن أوروبا كان حبرًا على ورق، وغاب إدراك ماذا يعني الخروج بشكل عملي، حيث لا يمكن أي طرف السماح باستمرار حالة الغموض، وبعض التجاوزات المخيفة التي أصبحت ترعب البريطانيين الأصليين قبل المهاجرين.
&
غموض سياسي
اليوم، انتهت المزايدة حول عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، لكن البلاد دخلت في غموض سياسي لا تحمد عقباه. فالحوادث التي أعقبت تصويت الأسبوع الماضي من تذبذبات اقتصادية وتخبطات سياسية أسقطت أوراق التوت عن العديد من السياسيين في البلاد، كان آخرها تراجع بطل حملة "الخروج" الشرس، عمدة لندن السابق والنائب المحافظ بوريس جونسون، عن الترشح لزعامة المحافظين ورئاسة الحكومة، في غموض آخر يضاف إلى حصيلة ذاك الغموض، الذي بدأ قبل أسابيع من التصويت التاريخي للمملكة. وعلى الرغم من حقيقة الديمقراطية الثابتة، التي تقول إن بريطانيا ستترك الاتحاد الأوروبي قريبًا، فإن أحدًا لا يعرف حاليًا كيف سيتم الخروج وما هي تبعاته.

هذا غموض ربما أعطى إشارة خاطئة إلى بعض الراديكاليين المتشددين البريطانيين المحليين للاعتداء على الأجانب وحتى على بعض البريطانيين من أبناء المهاجرين. وبالأمس، إعترفت فتاة سمراء لقناة أي تي في البريطانية بأنها تشعر بالخوف والغضب، عندما طردها مشغول من بلادها، فمنذ أيام تسلمت رسالة بريدية كتب فيها: "أنت سوداء، صوّتنا بالمغادرة فلماذا لم ترحلي؟". قالت: "هذه ليست لندن التي ولدت فيها، وأحسست فيها بالفرح والأمان، أنا خائفة وغاضبة".

ويبدو أن البعض اعتبر الهجوم على الأجانب والأقليات "موسمًا مفتوحًا"، كما ذكرت العضو البارز في حزب العمال هارييت هارمان، حين قالت إن تصرف الكثير من العنصريين المتطرفين ليس سوى نتاج الوضع القاتم الذي تعيشه البلاد هذه الأيام، وليس موسمًا مفتوحًا للهجوم على المهاجرين كما يراه المتشددون.
&
مسلمون ومتطرفون وبريكسيت
من جهة ثانية، من تابع أخبار "القناة الرابعة" البريطانية الخميس في حوارها مع بعض الناخبين البريطانين أدرك مدى الخطورة الناجمة من هذا الغموض وضعف برامج التوعية في حملات الاستفتاء من قبل السياسيين للمعنى الحقيقي للبقاء أو الخروج من أوروبا؛ إذ أكد أحد المارة في حواره للقناة، بأن سبب تصويته لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي متعلق بالمهاجرين والوطنية والإسلام. ثم قال: "صوّتُّ للخروج بسبب الهجرة، المسألة ليست متعلقة بالتجارة أو أوروبا أو شيء من هذا القبيل. كلها متعلقة بالهجرة". وتابع قائلًا: "بكل بساطة التصويت لوقف قدوم المسلمين إلى هذا البلد".
&