خريبكة: شكل المهرجان الوطني لفن "عبيدات الرما"، الذي اختتم فعاليات دورته الـ17 أمس (السبت)، فرصة للاحتفاء بـفن يتسم بالغنى والتنوع وإبداع حافظ على مكانته وسط تنافس فني وطني ودولي، على رأي محمد الأعرج، وزير الثقافة والاتصال، الذي أشاد، في افتتاح هذه التظاهرة بمدينة خريبكة، بالأهمية التي يحظى بها المورث الفني المغربي الذي قطع أشواطاً مهمة في تعزيز دور الثقافة كعنصر من العناصر الأساسية للمعادلة التنموية.
كما أكد الأعرج الحاجة لمضاعفة الجهود، ليس لفائدة مهرجان عبيدات الرما، فحسب، بل لمشاريع ثقافية أخرى تلبي مطالب مختلف فئات المجتمع وتساهم في تثبيت الخطى نحو النماء والازدهار.
وأبرز الوزير الأعرج أن المغرب يعيش اليوم مرحلة جديدة تقتضي تثمين هذه الفنون وإدراجها ضمن حلقات الصناعات الثقافية واقتصاد التراث، مع الحرص على صيانة الطابع التراثي لهذه التعابير بما يضمن الحفاظ على بصماتها الحضارية وحمولاتها العريقة، مشدداً على أن التعاطي مع الثقافة والتراث يقتضي أيضاً، ورود تخطيط عقلاني، ليس للإبداع الذي تعد فيه الحرية شرط وجود، ولكن لإضفاء التجانس على التدخلات الثقافية للأطراف المختلفة بالشكل الذي يوحد أهداف السياسة الثقافية الوطنية والمشروع التنموي الشامل للبلاد؛ داعياً إلى عدم إغفال جوانب البحث العلمي والاستقراء والتأليف والتدوين، مؤكداً أن البحث الأكاديمي في التعابير الفنية التراثية خاصة والثقافة الوطنية عموماً، هو الكفيل باستجلاء مضامين مختلف مكونات الثقافة الوطنية، وبناء ذلك التراكم الكمي الذي يفرز الحمولات النوعية المولدة للقيم.
وتضمن برنامج هذه التظاهرة، المنظمة، في دورة هذه السنة، تحت رعاية العاهل المغربي الملك محمد السادس بـمـدن خريبكة ووادي زم وأبي الجعد، فقرات متنوعة، توزعتها سهرات فنية بمشاركة نحو 40 مجـموعة من أجـود فـرق فـن عبـيدات الـرما، تمـثل مختلف مناطق المغرب، وتكريم شيوخ من رواد هذا الفن، ممن سخروا جهدهم وإبداعاتهم للحفاظ على هذه اللوحة الفنية الأصيلة، واعترافاً لهم بما قدموه لهذا الموروث الفني العريق، فضلاً عن نــدوة علمية تناولت "مكونات النسق الثقافي الوطني في تراث عبيدات الرما"، وكذا ورشات تكوينية في "تقنيات اللعب المسرحي في فن عبيدات الرما".
وتهدف هذه التظاهرة، التي تنظمها وزارة الثقافة بتنسيق وتعاون مع السلطات المحلية بالمدن التي تحتضنها، في سياق "الحفاظ على الشخصية المغربية" وضمن "منظور يعنى بالفنون الشعبية والموروث الشفهي"، إلى "إحياء فن عبيدات الرما والحفاظ عليه وحمايته وصيانته"، و"التعريف به وطنياً ودولياً وتقديمه بأساليب وأدوات معاصرة من صورة وصوت بغية تقريبه من الجمهور"، و"الاحتفاء بمشايخ عبيدات الرما وإشعار هؤلاء الشيوخ وفرق عبيدات الرما بأهمية ما يقدمونه حتى يستعيدوا الثقة اللازمة في هذا الفن"، و"جرد ما تبقى من هذا الفن وتتبعه علمياً بالإحصاء والتدوين والتوثيق وبما يتوفر من آليات وأدوات تقنية وعلمية، تتوزع بين الندوات الملتقيات والموائد الفكرية والورشات التطبيقية". يشار إلى أن فن عبيدات الرما، ظهر، حسب بعض الكتابات، في بعض المناطق الزراعية الخصبة، بوسط المغرب، كمناطق كورديغة والشاوية وتادلة والحوز، منذ عهود خلت؛ وجرت العادة أن يصنف هذا الفن المستوحى من طقوس الصيد، في خانة الفنون الفرجوية الشعبية التي عرفها المغرب، والتي مازالت مستمرة إلى الآن.
التعليقات