في إحدى أمسيات الصيف المميزة عام 1988، كان هناك تجمعاً لعدد من ضباط جهاز الاستخبارات البريطاني "إم آي 6" في حديقة تقع بشمال لندن للاحتفاء والحديث عن انسحاب روسيا المهين من أفغانستان، خاصة في ظل وجود توقعات آنذاك بقرب انهيار الاتحاد السوفيتي والنظام الشيوعي، وهو ما تحقق بعدها بسنوات قليلة.

وكان ضيف الشرف في ذلك التجمع أوليغ غورديفسكي، وهو من كبار ضباط الكي جي بي البارزين سابقاً، والذي يوصف بأنه أعظم انقلاب استخباراتي في بريطانيا إبان الحرب الباردة، وسبق له أن عمل سراً لصالح جهاز إم آي 6 على مدار سنوات طويلة.

كما سبق له أن زود الغرب بسيل متواصل من المعلومات الاستخباراتية الحساسة القيمة للغاية التي عادة ما كانت تصل في الأخير إلى مكاتب مارغريت تاتشر ورونالد ريغان.

ورغم سابق الحديث عن قصة أوليغ من قبل، بما في ذلك كتاب سيرته الذاتية "Next Stop Execution"، إلا أن الكاتب والصحافي بين ماسينتاير، المتخصص في تأليف كتب عن الجواسيس، سرد قصة أوليغ في إطار واقعي مثير.&

واستناداً على مقابلات أجراها بالساعات مع أوليغ نفسه، رؤسائه في إم آي 6 وضباط محنكين في جهاز الكي جي بي، استطاع ماسينتاير أن يعيد تقديم قصة أوليغ بشكل مميز في كتابه الجديد "الجاسوس والخائن: أعظم قصة تجسس إبان الحرب الباردة".

وكشف الكتاب عن تفاصيل جديدة تخص حياة أوليغ، منها أنه وبعد أن تمت ترقيته لتولي مسؤولية مركز الكي جي بي في لندن، تم استدعائه فجأة للسفر إلى موسكو، وحينها تم التأكد من مخاوف اكتشاف خيانته لبلاده حين خضع للاستجواب بشكل قاسي من جانب مسؤولي الكي جي بي، ورغم منحه عقار دوائي يحثه على الإفصاح عن الحقيقة، إلا أن أوليغ استطاع أن يتحايل لفترة طويلة بقدر كاف كي يتمكن في الأخير من تنبيه مسؤولي مركز إم آي 6 في العاصمة الروسية موسكو بشأن ورطته.

وبالفعل نجحت خطة كانت موضوعة، وتم التدرب عليها لفترة طويلة، في إخراج أوليغ عبر الحدود السوفيتية-الفنلندية تحت غطاء دبلوماسي، وهو ما ابتهجت له الأوساط السياسية والاستخباراتية في بريطانيا، وسرعان ما تم نقل خبر هروبه إلى مارغريت تاتشر، خاصة وأن هذه كانت أول مرة ينجح فيها إم آي 6 في تهريب عميل من روسيا.

وتأكيداً من جانبه على الأهمية التي كان يحظى بها أوليغ، أكد ماسينتاير من خلال سرده للأحداث والتفاصيل بكتابه أن أوليغ كان أكثر الأصول البشرية حيوية في الغرب خلال ثمانينات القرن الماضي. فضلا عن أنه كان محل تقدير من جانب تاتشر وريغان بسبب رؤاه النفسية على وجه الخصوص بشأن طريقة تفكير المسؤولين في الكريملن.

وفي المواجهة الجديدة التي يخوضها مع فلاديمير بوتن، ربما ما يزال أوليغ هدفاً لفرق اغتيال الرئيس الروسي، فقد ضحى بكل شيء، بما في ذلك أسرته، ويُنظَر إليه هناك على أنه خائن، أما من وجهة نظر ماسينتاير، فهو وكما وصفه بالكتاب فهو واحد من أشجع الناس الذين قابلهم في حياته، كما أنه واحد من أكثر من عانوا من الوحدة.

أعدت "إيلاف" المادة بتصرف عن مجلة "الايكونوميست" البريطانية، الرابط الأصلي أدناه
https://www.economist.com/books-and-arts/2018/09/22/a-gripping-tale-of-cold-war-espionage?frsc=dg%7Ce