لم يكن خطاب ميشال عون في ذكرى استقلال لبنان ملبيًا لطموح اللبنانيين المنتفضين منذ أكثر من شهر، بل زادهم خيبة، وأثار فيهم الرغبة إلى العودة القوية لإقفال الطرق وتزخيم ثورتهم.

إيلاف من بيروت: في رسالة بالذكرة 76 للاستقلال، قال رئيس الجمهورية اللبناني&ميشال عون إنه يتوجه إلي اللبنانيين مع علمه أنه ليس وقت الخطب والكلام والاحتفالات، "إنه وقت العمل، العمل الجدي الدؤوب، لأننا في سباق مع الزمن. فالتحديات كبيرة وخطيرة، وقد فاتنا الكثير من الوقت".

عودة إلى قطع الطرقات

لكن، كما كان شأن كلمته السابقة، ومقابلته التلفزيونية، لم تلقَ&هذه الكلمة أيضًا ردات فعل&إيجابية في الشارع اللبناني المنتفض، الذي ينتظر بفارغ الصبر كلامًا على تحديد موعد الاستشارات النيابية الملزمة، تمهيدًا لاختيار من يُكلف تشكيل الحكومة اللبنانية الحديدة، التي تريدها الثورة اللبنانية مستقلة، مؤلفة من اختصاصيين قادرين على معالجة الأزمات الاقتصادية التي ستودي بلبنان إلى الانهيار الاقتصادي – الاجتماعي الأكيد.

عاد الثوار اللبنانيون إلى قطع الطرقات احتجاجًا على كلمة عون المخيبة، خصوصًا في منطقة طرابلس التي بادر ثوارها فورًا إلى إعلان غضبهم من سلطة لا تستمع إليهم.

وتجمّع عدد كبير من الشبان من ثوار مستقلين ومواطنين على طريق القصر الجمهوري لمطالبة عون بتشكيل حكومة مستقلّين، وسط تواجد كثيف للجيش اللبناني ومخابراته. كما قطع المحتجون جسر الرينغ من الأشرفية باتجاه بيروت.

في الجنوب، نفذ حراك ساحة العلم في صور اعتصامًا شارك فيه العشرات من المحتجين حاملين الأعلام اللبنانية، ورددوا هتافات تدعو إلى "إعادة الأموال المنهوبة ومحاسبة الفاسدين وتشكيل حكومة تكون على قدر طموح الشعب اللبناني المنتفض". كما أكدوا استمرار الحراك حتى تحقيق المطالب التي ينادي بها المتظاهرون.

وتوالت التغريدات المحبطة من خطاب عون على تويتر. قال الناشط في الحراك اللبناني إبراهيم منيمنة مغردًا: سيادة الرئيس، ثوار ١٧ تشرين الذين انتفضوا ضد التحريض وخطاب الكراهية. لايمكن أن تتهمهم بتبني خطاب الكراهية!"

وغرّد الإعلامي أسعد بشارة: "سقطت سهوا من الخطاب أزمة الاحتباس الحراري"، في دلالة على أن الخطاب لم يلبّ تطلعات اللبنانيين الثائرين، والمطالبين بحكومة اختصاصيين مستقلة.

تقليدي بلا حلول

وصف موقع حزب الكتائب اللبنانية الخطاب الرئاسي بأنه "خطاب غاب عنه أي حديث جدّي عن الحكومة المقبلة لاسيما عن موعد الاستشارات النيابية وطغى عليه الكلام العادي العاطفي"، وبأنه "خطاب تقليدي لم يحمل جديدًا حكوميًا ولا يقدّم حلولًا".

وغرد الإعلامي سلمان العنداري: "مرة أخرى أصبنا&بخيبة أمل. كلمة ثالثة ورابعة لرئيس الجمهورية ولم يدعُ&فيها لاستشارات نيابية ملزمة، خيبة أمل بزعماء هذا البلد تؤكد اننا نسير على المسار الصحيح. الثورة مستمرة حتى تحقيق المطالب الواضحة: حكومة مستقلة/انقاذ الوضع الاقتصادي/محاسبة الفاسدين/انتخابات نيابية مبكرة".

أضاف في تغريدة أخرى: "لم نعد ننتظر شيئًا بعد هذه الخطابات الفضائية. لم يقنعنا أي خطاب من أي مسؤول. لم يسمعوا اصوات الناس. يصرون على الايحاء بأن الانتفاضة هذه ستكون مدخلا للااستقرار وللعنف وربما الحرب، ويتحدثون عن خطاب كراهية لكنهم نسوا عنصرية خطابهم وطائفيتهم وانعزالهم. الشعب اقوى اقوى بكثير".

وغرد الإعلامي فارس خشان: "فخامة الرئيس، أخطأت الهدف في كلمتك، فخطاب الكراهية مصدره بيوتكم ومقراتكم وقصوركم واعلامكم وأفواهكم، وليس الشارع الثوروي. في الشارع شتم لطبقتكم المهترئة وتسوياتكم المعيبة ومقاضاتكم النفوذ بالسيادة، ورفع غير مسبوق للواء الوطنية على ألوان الطوائف التي تاجرتم بها".

كذلك علق الإعلامي هشام حداد في تغريدة عبر حسابه الخاص بموقع "تويتر": "معروفة أنو الشعب مسؤول عن خطاب الكراهية أما الاحزاب وأمراء الحرب فلم ينشروا سوى الحب والحنان".

الشعب يطالب ولا يفاوض

أما الإعلامي علي حمادة فاعتبر أن عون في خطابه "يعيب على الشعب صرخته الاحتجاجية العالية النبرة وينعتها بخطاب الكراهية".

وغرد الناشط نوفل ضو عبر "تويتر": "عون يتحدث وكأن مطالب الناس لا تستهدفه او كأنه غير متهم بما هي متهمة به الطبقة السياسية أو كأنه هو الحل في حين أن الثورة تعتبره جزءًا أساسيًا من المشكلة".

ورد الناشط المدني وليد أبو فخر الدين مغردًا: "الشعب يطالب ولا يفاوض. المطلوب:

١- حكومة مستقلة انتقالية&

٢- انتخابات مبكرة&

٣- استقلالية القضاء&

٤- استعادة الأموال المنهوبة&

الاستشارات النيابية الملزمة يجب أن تحصل الآن".

وغرد الناشط نضال يزبك رادًا على خطاب عون: "ما الذي منعك في السنوات التي مضت بأن تقف سدًا لحماية القضاء؟ وأين قسمك عندما اقفلت طرقات القصر بوجه الشعب الذي تناشده بمعابر امنية؟ وأين قسمك عندما أحضر صهرك الأرعن شارعًا بوجه الشارع؟ تتكلم عن حماية الشعب؟ أين كنت عندما اشتاحت ميليشيا حليفك بيروت بالعصي في وجه الشعب؟".

وسم الاستقلال الحقيقي

وردًا على كلمة عون عن "الاستقلال الحقيقي"، أطلق الناشطون وسم #الاستقلال_الحقيقي، الذي شهد تغريدات كثيفة. في هذا الوسم، غرد أيوب سليم قائلًا: "الخروج من تحت عباءة ولاية الفقيه والإنضواء تحت العلم اللبناني هو الاستقلال الحقيقي".

وغرد رائد: "الاستقلال الحقيقي هو الحصول على حكومة اختصاصيين خالية&من الاحزاب الفاسدة&التي حكمت ٣٠ سنة".

وغرد "Lebanese Observer": سيدي الرئيس، بمناسبة عيد الاستقلال توقعنا منك في خطابك اليوم أن تعلن موعد الاستشارات النيابية لإطلاق عجلة حكومة الإنقاذ الفعلي ملاقاةً لمطالب الشعب الذي يرزح تحت نير الجوع".

وقال عباس فاضل: "قدي بنتقهر لما تشوف العدو الاسرائيلي يلي انتصرت علي ومرغت انفو بالتراب عم بحاكم رئيس الوزراء وببلدك يلي سارق ١١ مليار، ومنن تعويضات اهل الجنوب، بعدوا عم يسرح ويمرح!!"

إلا أن...

كان عون قال في رسالته: "كان من المفترض أن تكون قد ولدت الحكومة وباشرت عملها، إلا أن التناقضات التي تتحكم بالسياسة اللبنانية فرضت التأنّي لتلافي الأخطر، وأيضا للتوصل إلى حكومة تلبي ما أمكن من طموحاتكم، تكون على قدر كبير من الفعالية والانتاجية والانتظام، لأن التحديات التي تنتظرها ضخمة، والاستحقاقات داهمة"، معتبرا&أن الاستقلال هو القرار الوطني الحر والمستقل، غير الخاضع لأي شكل من أشكال الوصاية، صريحة كانت أو مقنّعة.

تابع عون: "الصفقات والتسويات التي تُعدّ لمنطقتنا، ومحاولات فرضها، تهدّد ليس فقط استقلال الدول المعنية بل أيضًا كيانها ووجودها، أن تأكيدنا على استقلال لبنان لا يعني خصومة مع أي دولة أو استعداءً لأحد، إنما نحن نسعى إلى صداقة صادقة والتعاطي بإيجابية مع من يصادقنا، ولكن انطلاقًا من قرارنا الحر وعلاقة الندّ للند، وقبول ما يلائم وطننا من مقترحات، ورفض ما يشكل ضررًا له. وإذا كانت السياسة فن الممكن، فهي أيضًا رفض اللامقبول، ليست التسويات الدولية وحدها ما يهدد استقرار الدول، ففي الداخل اللبناني خطر محدق يتهدّد مجتمعنا ومؤسساتنا واقتصادنا هو الفساد".

شعار استهلاكي

أشار عون إلى أن مكافحة الفساد أضحت شعارًا استهلاكيًا يُستحضر كلما دعت الحاجة، لا سيما من قبل الغارقين به، "لكن، عند أبسط إجراءات التنفيذ، تبدأ الخطوط الحمراء المذهبية والطائفية بالظهور"، مؤكدًا أن معركة مكافحة الفساد قاسية، لا بل من أقسى المعارك، ومكررًا نداءه إلى المتظاهرين للاطّلاع عن كثب على المطالب الفعلية لهم وسبل تنفيذها، لأن الحوار وحده هو الطريق الصحيح لحلّ الأزمات، مشيرًا إلى أن التحركات الشعبية التي حصلت مؤخّرًا "كسرت بعض المحرمات السابقة وأسقطت إلى حدّ ما، المحميات، ودفعت بالقضاء إلى التحرك، وحفّزت السلطة التشريعية على إعطاء الأولوية لعدد من اقتراحات القوانين الخاصة بمكافحة الفساد".

شدد عون على أن تسليط الضوء على مكامن الفساد عبر الإعلام وفي الساحات، صحيّ ومساعد، "وكذلك تقديم المعلومات والوثائق المتوافرة إلى القضاء، ولكن أن يتحول الإعلام والشارع والجدل السياسي إلى مدّعٍ، ومدّعٍ عام، وقاضٍ، وسجّان في آن، فهذا أكثر ما يسيء إلى مسيرة مكافحة الفساد. أن إطلاق الاتهامات العشوائية وإصدار الأحكام المبرمة، والتعميم، قد تجرّم بريئًا، ولكنها بالتأكيد تجهّل المرتكب الحقيقي وتسمح له بالإفلات، وأيضًا بمتابعة نشاطه في الفساد".

وقال: "نحن نعوّل اليوم على التعيينات القضائية الأخيرة من أجل تفعيل دور القضاء وتحصين استقلاليته للوصول إلى سلطة قضائية مستقلة وشجاعة ومنزهة، تكون السيف القاطع في معركة القضاء على الفساد".

سنة استقلال فعلي

أضاف عون:" لتكن السنة المقبلة سنة استقلال اقتصادي فعلي، من خلال دعم الزراعة والصناعة وتبنّي سياسات تحفيزية ليصبح إنتاجنا تنافسيًا في الأسواق الخارجية؛ وكذلك تخصيص كلّ الاهتمام بالقطاع التكنولوجي واقتصاد المعرفة الذي يمكن للبنان أن يكون منافسًا جديًّا فيه"، مطالبًا بجعل العام المقبل عام استقلال اقتصادي فعلي، من خلال بدء حفر أوّل بئر للنفط في البحر، ومن خلال إقرار قانون الصندوق السيادي الذي سوف يدير عائدات البترول على أن يلتزم أعلى معايير الشفافية العالمية.

تابع :"لنجعل من العام المقبل عام استقلال بيئي من خلال تحريج الجبال، وخصوصًا ما طالته الحرائق أخيرًا، ولنجعل من العام المقبل عام استقلال اجتماعي فعلي، بدءًا بإقرار قانون الحماية الشاملة المعروف بضمان الشيخوخة"، معبرًا أن الاستقلال الناجز يكون عبر تحرّرنا من نزاعاتنا الطائفية والمذهبية، والبدء بالخطوات اللازمة لإرساء الدولة المدنية.

وتوجه إلى الشباب، قائلًا:" أن تفلّت الخطاب في الشارع هو من أكبر الأخطار التي تتهدد الوطن والمجتمع، فلا تنسوا أنكم بعد انتهاء هذه الأزمة ستعودون إلى المنزل، إلى الحي، إلى المدرسة، إلى الجامعة، إلى العمل ستعودون للعيش معًا. لا تسترسلوا في خطاب الكراهية والتحريض لأن الهدم سهل، ولكنّ البناء شاق، ولا تهدموا أسس مجتمعنا الذي يقوم على احترام الآخر وعلى حرية المعتقد والرأي والتعبير".