باريس: وضع الزلزال الذي ضرب تركيا الإثنين وكانت له تبعات مدمّرة في سوريا المجاورة، العديد من المنظمات الإنسانية والدول الغربية تحت الضغط لتوفير المساعدة للشعب السوري المنتشر بين مناطق يسيطر عليها المسلّحون المعارضون، وأخرى تحت سيطرة نظام الرئيس بشار الأسد الخاضع للعقوبات.

وأسفر الزلزال الذي بلغت قوته 7,8 على مقياس ريشتر، إضافة الى الهزات الارتدادية المتعددة التي تلته، عن مقتل أكثر من خمسة آلاف شخص في تركيا وسوريا، بحسب أحدث تقارير رسمية صدرت الثلاثاء، في وقت يواصل عناصر الإنقاذ عمليات انتشال الجثث والبحث عن ناجين تحت الأنقاض.

وبدأ المجتمع الدولي منذ الإثنين، إرسال مساعدات وفرق إغاثة بشكل عاجل الى تركيا. ووعدت دول غربية عدة منها الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا، بتوفير مساعدة لسوريا، من دون أن تقدم حتى الآن على خطوات عملية بهذا الشأن.

وقال مسؤول برنامج سوريا في منظمة أطباء بلا حدود مارك شاكال إن البلاد "لا تزال منطقة غير واضحة من وجهة نظر قانونية ودبلوماسية"، مشددا على الحاجة الى إرسال المساعدات "في أسرع وقت".

وأبدى شاكال خشيته من أن تكون تبعات الزلزال أكبر من قدرة المنظمات الإنسانية المحلية والدولية الحاضرة في بلاد تشهد منذ 12 عاما نزاعا مدمّرا بين القوات الحكومية التي تلقى مساندة من حلفاء كروسيا وإيران، وأطراف معارضة لها تتوزع بين مشارب مختلفة تشمل الأكراد والجهاديين وغيرهم من المسلحين.

ورأى الأستاذ رافايل بيتي من منظمة "مهاد" الفرنسية غير الحكومية، أن إرسال المساعدة الى سوريا هو أكثر إلحاحا "لأن وضع السكان كان مأسويا" حتى قبل الزلزال.

وأبدى قلقه على وجه الخصوص بشأن محافظة إدلب في شمال غرب سوريا، آخر المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة، مقدّرا عدد المقيمين فيها بزهاء 4,8 ملايين نسمة.

ووفق الآلية المعتمدة بقرار من مجلس الأمن الدولي، تدخل الغالبية العظمى من المساعدات الإنسانية المخصصة للمناطق الخارجة عن سيطرة النظام، من تركيا عبر معبر باب الهوى الحدودي في إدلب. وسمح المجلس في 2014 بعبور المساعدات عبر أربع نقاط حدودية، لكنه ما لبث أن قلّصها الى واحدة بضغوط من موسكو وبكين، حليفتي دمشق.

ويبدي معنيّون بالعمل الاغاثي قلقهم من ازدحام معبر باب الهوى في حال كان المنفذ الوحيد، لكنهم يشككون في الوقت عينه في إمكانية إعادة تفعيل المعابر الحدودية الأخرى.

من جهتها، ناشدت الحكومة السورية الخاضعة لعقوبات منذ أعوام، المجتمع الدولي توفير مساعدات عاجلة، متعهدة بتوزيعها على السكان في مختلف أنحاء البلاد.

وناشدت وزارة الخارجية والمغتربين الإثنين "الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة والأمانة العامة للمنظمة ووكالاتها وصناديقها المختصة واللجنة الدولية للصليب الأحمر وغيرها من شركاء العمل الإنساني من منظمات دولية حكومية وغير حكومية لمدّ يد العون ودعم الجهود التي تبذلها الحكومة السورية في مواجهة كارثة الزلزال المدمر".

وقال السفير السوري لدى الأمم المتحدة بسام صباغ بعد لقائه الأمين العام للأمم المتحدة أنتونيو غوتيريش استعداد بلاده "للتنسيق لتقديم المساعدات الإنسانية لكل السوريين في كافة أرجاء البلاد" وللعمل "مع كل من يرغب بتقديم المساعدة للسوريين في جميع أرجاء سوريا".

وردا على سؤال بشأن فتح نقاط عبور جديدة لمواجهة تداعيات الزلزال، قال صباغ إن "الوصول من داخل سوريا متاح، لذا فإن من يرغب بمساعدة سوريا بإمكانه التنسيق مع الحكومة ونحن سنكون على استعداد للقيام بذلك".

وتعمل الأطراف الحكومية في باريس، كما في برلين، على إيجاد وسائل لإيصال المساعدات.

وقال مصدر حكومي ألماني إن "الأمر يتعلّق بتوفير المساعدة للمنكوبين بعد هذا الزلزال، ويجب على هذه المساعدات أن تصل بالطبع الى الناس بكل الوسائل الممكنة"، مشيرا الى أن ألمانيا ستعتمد على "القنوات المعتمدة" للمنظمات غير الحكومية.

من جهته، رأى رئيس معهد Prospective et Securite إيمانويل دوبوي أن فرنسا قد تكون أقل حضورا "مما كانت عليه في أزمات أخرى" نظرا لأنها ستكون محرجة بالتعامل مع نظام لا تعترف بشرعيته.

الا أن رافايل بيتي رجح أن يتم إيصال المساعدات كذلك الى المناطق التي تسيطر عليها الحكومة السورية "كما كان يحصل دائما منذ عشرة أعوام".

لكنه أبدى قلقه حيال أيصال المساعدات الى إدلب "التي تضم 2,8 مليوني مهجّر"، خصوصا وأن السلطات التركية منشغلة حاليا بتوفير المعونة لمواطنيها المنكوبين.