إيلاف من بيروت: بعد ساعات من هجوم حماس على الداخل الإسرائيلي، وخروج الأنباء عن مقتل عدد كبير من الإسرائيليين في عقر دارهم، عاد الحديث عن نبوء زوال إسرائيل بصفتها دولة اليهود، قبل انقضاء ثمانين عامًا على إقامتها.

ذكر بها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في عام 2017، وقبله رئيس الوزراء السابق إيهود باراك أيضًا، حين أعرب عن قلقه من زوال إسرائيل قبل الذكرى الثمانين لتأسيسها، أي قبل عام 2028.

وأتى الناطق باسم كتائب القسام، الجناح العسكري لحماس، والملقب بـ "أبو عبيدة"، ليصب الزيت على النار في كلمة مسجلة في 28 أكتوبر، حين قال إن "لعنة العقد الثامن ستحل عليهم (اليهود) وليرجعوا إلى توراتهم وتلمودهم ليقرؤوا ذلك جيداً ولينتظروا أوان ذلتهم بفارغ الصبر".

اللعنة!

لعنة العقد الثامن، أي لعنة مرور 80 عاماً على قيام إسرائيل، تستعيد انهيار مملكة إسرائيل التاريخية في عام 586 ق.م، بعد مرور 80 عامًا على قيامها. لذلك، يرى اليهود في هذه المدة الزمنية شؤمًا ووبالًا. وتقوم هذه اللعنة على فكرة أنه على مر التاريخ اليهودي، لم يحكم اليهود دولة أكثر من ثمانين عامًا، باستثناء ممالك داود وسلالة الحشمونائيين.

تشير القصص التاريخية إلى أن دولة إسرائيل، التي تدخل الآن عقدها الثامن، معرضة لمواجهة مصير مماثل للدول اليهودية السابتة، في فكرة مرتبطة بنمط الحكم اليهودي التاريخي والضعف المحسوس لإسرائيل بسبب الصراعات الداخلية والتحديات السكانية. وتعكس هذه الأسطورة المخاوف وعدم اليقين العميقين بشأن مستقبل إسرائيل، وكذلك النقاشات المستمرة حول هويتها وأمنها.

دعا رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، نفتالي بينيت، في عام 2021 إلى التركيز على عدم الانهيار من الداخل؛ "لأن أشد ما يواجه إسرائيل هو خطر التفكك داخلياً، وبالتالي الاندثار كما حصل بممالك اليهود السابقة". وبالتالي، يرى أغلب اليهود أن بذور الزوال موجودة داخل مجتمع اليهود نفسه، من حيث هو مجتمع منقسم بين شرق وغرب، وبين نزمت وعلمانية، إضافة إلى وجود عدد كبير من الإسرائيليين من غير اليهود، كعرب 1948 وغيرهم.

طوفان دانيال

بدأت نذور ما يقال إنها علامات "ساعة إسرائيل" بطوفان درنة بليبيا. يقول العلماء إن في نبوءة النبي دانيال كلام عن غرق غرب مصر في آخر الزمان. لذا، ثمة من سمى طوفان درنة بطوفان دانيال تذكيرًا بهذه النبوءة. وجاء في سفر دانيال (الاصحاح 2) أن في الحقبة الزمنية نفسها، ثمة مملكة قائمة لليهود تسمى إسرائيل، لها راية تحمل طلسم داوود، ولن تعمّر هذه المملكة أكثر من 76عامًا، وستكون أخر ممالك اليهود. فهل نكون على موعد مع تحقق نبوءة الزوال في 2024؟

إلى ذلك، يحمل الرقم 80 أهمية في التاريخ اليهودي. ففي العهد القديم، يرتبط الرقم 80 بحوادث مهمة.كان موسى في الثمانين من عمره عندما قاد بني إسرائيل خارج مصر. وشغل إيهود، المحارب الأيسر، منصب قاض إسرائيل 80 عامًا، ليحرر الشعب من ظلم المؤابيين. كذلك يدل هذا الرقم على الاستعداد والاختبار، فقد قضى موسى 40 عامًا في مصر و40 عامًا آخرى في مديان قبل أن يدعوه الله لينقذ بني إسرائيل من العبودية. ويُعتبر بلوغ سن الثمانين نعمة عند اليهود. أما مسكن موسى فقد استغرق بناؤه، كما هو موصوف في سفر الخروج، 80 يومًا.

الحجة الكبرى

يبدو أن نتنياهو يجد في مسألتي "حتمية الزوال" و"لعنة العقد الثامن" حجة لتشديد قصفه غزة، فيختبئ وراء نصوص العهد القديم كي يحث جنوده على الانخراط في حرب غزة. وقد استعان حاخامات الجيش الإسرائيلي بسفر صموئيل (الاصحاح 15 الآية 3) التي تقول: "الآن اذهب واضرب العماليق وحرموا أكل مالهم ولا تعفو عنهم، بل اقتلوا على السواء الرجل والمرأة، الطفل والرضيع، بقراً وغنماً، جملاً وحماراً"، في دعوة صريحة لإبادة سكان غزة، تمامًا كما أباد يوشع بن نون العماليق في التوراة. وذبك، يقنع نتنياهو نفسه والمجتمع الإسرائيلي والعالم بأن وجيشه ينفذان التعاليم التوراتية، لذا لا يمكن مساءلتهما.

وفي 25 أكتوبر، عمد نتنياهو إلى استغلال نصوص توراتية للظهور بمظهر المدافع عن اليهودية، إذ أشار إلى أنه يعمل على تحقيق نبوءة النبي إشعياء في أرض فلسطين. وقال أن الحرب تجري بين الشر المتمثل في حماس، والحرية والتقدم المتمثلين في إسرائيل، وهذا ما ساتدعى ردًا من مرصد الأزهر لمكافحة التطرف، ببيان أكد فيه زيف هذه الادعاءات، خصوصًا أن لمصر خصة الأسد في نبوءة إشعياء التي ورد فيها كلام عن خراب مصر وجفاف نيلها (إشعياء، الإصحاح 19): "وَحْيٌ مِنْ جِهَةِ مِصْرَ: هُوَذَا الرَّبُّ رَاكِبٌ عَلَى سَحَابَةٍ سَرِيعَةٍ وَقَادِمٌ إِلَى مِصْرَ، فَتَرْتَجِفُ أَوْثَانُ مِصْرَ مِنْ وَجْهِهِ، وَيَذُوبُ قَلْبُ مِصْرَ دَاخِلَهَا. وَأُهَيِّجُ مِصْرِيِّينَ عَلَى مِصْرِيِّينَ، فَيُحَارِبُونَ كُلُّ وَاحِدٍ أَخَاهُ وَكُلُّ وَاحِدٍ صَاحِبَهُ: مَدِينَةً مَدِينَةً، وَمَمْلَكَةً مَمْلَكَةً. وَتُهْرَاقُ رُوحُ مِصْرَ دَاخِلَهَا، وَأُفْنِي مَشُورَتَهَا، فَيَسْأَلُونَ الأَوْثَانَ وَالْعَازِفِينَ وَأَصْحَابَ التَّوَابعِ وَالْعَرَّافِينَ. وَأُغْلِقُ عَلَى الْمِصْرِيِّينَ فِي يَدِ مَوْلًى قَاسٍ، فَيَتَسَلَّطُ عَلَيْهِمْ مَلِكٌ عَزِيزٌ، يَقُولُ السَّيِّدُ رَبُّ الْجُنُودِ. وَتُنَشَّفُ الْمِيَاهُ مِنَ الْبَحْرِ، وَيَجِفُّ النَّهْرُ وَيَيْبَسُ". وفذ ذلك تحذير من أن نتنياهو لم يقصد غزة فقط بكلامه، إنما استعاد نغمة "من الفرات إلى النيل أرضك يا إسرائيل"، وما يعني ذلك من خراب يطال مصر والشام والعراق.