إيلاف من القدس: تواجه إسرائيل ضغوطًا دولية متزايدة بسبب حرب غزة. وتبدي الولايات المتحدة قلقها وانزعاجها من ارتفاع أعداد القتلى المدنيين جراء استهداف منشآت حيوية مثل المستشفيات والمدارس، بينما تنفي إسرائيل استهداف المدنيين.
في هذا السياق، يستعرض لـ"إيلاف" ضباط شاركوا في المعارك الأسباب غير المتعمدة لسقوط ضحايا في صفوف المدنيين.

ضغط أميركي ودولي
وتجد القيادة الإسرائيلية نفسها مرغمة على تقديم تفسيرات للأميركيين على كافة المستويات. ويعتبر وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت أن بلاده تواجه "ضغطًا كبيرًا"، لافتاً إلى أن الوقت بدأ ينفذ، مؤكداً أهمية إتمام مهمة إنهاء حكم حماس في غزة.

واستعرض وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن مع الجانب الإسرائيلي تفاصيل المعركة.
ونقل مشاركون في لقاءاته الأخيرة في تل أبيب عن أوستن أنه ناقش مع الإسرائيليين حيثيات المعارك وما يمكن فعله خلال الأسابيع المقبلة، مع الاستمرار في مد إسرائيل بالأسلحة والقذائف والذخائر بما يضمن استمرار الحرب الدقيقة والانتقائية ضد حماس في غزة.

موجّهة أم غبية؟
ورغم نفي إسرائيل استهداف المدنيين، تستمر الانتقادات الأميركية ضدها جراء استخدامها قذائف "عمياء" في عملياتها العسكرية. وقد أعلن الجانب الأميركي أن أكثر من سبعين بالمائة من القصف على غزة تم بقذائف عمياء أو ما يسمى عسكريا بـ"القذائف والصواريخ الغبية"، وهو ما استنكرته إسرائيل أثناء لقائها مع وزير الدفاع الأميركي.

ملابسات مقتل مدنيين
في سياق متصل، تحدث قائد كبير في سلاح الجو الإسرائيلي عن ملابسات الحرب ومشاركة سلاح الجو فيها والمهام المسندة اليه، نافيًا استخدام قذائف "غبية" ومؤكدًا استخدام اسرائيل لوسائل التوجيه المتقدمة في حرب غزة.

وبين ضابط في سلاح الجو الإسرائيلي لـ"إيلاف" أن السابع من اكتوبر (تشرين الأول) لم يغيّر في طريقة العمل لكن كان له أثر غير مسبوق من حيث العدد والانتشار على سير المعركة وعلى متخذي القرار وتفاصيل القتال وتحديد الأهداف.
وأكد أن طياري سلاح الجو الإسرائيلي لا يقصفون المدنيين، وأنهم يتخذون كافة الاحتياطات قبل القصف لتجنب وقوع ضحايا في صفوف المدنيين، لافتًا إلى أن التكنولوجيا المتقدمة التي يملكها سلاح الجو الإسرائيلي مثل الليزر و الـ GPS وغيرها من التقنيات المتقدمة، تتيح تحديد الأهداف بدقة.

وقال الضابط لـ"إيلاف" إن سلاح الجو يلغي مهمة عسكرية أحيانًا بسبب وجود أطفال أو مدنيين قرب الهدف، مؤكدًا أنه هو بنفسه فعل ذلك أكثر من مرة.
ولفت إلى أن الأخطاء غير المقصودة التي تقع وتكون نتائجها مأساوية ناجمة عن انفجار صواريخ لا يكون الجيش الاسرائيلي على علم بوجودها في الأماكن المستهدفة، فتنتشر الشظايا في الحي ما يسفر عن مقتل من لا دخل لهم من المدنيين. واستعرض الضابط صورًا جوية لأحداثٍ مماثلة.

القانون الدولي والحرب
في سياق متصل، قال الضابط وهو محام مختص في القانون الدولي، إن المستشارين القانونيين في الادعاء العسكري يقومون دائمًا بمحاضرات ويشرحون للضباط وأصحاب القرار في الجيش الإسرائيلي ما هو مسموح من ناحية القانون الدولي الإنساني في الحرب، ويحاولون منح الضباط كل الصورة حول الأمر.
وأشار المتحدث إلى أن كل العمليات تمرّ باستشارة قانونية، ويراجع الحقوقيون في الجيش قائمة الأهداف ويسجلون الملاحظات القانونية وبعدها يكون القرار للضابط في الميدان او الطيار في اف 15 او 16 او 35 او الطيارين الذين يشغلون الطائرات المسيّرة عن بعد.

أرواح المدنيين برقبة حماس
واستصعب المستشار القانوني الرد على سؤال لـ"ايلاف" عن أعداد القتلى المدنيين والدمار الهائل في غزة.
ميدانيًا، فسر أن الجيش الإسرائيلي يواجه تعقيدات بينها أن قطاع غزة من أكثر المناطق اكتظاظًا بالسكان.
أضاف أن حماس فخخت غالبية البيوت والأحياء وحفرت الانفاق ووزعت الصواريخ والمعدات داخل بيوت المواطنين الفلسطينيين المناصرين لها، وكذلك غير المؤيدين، ومن دون علمهم.
أضاف أن حماس تنصب منصات لإطلاق الصواريخ قرب مستشفيات ومدارس وعيادات ومؤسسات دولية أو في أحياء مكتظة، علمًا من حماس أن اسرائيل لن تقصف مناطق مأهولة. وقال الضابط لـ"إيلاف" إنه امتنع أكثر مرة عن قصف عناصر لحماس بسبب تواجدهم بالقرب من سكان لا دخل لهم بالحرب.

حاليًا، يشكل ارتفاع أعداد القتلى المدنيين ضغطًا على إسرائيل لوقف حربها في غزة او لاستبدال العمليات العسكرية الحالية بأخرى أقل خطورة على حياة المدنيين، مع ان الانطباع السائد ان مناظر عملية حماس في السابع من أكتوبر الماضي غيّرت بعض الشيء من اتخاذ قرار القصف والضغط على الزر في الطائرة او على جهاز الحاسوب للمسيرات.

مسيّرات قاتلة بيد نساء ورجال
وتقول ضابطة طيارة تشغل مسيرة عملاقة إن الامر ليس سهلاً ان تكون هنا في الموقع أمام الشاشات، وتشغل المسيرة هذه وتنطلق من الموقع، اذ تبدأ صباحا بإطلاق المسيرة الكهربائية التي تم شحنها وتزويدها بما يلزم وإطلاقها عشرات وفي احيان مئات الاميال باتجاه الهدف. تضيف "أشعر وكأنني في غزة، وأشاهد كل ما يحدث، وأتواصل مع القوات على الأرض، وأحدد الأهداف، وأواصل تقديم المعلومة للقوات، وأحيانا أشغل الزر لضرب عنصر أو أكثر ممن يشكلون خطراً على قواتنا، أو استهدف نقاطا استراتيجية مثل مدخل نفق شيدته حماس أو بيت مفخخ، وذلك لفتح الطريق أمام قوات الجيش كي تتقدم وتستكمل مهمتها.
يثني ضابط آخر زميل لها على ما تقول، ويضيف "لا يمكن الفصل بين كوننا يهود وديمقراطيين نعيش بدولة ديمقراطية.
ونحن ابناء هذا المجتمع وايضًا نعمل طيارين نشغل مسيرات في الحرب، ولا يمكن نسيان ان لنا أقارب وإخوة وأصدقاء سقطوا في السابع من أكتوبر او اختطفوا. تقاطعه الضابطة مستدركة: "نحن لا نعمل من منطلق الانتقام ونفصل هذا الشعور عن عملنا".
وتقول إنها توقفت عن قصف ثلاثة عناصر من حماس حملوا صواريخ آر بي حي لأنهم اقتربوا من مدرسة للأونروا مكتظة بالنازحين في خان يونس.
وتضيف أن مهمتها تحديد الاهداف والانتباه لعدم وجود مدنيين لحظة قصف أي هدف، إلا ان الوضع على الارض في غزة معقد جدا.
وبالرغم من أنها تتابع تفاصيل ما يحدث بعد اتمام مهمتها، تقول الضابطة لـ"إيلاف" إن "ما نشاهده ونسمعه في وسائل الإعلام غير دقيق، وفي أغلب الأحيان لا يمت للواقع بصلة"، وهذا ما يزعجها هي وزميلها الطيار.

سلاح الجو يبقى الأهم
في التفاصيل الميدانية، تشارك الطائرات الحربية الإسرائيلية والمسيرات والمروحيات بشكل فعال في الحرب، ولو بوتيرة اقل من السابق.
وحسب ضابط سلاح الجو الذي تحدث لـ"إيلاف" ان الأمر نابع من تواجد قوات عسكرية اسرائيلية على الارض ومع كل التقنيات والتنسيق غير المسبوق بين كل القوات العاملة إلا ان اخطاء حدثت خلال الحرب ومروحيات ومسيرات قصفت بالخطأ قوات اسرائيلية وادّت إلى مقتل نحو ثلاثين جنديا من بين اكثر من 130 قتيلاً منذ بداية المعركة البرية.

دعم الولايات المتحدة
وتدعم الولايات المتحدة قرار إسرائيل بضرورة القضاء على حكم حماس في غزة، وضرب البنية التحتية والعسكرية للحركة، إلا انها لا تستسيغ القصف العشوائي أو ما وصفته بالصواريخ الغبية، وتحث إسرائيل على الانتقال السريع إلى حرب دقيقة ومحددة، اي حرب عصابات مقابل عصابات.
في هذا السياق، اقترح وزير الدفاع الاميركي على نظيره الإسرائيلي إرسال خبراء في حرب العصابات لتدريب الجيش الإسرائيلي على مثل هذه الحرب لمعالجة الأنفاق وتفادي قتل الجنود بشكل كبير نسبيا كما يحدث في غزة.
واشار من كان في الاجتماع إلى أن ضابطا كبيرا في الكوماندوز الإسرائيلي شرح للوزير الأميركي تجربة اسرائيل مع هذا النوع من الحروب واكد انهم بحاجة إلى شهر إضافي كي يتمكنوا من الدخول في حرب دقيقة وانتقاء الأهداف والعناصر واصطيادهم او استدراجهم للمصائد القاتلة.

بجميع الأحوال، تستمر حرب غزة ومعها تستمر إسرائيل بالتدمير الممنهج للقطاع في كل المناطق دون استثناء. فمن يريد الوصول للاتفاق واصطياد يحيى السنوار والقادة الذين برفقته يجب ان يدمر ما فوق الارض اولا كي يصل إلى ما تحتها دون حساب، لا لدى اسرائيل ولا لدى قيادات حماس، لحجم المعاناة الانسانية في قطاع غزة الذي يضم نحو مليونين ومائتي الف مواطنة ومواطن غالبيتهم من الأطفال دون سن الثامنة عشرة.