إيلاف من باريس: منذ إلقاء القبض عليه في فرنسا، أصبح الرئيس التنفيذي لشركة تلغرام، بافيل دوروف، رمزا للنقاش حول ما إذا كان ينبغي السماح للمنصات التقنية بوضع الخصوصية الفردية فوق السلامة الجماعية للدول، وهل يجب أن تتدخل الحكومات لمعرفة كافة أسرار المنصات؟

لكن لو كان الأمر متروكا للسلطات الفرنسية، فإن شقيق بافيل الأكبر نيكولاي سوف ينتمي إلى قائمة المطلوبين أيضًا.

نيكولاي، الذي لم يستجب لطلب مجلة"بوليتيكو" للتعليق على هذه القصة، يلعب منذ فترة طويلة دورا حيويا في تلغرام، منصة التواصل الاجتماعي والرسائل المشفرة التي أسسها شقيقه الأصغر.

وقد تم تصنيفه على أنه العقل الحقيقي لتطبيق تلغرام، حتى بالنسبة للبعض هو الرجل صاحب المكانة المرموقة، والذي يقف وراء نقطة البيع الرئيسية للتطبيق لمستخدميه البالغ عددهم حوالي مليار مستخدم، وهذه النقطة الجاذبة في التطبيق هي الخصوصية من أعين المتطفلين، بما في ذلك أعين الحكومات.

بافيل العضلات ونيكولاي المخ
في حين كان بافيل هو الوجه العضلي الذي يتنقل بين الطائرات للعمليات، وهو أمير التكنولوجيا الروسي الذي يغازل الأضواء، كان نيكولاي هو دعامته التقنية.

كان نيكولاي هو من وضع بروتوكول MTProto الذي جذب العديد من المستخدمين بوعده بالأمن - بما في ذلك أولئك الذين لديهم نوايا شريرة - وأصبح صداعا للسلطات الفرنسية.

بافيل: أخي عبقري
وقال بافيل في مقابلة مع الخبير اليميني تاكر كارلسون: "لقد تمكن أخي، كونه عبقريا، من إنشاء معيار التشفير الذي نستخدمه حتى يومنا هذا مع تغييرات طفيفة. إنه خبير في التشفير، وقد صمم المبادئ الأساسية لتشفير تلغرام".

هل تعتلقه فرنسا
وفي ما يبدو دليلاً على دور نيكولاي في الشركة، أصدرت السلطات الفرنسية مذكرة اعتقال بحقه، حسبما أفاد موقع بوليتيكو الأسبوع الماضي. ولكن القبض على نيكولاي قد يكون أصعب من القبض على شقيقه، الذي اعتقل في 24 آب (أغسطس) لدى وصوله إلى باريس على متن طائرته الخاصة .

ورغم فرار بافل من روسيا في عام 2014، أفادت بعض وسائل الإعلام الروسية بأن نيكولاي لا يزال داخل البلاد، رغم أن بوليتيكو لم تتمكن من تأكيد هذه التقارير بشكل مستقل. كما ورد أن نيكولاي يحمل جواز سفر من سانت كيتس ونيفيس - مثل شقيقه - بالإضافة إلى الجنسية اللاتفية.

الشاب المعجزة
إن أغلب ما نعرفه عن نيكولاي يأتي إما من أخيه الأصغر، أو من زملائه السابقين، أو من مقالات الصحف الشعبية المشكوك في مصداقيتها. وإذا جمعنا هذه المعلومات معاً فإنها ترسم صورة لعبقري رياضيات غريب الأطوار لا يبالي بالحياة المادية، ويتمتع بهالة المثقفين السوفييت.

وبحسب السيرة الذاتية للأخوين التي كتبها الصحفي الروسي نيكولاي كونونوف، فإن نيكولاي دوروف كان يقرأ الكتب عن علم الفلك عندما كان في الثالثة من عمره - ويفهمها.

وقال بافيل دوروف، الذي لا يفوت فرصة أبدًا للإشادة بشقيقه، في مقابلته مع كارلسون: "لقد ظهر على الهواء مباشرة على شاشة التلفزيون الإيطالي كطفل معجزة صغير يمكنه حل المعادلات التكعيبية في الوقت الحقيقي، وهو في العاشرة من عمره فقط".

المركز الأول عالمياً في البرمجة
في المدرسة، فاز نيكولاي بالعديد من مسابقات الرياضيات الدولية. ثم أصبح العقل المدبر في نادي النخبة من العباقرة في جامعة سانت بطرسبرغ، وساعد الفريق في الحصول على المركز الأول في بطولة العالم في البرمجة التنافسية.

ويقال أيضًا أنه ألهم بافيل، الذي يصغره بأربع سنوات، للدخول في مجال برمجة الكمبيوتر .

وعندما أطلق بافيل موقع فكونتاكتي، وهو المعادل الروسي لفيسبوك، في عام 2006، ورد أن نيكولاي دعمه بالمشورة من بون في ألمانيا، حيث كان يدرس في ذلك الوقت.

مع النجاح الهائل الذي حققه موقع فكونتاكتي، عاد نيكولاي إلى روسيا للعمل إلى جانب شقيقه كمسؤول فني رئيسي، جالباً معه ذكائه الخاص، ولكن الأهم من ذلك أنه قام بتجنيد أصدقاء شبابه الموهوبين.

في السنوات الأخيرة، ورد أن دوروف الأب عمل على تطبيق تلغرام بينما كان يدرس الرياضيات في معهد ستيكلوف للرياضيات، وهو جزء من الأكاديمية الروسية للعلوم. يدرج المعهد نيكولاي كعضو في هيئة التدريس على موقعه على الإنترنت ، على الرغم من حذف صفحة ملف تعريف منفصلة باسمه على موقع الأكاديمية الروسية للعلوم بعد أنباء أمر الاعتقال باسمه.

نزعة ليبرالية مثل إيلون ماسك
كان كل من بافيل ونيكولاي دوروف يمثلان شخصية رجلين منعزلين منفصلين عن الحياة العادية ــ مثل تلك التي استمتعا بها عندما كانا طفلين في سانت بطرسبرغ ــ مدفوعين بنزعة ليبرالية شبيهة بنزعة إيلون ماسك.

"تم تأسيس تلغرام من قبل الليبرتاريين للحفاظ على حرية العالم من خلال التشفير،" كما جاء في ورقة بيضاء لـ TON، وهي منصة blockchain ورمز العملة المشفرة التي طورها نيكولاي.

لكن في كثير من النواحي، نيكولاي هو النقيض لأخيه.

غرائب محاطة بالخصوصية
في حين أن غرائب ​​بافيل أكثر علنية، حيث يتفاخر بأطفاله البيولوجيين المائة أو يتباهى بصدره المنحوت على وسائل التواصل الاجتماعي، فإن غرائب ​​نيكولاي أكثر خصوصية. على موقع فكونتاكتي، حيث نشر آخر مرة في عام 2018، يختبئ خلف صورة رمزية بالأبيض والأسود لنستور ماخنو، الفوضوي والثوري الأوكراني.

الصور القليلة المتاحة للعامة له تظهر رجلاً أصلعًا، ممتلئ الجسم، يرتدي نظارة وبنطالًا غير مناسب.

إن الروايات التي يرويها من يعرفون نيكولاي تصفه بأنه شخص ذكي للغاية. ولكن وفقاً لأحد أصدقائه المنفصلين عنه، فإنه يتسم أيضاً بعادات غريبة غير عادية.

وقد وصف أنطون روزنبرج، مهندس البرمجيات السابق في تلغرام والصديق القديم لنيكولاي الذي اختلف معه بسبب اهتمام مشترك بالحب، عبقري البرمجة بأنه "طفل كبير، منفصل تمامًا عن الحياة الواقعية".

في منشور مفصل على مدونته في عام 2017، حظي بتغطية واسعة في وسائل الإعلام الروسية باعتباره وجهة نظر داخلية نادرة عن عائلة دوروف، كتب أن نيكولاي كان يُلقب بـ "كوت"، وهي كلمة روسية تعني القط، وكان ينفجر في مواء دوري، مما يشجع من حوله على الانضمام إليه.

وبينما كان نيكولاي يجتاح عالم التكنولوجيا ببرمجياته، كانت والدته، التي كان يناديها بحب "القطة الكبيرة"، تعتني "بكل خطوة تقريبًا" من حياته اليومية.

قد يُنظر بسهولة إلى مثل هذه القصص باعتبارها حقداً من صديق مُهان تحول إلى عدو، لكن مقالاً نشر مؤخراً في صحيفة كومسومولسكايا برافدا الشعبية نقل عن جيران العائلة قولهم إن اعتماد نيكولاي على والدته أثار الدهشة.

ولكن جريجوري باكونوف، الذي التقى نيكولاي عدة مرات عندما كان هو نفسه أحد كبار المتخصصين في محرك البحث الروسي ياندكس، رفض هذا الرأي. ووصف نيكولاي بأنه "رجل اتصالات جيد".

تكوين وشخصية عبقرية
وقال باكونوف "لا أستطيع أن أقول إنه غير مجهز للحياة الطبيعية"، وأضاف باكونوف إن نيكولاي كان صريحا وغالبا ما كان يقدم حلولاً غير متوقعة للمشاكل التقنية.

وقال باكونوف لصحيفة بوليتيكو: "إنه يتمتع بتكوين عبقري، وهو في مجمله مختلف عن الأشخاص العاديين. إنهم أشخاص يركزون بشكل مفرط على عملهم".

بافل دعائي ونيكولاي عملي عبقري
على الصعيد المهني، يبدو أن بافل ونيكولاي دوروف يكملان بعضهما البعض بشكل جيد. ويقال إن نيكولاي يعمل بمثابة كابح لشقيقه الأكثر اندفاعا. وفي محادثة هاتفية مع بوليتيكو، قال روزنبرج، الصديق السابق، إن نيكولاي "هو أحد الأشخاص القلائل في الفريق الذين يمكنهم الوقوف في وجهه (بافل)"، كلما تسببت طموحات بافل البراقة والخيالية في نفور فريقه.

وقال باكونوف "إنهما يشكلان ثنائيًا جيدًا. يتولى نيكولاي المسؤولية عن الجانب الفني، بينما يتولى بافيل المسؤولية عن العلاقات العامة وجانب المنتج".

لكن هذه الصيغة الفائزة وضعتهما الآن في مرمى نيران الادعاء الفرنسي.