طلال سلامة من روما: في الوهلة الأولى، تشير انتقادات جورجو نابوليتانو، رئيس الجمهورية الإيطالية، الى تواطؤ بين الأحزاب اليمينية واليسارية لتدمير البنى التحتية في جنوب ايطاليا. في الحقيقة، يسعى نابوليتانو عن طريق هذه الانتقادات quot;غير المباشرةquot; الى توعية الأحزاب السياسية المحلية، قبل فوات الأوان وقبل الانتقال الى تصعيد جدي يرى القصر الجمهوري عدواً للجميع.

ويأتي تدخل نابوليتانو في ظل تحالف سياسي وشيك، غريب من نوعه، في شمال ايطاليا بين رابطة الشمال والحزب الديمقراطي اليساري. هنا، لا تخشى رابطة الشمال من موقف برلسكوني حيال هذا التحالف لأن جذورها في حكومة روما تبقى قوية وقادرة على إعطاء الأوامر للجميع. في موازاة الأزمة المالية العاصفة، يلاحظ الجميع أن جنوب ايطاليا دخل مرحلة من الانهيار البنوي الذي اقتحم صداه آذان رئيس الجمهورية، شخصياً، الذي بدأ غربلة ما جرى بجنوب ايطاليا في السنوات 15 الأخيرة، قبل أن يوجه صفعة الى كافة الدوائر الحكومية هناك، بغض النظر عن الائتلافيات السياسية، اليمينية واليسارية، التي تشرف عليها.

بمعنى آخر، أثبتت هذه الائتلافيات الحزبية عجزها عن استعمال أموال الاتحاد الأوروبي لمحاربة الرشوة والفساد الإداري والمنظمات المافيوية والإجرامية. على سبيل المثال، لنأخذ مدينة نابولي، وهي أبرز المدن الواقعة جنوب ايطاليا، بالاعتبار أين تهيمن عليها التيارات اليسارية منذ زمن بعيد. قبل شهور قليلة، انفجرت القنبلة المتعلقة بتدوير النفايات هناك لتضحي الواجهة الصيفية السياحية quot;القذرةquot; لهذه المدينة التاريخية. ومع أن جورجو نابوليتانو يتمتع بسيرة يسارية ممتازة إلا أنه لم يتأخر عن الاعتراف بالنجاح الذي حققه سيلفيو برلسكوني، رئيس الوزراء الحالي، الذي توجه عشرات المرات الى مدينة نابولي، في إيجاد الحل المناسب لهذه المشكلة الصحية الوبائية، أي تراكم النفايات في الشوارع. وينتظر القصر الجمهوري من برلسكوني خطوات أخرى مفيدة للبلاد بيد أن الشغل الشاغل لنابوليتانو الآن ينصب على مناورات حكومة برلسكوني الرامية الى قطع الموارد المالية عن مناطق في جنوب ايطاليا لم تر قط ضوء الشمس والانتعاش ولو ليوم واحد.

هذا ويتهم نابوليتانو البنى السياسية في جنوب ايطاليا بمرورها بوعكة صحية وضباب أيديولوجي قد ينجم عنه خسارة ما مجموعه 10 بليون يورو من الموازنة التي خصصها الاتحاد الأوروبي لمساعدة جنوب ايطاليا في أبرز القطاعات الإنتاجية، كما الزراعة والسياحة. وتنوه الدلائل الموجودة بحوزة نابوليتانو بأن الأحزاب الإيطالية أزاحت أنظارها عمداً عن جنوب ايطاليا الذي يحتاج الى مساعدات عاجلة.

برغم أن هوامش الإنماء في جنوب ايطاليا أسرع بكثير مقارنة بشمال ايطاليا إلا أن الأحزاب السياسية تعاني من قصر في النظر يدفع نابوليتانو الى الثورة عليها. فنوعية الطبقة السياسية المستوطنة جنوب ايطاليا أضحت quot;تالفةquot; مما يضاعف الأضرار التي تتكبدها الأنسجة السياسية والصناعية والاقتصادية هناك. مما لا شك فيه أن ايطاليا ستشهد شتاء ساخناً يفصل بين القصر الجمهوري quot;المراقبquot; وعناد السياسيين، اليمينيين واليساريين معاً.