طرابلس: تميز العام 2008 في ليبيا بعودة السفير الأميركي إلى العاصمة طرابلس بعد قطع العلاقات الدبلوماسية لمدة 36 عاما ، وبانطلاق المحادثات الرسمية مع الإتحاد الأوروبي لإبرام الاتفاق الإطاري للشراكة الأوروبية- الليبية ، وبالتوقيع على اتفاقية تسوية الحقبة الاستعمارية الايطالية. وتمكنت ليبيا على مدى السنوات الثلاث الأخيرة من إنهاء عزلتها والعودة إلى الساحة الدولية.وشهدت طرابلس عددا من اللقاءات بين الزعيم الليبي معمر القذافي والعديد من رؤساء الدول الغربية أو ممثليهم والذين كان آخرهم وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس في سبتمبر/أيلول الماضي .

وبفضل السياسة الجديدة لطرابلس والتي استهلتها بالتخلي عن تصنيع وامتلاك أسلحة الدمار الشامل وإدانتها للإرهاب والمشاركة في مكافحته وتسوية قضاياها العالقة مع الدول الغربية وأميركا ،تحولت ليبيا التي كانت يوما ما توصف بأنها دولة إرهابية إلى دولة لها حضور في محيطها ودور في العالم.وفي إطار سعى ليبيا والإتحاد الأوروبي لتأسيس علاقات اقتصادية وسياسية تلبي طموحاتهما شهدت بروكسل الشهر الماضي محادثات رسمية بين الجانبين لإبرام الاتفاق الإطاري للشراكة الأوروبية- الليبية وفقا لمذكرة التفاهم الموقعة بينهما في يوليو/تموز من العام 2007 على خلفية إنهاء قضية الممرضات البلغاريات وترحيلهن من ليبيا في الرابع والعشرين من الشهر نفسه ، بعد ثماني سنوات قضينها وراء القضبان بتهمة حقن مئات الأطفال بفيروس الايدز.

وتنص المذكرة على تعزيز وتطوير العلاقات بين الجانبين وتسهيل الدخول الموسع للصادرات الليبية،وبخاصة الزراعية والبحرية إلى السوق الأوروبية ،و قيام الإتحاد الأوروبي بتوفير وتركيب منظومة على نفقته لحماية الحدود الليبية برا وبحرا . وقال مصدر ليبي مسؤول إن هذه الشراكة المتوقع استمرار المباحثات حولها بطرابلس خلال فبراير /شباط المقبل ستكون ذات طابع خاص لا علاقة له بمسار برشلونة أو اتفاقية كوتونو التي تحكم العلاقة بين الإتحاد الأوروبي والدول الإفريقية جنوب الصحراء .

وعلى الرغم من قبول ليببا بمبدأ الشراكة مع الإتحاد الأوروبي كان موقفها صارما ،ضد فكرة مشروع الإتحاد المتوسطي الذي تبناه الرئيس الفرنسي نيكولاي ساركوزي،مع أنها قبلت بتعاون عربي أوروبي بين الجامعة العربية والإتحاد الأوروبي ، وبتعاون إفريقي أوروبي بين الإتحادين .

من جهة أخرى طوت ليبيا وإيطاليا في أغسطس/آب الماضي ولأول مرة الحقبة الاستعمارية بالتوقيع على اتفاقية الصداقة والشراكة بينهما والتي التزمت فيها روما بتعويض الليبيين بمبلغ خمسة مليارات دولار. يشار إلى أنه بموجب هذه الاتفاقية ،وحسب تصريحات رئيس الحكومة الإيطالية سيلفيو برلسكوني ، ستدفع روما مبلغ 200 مليون دولار سنويا وعلى مدى 25 عاما من خلال الاستثمار في مشروعات البنية الأساسية بليبيا، ومن أبرزها طريق ساحلي يمتد من مصر إلى ليبيا وتونس. كما يشمل تمويل برنامج لإزالة الألغام من مخلفات الحرب العالمية الثانية.

وقال الدكتور احمد بعيد أستاذ العلوم السياسية تعليقا على هذه الاتفاقية إن هذه هي المرة الأولى التي تحصل فيها دولة افريقية على تعويض من الدولة التي استعمرتها، الأمر الذي ربما يفتح الباب أمام تسويات مشابهة في المستقبل.

ولم تكتف ليببا بما حققته في علاقاتها مع الغرب فاتجهت نحو بقية الشركاء الفاعلين دوليا وتحديدا مع دول ما كان يعرف بالاتحاد السوفيتي السابق : روسيا وروسيا البيضاء وأوكرانيا والتي زارها الزعيم الليبي خلال الشهرين الماضيين خلال جولة حملت في طياتها أكثر من معنى ودلالة سياسية بالنظر إلى النتائج السياسية والاقتصادية التي أسفرت عنها.

وعلى المستوى الإفريقي أصبحت ليبيا لاعبا رئيسيا في معالجة معظم النزاعات التي تشهدها دول القارة وخاصة تزعمها للاتحاد الإفريقي وتجمع دول الساحل . ولعبت في هذا الخصوص دورا مهما في إعادة العلاقات بين الجارين المتخاصمين السودان وتشاد ،واستضافت العديد من القمم الإفريقية واللقاءات التشاورية لوضع حد للمشاكل التي يعانيها إقليم دارفور السوداني فيما تسعى جاهدة لتطوير الاتحاد الإفريقي بتشكيل حكومة اتحادية له تكون المتحدث والمعبر عن تطلعات الأفارقة نحو المستقبل .

ومدت ليبيا يدها لتصل إلى أقصى دول أميركا اللاتينية بعدما استقبلت طرابلس عددا من قادة هذه الدول خلال هذا العام.ودعا القذافي إلى ضرورة إقامة الجبهة الجنوبية بين أميركا اللاتينية وأفريقيا وآسيا وتأكيده على ضرورة وجود quot;الساتوquot; في جنوب الأطلسي على غرار quot;الناتوquot; الموجود شمال الأطلسي.