إسرائيل تحاول إعادة الهيبة لجيشها
اولمرت: تعلمنا من حرب لبنان الكثير
أسامة العيسة من القدس:
يتضح مما تتخذه إسرائيل من إجراءات، ومن تصريحات قادتها، وردود أفعال الرأي العام فيها، أن حرب لبنان الثانية، أثرت بشكل حاسم في العقل الجمعي الإسرائيلي، بشكل لم تفعله أية مواجهة عربية-إسرائيلية سابقة.
ورغم الاتهامات التي وجهت إلى الجيش الإسرائيلي بالإخفاق في هذه الحرب، إلا أن الجهود تتخذ في إسرائيل إلى إعادة الاعتبار لمكانة الجيش في المجتمع الإسرائيلي، وهي مكانة لا تضاهيها مكانة أي حزب أو مؤسسة إسرائيلية أخرى، حيث كانت مؤسسة الجيش على الدوام، هي آلة التفريخ للنخب السياسية، والحزبية، والأمنية.
ولم يكن المراقب يحتاج إلا لبعض المشاهد الرمزية، ليدرك، ما يحدث على صعيد إعادة الاعتبار للجيش، مثل حفل تخريج دورة ضباط القوات البرية في مدرسة الضباط التي يطلق عليها قاعدة التدريب رقم 1، التي حضرها ايهود اولمرت، رئيس الوزراء الإسرائيلي، وممثلو مؤسسة الجيش: رئيس الأركان الجنرال غابي أشكنازي، وقائد القوات البرية الميجر جنرال أفي ميزراحي، وقائد قاعدة التدريب رقم 1 (مدرسة الضباط) البريغادير أهارون حليفا، وأيضا رئيس جمعية أصدقاء الجيش الإسرائيلي في الولايات المتحدة أرثور شتارك، الذي يعكس حضوره الاهتمام الذي تبديه الجماعات اليهودية بما يجري في إسرائيل، وتتابع التطورات في جيشها، وتمده بالدعم المالي والمعنوي.
وخاطب اولمرت من اسماهم قادة المستقبل في الجيش الإسرائيلي قائلا quot;لقد علّمتنا حرب لبنان الثانية الكثير. لقد خُضنا خلال فترة الأشهر الثمانية عشر الماضية إجراءات معقدة وعميقة المغزى انطلاقًا من تعديل وتحسين مفاهيم صنع القرارات وتقدير الموقف وطنيًا وسياسيًاquot;.

وأشار اولمرت، الذي يطرح نفسه ويقدمه المقربون منه، باعتباره الحصان الرابح في المواجهة المقبلة مع حزب الله، بان الجيش الإسرائيلي بدأ quot;بمختلف مستوياته القيادية بتطبيق العِبر المُستخلصة من الحرب سواء أكان ذلك في الأذرع والأسلحة المختلفة والمناطق العسكرية وهيئات رئاسة الأركانquot;.
وقدم اولمرت، ما يمكن الكشف عنه إسرائيليا، من خطوات اتخذت لإعادة الاعتبار للجيش، وتأهيله للمواجهة المقبلة، فقال مخاطبا الجنرال غابي اشكنازي رئيس الأركان quot;لقد تحولت الاستبصارات والاستنتاجات التي تم التوصل إليها في صيف 2006، ومنذ أواخر فترة ولاية رئيس الأركان السابق الجنرال دان حالوتس ثم تحت قيادتك ndash; أيها الجنرال غابي أشكنازي ndash; إلى خطة عمل مدبَّرة وجادة وشديدة المغزىquot;.
وقال اولمرت quot;تتوفر حاليًا موارد منقطعة النظير تمكّن جيش الدفاع من تكثيف تدريباته وتحسين استعداده لأي اختبار وتهيئة القادة والمقاتلين في جميع المستويات على أكمل وجه لمجابهة جميع السيناريوهات المحتملةquot;.
وتجنب اولمرت، لحديث عن هذه السيناريوهات المحتملة، وواصل تقديم ما حدث من خطوات لإعادة تأهيل الجيش الذي خرج في حالة غير سوية بعد الحرب الأخيرة quot;ليس هناك تقريبا أي هيئة عسكرية لم تسائل نفسها خلال الأشهر الثمانية عشر الماضية عما يمكن تعلّمه من القتال في لبنان. وتتجلى الدروس المستفادة من الحرب في إجراءات تأهيل ضباط جيش الدفاع وفي دورة الضباط نفسهاquot;.

وقال quot;غير أن هناك مسألة واحدة لم تقتضِ استخلاص أي عبرة ألا وهي مسألة البطولة والشجاعة. إننا شاهدنا الإخلاص والتمسك بالمهام القتالية والشجاعة والتضحية الاستثنائية كما تمثلت في المعارك القاسية التي وقعت في لبنان. واليوم أيضًا، حيث يوجد بين الضباط الجدد الكثيرون ممن تجنّدوا في صفوف جيش الدفاع بعد سكوت دوي قذائف الحرب في شمال البلاد، لا يراودني أدنى شك في أنكم ستجسّدون التعبير الأسمى للروح القتالية التي يتميز بها جيش الدفاع وتشكلون الجدار الحامي لدولة إسرائيل إذا ما استدعت الحاجة ndash; لا قدّر الله ndash; مواجهة اختبار عسكري آخر في أي من الجبهاتquot;.

وأضاف quot;إن دولة إسرائيل، وهي في السنة الستين من عمرها، هي دولة قوية وقديرة عسكريًا وتملك قوة رادعة يعرفها جيدًا كل مَن يتوجب عليه معرفتها، كما لديها منجزات مؤثرة للغاية. إننا سائرون حاليا على درب السلام والأمن من منطلق الثقة بأنفسنا وبقواناquot;.

وحاول اولمرت الدخول إلى عقول ومشاعر الضباط من خلال ذكريات خاصة قائلا quot;إنه ليوم مشهود في سيرة حياة كل منكم، وإنكم ستحفظون ذكريات هذا اليوم وهذه المراسم مدة سنوات طوال. إنني أتذكر كيف كانت دورة الضباط التي تخرجت منها حيث كنت من طلاب السرية الأولى، الفصيلة الأولى، الصف الأول الذي يقع في مكان ما في أحد أركان الطابق الأول من مساكن الضباط الطلاب، مثلما أتذكر غرف الحمام التي كان الماء يغلي فيها في الخامسة فجراً. كما لا يسعني نسيان اختبار اللياقة البدنية، حيث كانوا قد نبهوني في آخر أيام الدورة أنني لن أتقلد وسام الضابط دون إنهاء اختبار اللياقة البدنية، وكم كنت فخورًا بنجاحي في إنجاز الاختبار وبنتيجة جيدة نسبيًاquot;.
واكمل quot;وبالطبع، لا يسعنا نسيان الرقيب الأول تايتو، المسؤول عن الانضباط في مدرسة الضباط، الذي بات مؤسسة بحد ذاته، إذ إنه ربّى بطريقته الخاصة الأجيال المتتالية من القادة الذين لم يردعهم رادع في حياتهم لكنهم كانوا يخافون بعض الشيء من تايتو، وأعتقد بأنني أعرف سبب ذلكquot;.

وخاطب اولمرت المتخرجين quot;إنني أمتلئ فخرًا اليوم عندما أطّلع عليكم، أيها أبناء الجيل الناشئ لقيادة جيش الدفاع، إذ أعلم بأنكم سوف تُحسنون أداء مهامكم بصورة تزيد من قوى وقدرات دولة إسرائيلquot;.
وفي حين يواجه اولمرت ملاحقات عائلات الجنود الذين قضوا في حرب لبنان، بعث برسالة ذات مغزى، إلى عائلات الضباط الذين يحضرون تخريج أبنائهم قائلا quot;إن الشوط الذي قطعه أبناؤكم منذ التحاقهم بجيش الدفاع وحتى هذا المشهد المؤثر لهو مبرر قوي في شعوركم بالاعتداد. إنني على يقين من أن التربية التي نشأوا عليها منذ الصغر، تلك القيم والأخلاق التي ما زالت من نصيبهم في منازلهم، قد دعمتهم وصارت زادا هامًا لهم على امتداد المشوار المؤثر الذي قطعوهquot;.
ولم ينس القول quot;إننا نجدد في هذا اليوم الاحتفالي التزامنا إزاء جنود جيش الدفاع الأسرى والمفقودين متمنين عودتهم سريعًا إلى أحضان عائلاتهمquot;.

وأضاف بنبرة دينية quot;مَن بارك آباءنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب سوف يبارك جنود جيش الدفاع الإسرائيلي الحريصين على حماية بلادنا ومدننا من الحدود اللبنانية وحتى الصحراء المصرية ومن البحر الكبير وحتى مطلع العربا برا وجوًا وبحرا، أللهمّ آمينquot;.
وردد الجمع خلف اولمرت quot;آمينquot; وهم يدركون صعوبة الامتحان الذي يستعد الجيش الإسرائيلي لخوضه، والذي يعتقد كثيرون بأنه امتحانا إلزاميا، لا يحتاجه فقط الجيش، ولكن مجتمع استيطاني حديث نسبيا في معادلات الشرق الأوسط السياسية، نما بطريقة جعلته يصبح لاعبا رئيسيا في هذه المنطقة، لم يتحمل ما اسماه حزب الله والمتعاطفون معه نصرا، بينما أطلق عليه في إسرائيل إخفاقا، في حين يسميه كثيرون في إسرائيل هزيمة.