واشنطن: بعد التقرير الذي قدمه الجنرال الأميركى ديفيد بترايوس David Petraeus قائد القوات الأميركية فى العراق والسفير الأميركى هناك رايان كروكر Ryan Crocker فى سبتمبر حول سير العمليات العسكرية والسياسية فى هذا البلد التى مزقته الصراعات وأحداث العنف منذ الغزو الأميركى له فى العام 2003 ، قدم القائدان الأميركيان تقريرهما الثانى حول الوضع هناك بعد أن بدأت الولايات المتحدة عملية سحب محدودة لعدد من قواتها العاملة هناك.

وحول مستقبل التواجد الأميركى فى العراق وكيفية الحفاظ على المكاسب التى حققتها الولايات المتحدة هناك كانت تحليلات وسائل الإعلام الأميركى هذا الأسبوع معتمدة على ما جاء فى الشهادة التى أدلى بها كل من بترايوس Petraeus وكروكر Crocker أمام مجلس الشيوخ الأميركى فى الثامن من ابريل الحالى.

التقدم في العراق خطوة للأمام وعشرات للخلف
التقدم فى العراق يمكن أن يتدهور ويتراجع هذا ما ساقها الجنرال ديفيد بترايوس David Petraeus فى شهادته أمام الكونجرس الأميركى عن أخر التطورات التى وصلت إليها الأوضاع فى العراق، معتبرا أن هناك العديد من النجاحات التى تحققت على ارض الواقع والتى لابد من الحفاظ عليها ، وفى هذا السياق أعد سكوت نيومان Scott Neuman تقرير ا لشبكة راديو NPR أشار فيه إلى أن الجنرال بترايوس Petraeus أكد أن القوات الأميركية قد قامت بخطوات عظيمة على طريق استعادة الأمن المفقود فى العراق ، ولكنه شدد فى نفس الوقت على ضرورة تعليق خطة سحب القوات الأميركية من العراق لبعض الوقت حتى تستطيع الولايات المتحدة أن تحافظ على المكاسب التى حققتها فى العراق.

وبالرغم من أن بترايوس قد أشار إلى عدد من المؤشرات الايجابية المتعلقة بالوضع فى العراق من قبيل انخفاض عدد الهجمات ضد القوات الأميركية والعراقية وبالتالى انخفاض عدد القتلى من الجانبين. ولكن ما شهدته الساحة العراقية فى الأسابيع الأخيرة من تصاعد جديد لموجة العنف الطائفي في العراق يشير إلى مدى هشاشة هذا التقدم الذى حدث ، لذلك طالب بمدة 45 يوم أسماها quot;فترة التدعيم والتقييمquot; quot;period of consolidation and evaluationquot; بعد هذه الفترة يمكن البدء فى عملية إعادة تقييم للأوضاع على الأرض بعدها يمكن تحديد متى يمكن البدء فى سحب مزيدا من القوات الأميركية من ساحة القتال فى العراق.

على الجانب الأخر أشار السفير الأميركى فى العراق إلى مدى التقدم الحادث على الساحة السياسية فى العراق مؤكدا على أن الدعم الأميركى للحكومة العراقية هو أمر حاسم وحيوي لدعم الاستقرار فى البلاد وضمان انجاز المهمة التى من اجلها دخلت الولايات الحرب ضد النظام العراقى السابق ، ولكن هذا لا يعنى أن هذا الدعم سيستمر إلى مالا نهاية ، لان المعارك التى شهدتها الساحة العراقية مؤخرا بين القوات الأميركية المدعومة من القوات الأميركية ضد المليشيات الشيعية التى يقودها الزعيم الشيعى مقتدى الصدر تؤكد أنه ما يزال هناك الكثير أمام الولايات المتحدة ليتم انجازه ، حتى تستطيع القوات العراقية تحمل مسئولياتها الأمنية. ولكنه بالرغم من ذلك أصر على أن هناك تقدم فى العراق حتى ولو كان هذا التقدم بطئ ، وللحفاظ على هذا التقدم فان على الولايات المتحدة أن تحافظ على التزاماتها التى قطعتها على نفسها تجاه العراق.

المعضلة العراقية: أشياء كثيرة لم تتغير
ومن ناحية أخرى أشار نيومان Neuman إلى أن هناك أشياء كثيرة تغيرت هذه المرة فى الشهادة التى أدلى بها كلا من بترايوس Petraeus وكروكر Crocker ، فقد أصبحوا أكثر ثقة فى نجاح الولايات المتحدة والقوات الأميركية العاملة هناك فى المهمة التى يقومون بها فى العراق ، خصوصا وأن تواجد تنظيم القاعدة فى العراق وقدراته قد تقلصت وتدهورت كثيرا. ولكن معد التقرير فى نفس الوقت شدد على أن هناك العديد من الحقائق بشأن هذه الحرب لم تتغير.

فمن ناحية أولى يظل الخلاف بين الحزبين الجمهورى والديمقراطى قائم لم يتغير ، فما يزال الديمقراطيون معارضون تماما لهذه الحرب ويرفضون أى حقائق جديدة تأتى من هناك مهما كانت ، على الجانب الأخر ما يزال الحزب الجمهورى وكبار قادته يؤيدون هذه الحرب بشدة ويصرون على أن الأهداف الأميركية من هذه الحرب سوف تتحقق قريبا جدا.

ومن ناحية ثانية يشير نيومان Neuman إلى أنه برغم التقدم النسبي الذي حدث على الساحة العراقية إلا أن هذا تقدم ما يزال هش وضعيف لا يمكن الركون إليه فى حالته هذه ، وهو فى حاجة إلى أن تظل الولايات المتحدة محتفظة بما قطعته على نفسها من تعهدات تجاه العراق.

المرشحون وشهادة بترايوس
أما برنامج American Morning - الذى يذاع على شبكة CNN - فقد أكد على أن الجنرال بترايوس Petraeus عاد من العراق لكى يقنع أعضاء الكونجرس الأميركى بأن خطته لتدعيم الاستقرار فى العراق تنجح وتحقق الكثير من النتائج الطيبة المبشرة ، و أشار التقرير الذى أعدته باربرا ستار Barbara Starr إلى أن التقرير الذى قدمه بترايوس Petraeus إلى الكونجرس يأتى فى ظل درجة عالية من التوجس والريبة التى سادت الأوساط السياسية الأميركية ، على خلفية المصادمات العنيفة التى شهدتها مدينة البصرة فى العراق مؤخرا.

وعلى الصعيد نفسه أكد التقرير علي أن مرشحى الرئاسة الأميركية الثلاث سوف يستغلون هذه الفرصة ليوضحوا للناخبين الأميركيين أن كل واحد منهم يطرح الرؤية الأفضل للتعامل مع المأزق العراقى ، خصوصا وان الحقائق على ارض الواقع وسير الحملة الرئاسية الأميركية تشير إلى أن الحرب العراقية سوف تكون محدد أساسى فى السلوك التصويتى للناخب الأميركى فى اختيار المرشح الذى سيقود الولايات المتحدة للخروج من عثرتها التى أوقعتها فيها الإدارة الأميركية الحالية بقيادة الرئيس جورج بوش George W. Bush.

ولفت التقرير الانتباه إلى اختلاف الرؤى التى طرحها المرشحون الثلاث سواء كان الجمهورى جون مكين John McCain أوالمرشحان الديمقراطيان باراك أوباما Barack Obama وهيلارى كلينتون Hillary Clinton. فالجمهورى مكين McCain ndash; كما يشير إلى ذلك التقرير - أكد على أن المرشحون لانتخابات الرئاسة يجب ألا يقطعوا على أنفسهم وعود انتخابية لا يستطيعوا تنفيذها إذا وصلوا إلى مقعد الرئاسة . فى حين أكد كل من أوباما Obama وهيلارى Hillary على خطأ وجهة النظر التى يطرحها مكين McCain بشأن الحرب ، ودعى كل منهم إلى التأكيد على ضرورة سحب القوات الأميركية من الأراضى العراقية فى أسرع وقت ممكن.

إيران هي المعضلة: والحل الحرب بالوكالة
على صعيد مختلف تناول ديفيد إجناتيوس David Ignatius فى صحيفة الواشنطن بوست Washington Post الدور الإيرانى فى العراق فى ضوء ما قدمه الجنرال ديفيد بترايوس فى شهادته أمام الكونجرس الأميركي، حيث أشار الصحفي إجناتيوس Ignatius إلى أن اللهجة التى وصف بها بترايوس هذا الدور متشددة للغاية حيث اعتبرها بترايوس التهديد الأكبر لاستقرار واستمرار الحكومة العراقية فى بغداد.

وأكد الكاتب فى تقريره على أن إيران هى السبب الأساسى فى المشاكل التى تعانى منها الولايات المتحدة فى العراق، واعتبرها أيضا أنها هى السبب الأساسى فى عدم قدرة الولايات المتحدة على سحب قواتها من العراق فى الوقت الحالى.

ولفت التقرير الانتباه إلى أن حال المعارك فى العراق لن يتغير كثيرا حتى، وان الجنرال الأميركى كأنه أراد فى رسالة ضمنية فحواها أن يحتفظ بعدد كبير من القوات الأميركية فى العراق وتعليق الانسحاب لفترة من الزمن حتى يمنع الحالة الأمنية هناك من التدهور مرة أخرى.

ومن ناحية لأخرى أشار إجناتيوس Ignatius إلى أن مسالة احتواء إيران والتعامل مع المخاطر التى يمثلها برنامجها النووى يجب أن يكون أحد المهام الكبرى للرئيس الأميركى القادم. فالدور الإيرانى لإعادة تشكيل الخريطة العراقية بما يتماشى مع مصالحها بدأ مع الغزو الأميركى للعراق فى عام 2003 ، حيث يؤكد إجناتيوس Ignatius على أن المخابرات الإيرانية قد أعدت قائمة بالمسئولين العراقيين الذين يجب اغتيالهم فى الأسابيع والشهور التى تلت بدأ الغزو الأميركى مباشرة، فأرسلوا الكثير من رجال الدين المدربين من اجل السيطرة على المساجد الشيعية فى وسط وجنوب العراق، فضلا عن أنهم وجهوا أكثر من 12 مليون دولار أسبوعيا لدعم حلفائهم على الساحة العراقية كما حدث فى الانتخابات التى جرت فى العراق فى يناير 2005 واخترقوا الكثير من الأحزاب الشيعية والسنية أيضا.

بالإضافة إلى ذلك فان الإيرانيين عقدوا اللعبة السياسية فى العراق ولعبوا على جميع الإطراف العراقية ضمانا لمصالحهم، فهم لم يركزوا على طرف واحد فقط ليقدما له كل الدعم، وإنما نوعّوا من شبكة علاقاتهم ودعمهم لمختلف القوى والتيارات السياسية فى العراق، فلديهم - طبقا لما أورده الكاتب - علاقاتهم مع رئيس الوزراء نورى المالكى وحزب الدعوة الذى ينتمى إليه، كما إنهم يدعمون بقوة تنظيم بدر التابع للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية تحت قيادة الزعيم الشيعى عبد العزيز الحكيم، والذي ينتمي إليه معظم الجنود فى الجيش العراقي، فضلا عن إنهم يقدمون الدعم المادي والتدريب والأسلحة لأكثر التيارات الشيعية تشددا وهى مليشيا جيش المهدى والتى يقودها الزعيم الشيعى مقتدى الصدر. واعتبر الكاتب الإيرانيين هم المسئول الأول عن الاضطرابات التى شهدتها البصرة مؤخرا.

احتواء إيران بين الحرب والطرق الدبلوماسية
يؤكد الكاتب أن فكرة الحرب الأميركية المباشرة ضد إيران هى فكرة سيئة للغاية ولكن القيام بحرب بالوكالة ضدها فى العراق هى شئ يمكن القيام به، ولكن هناك معضلة شديدة التعقيد يخلقها الدور الإيرانى فى العراق خصوصا بالنسبة لقرار الإبقاء على أو سحب القوات الأميركية من العراق، لان الإبقاء القوات الأميركية فى العراق يعطى الولايات المتحدة فرصة اكبر وميزة لها ضد إيران، ولكنه في نفس الوقت دافع إلى تقليل عدد القوات إلى الحد الذى يمكنها فقط من الحفاظ على الأمن والاستقرار داخل الاراضى العراقية.

ثم يشدد الكاتب على أن الرئيس القادم يجب أن يدمج الخيارات العسكرية والدبلوماسية فى التعامل مع المعضلة الإيرانية بما يمكنه ذلك من وضع قيود على تأثيرها ونفوذها على الساحة العراقية ولذلك فان الحوار الأميركى الإيرانى هو أمر حاسم من اجل استقرار الأوضاع فى المستقبل فى منطقة الشرق الأوسط ومن اجل نجاح هذا الحوار لابد من أن تبقى الولايات المتحدة قوية فى مواجهة الإيرانيين.