نضال وتد تل أبيب: قلبت إفادة الثري الأميركي، موشيه تالينسكي المسبقة أمس، ساعة الرمل لحكومة أولمرت ووضعت حدا لموقف براك المدافع عن أولمرت وعن ضرورة البقاء في حكومة يرأسها أولمرت. ففي الوقت الذي أعلنت فيه مصادر في النيابة العامة الإسرائيلية، ومصادر قضائية رفيعة المستوى، أنه لن يكون بالإمكان، تقديم لائحة اتهام ضد رئيس الحكومة أولمرت بالاعتماد فقط على الإفادة المسبقة لتالينسكي، قبل موعد الجلسة القادمة للتحقيق مع تيلانسكي من قبل محامي أولمرت، فقد رسمت الإفادة على تفاصيلها المتشعبة صورة لرئيس حكومة فاسد اعتاد تلقي مبالغ طائلة من الأموال والامتيازات والهدايا دون وجه حق منذ كان رئيسا لبلدية القدس في أواسط التسعينات، وعندما تولى منصب وزير التجارة والصناعة في حكومة نتنياهو، عام 96 بعد اغتيال رابين.
وكانت أولى الهزات التي سببتها إفادة تالينسكي والتي تنذر بنهاية أولمرت، على صعيد موقف الشريك الأكبر لأولمرت في الحكومة إيهود براك، الذي دافع لغاية الآن عن أولمرت معلنا quot;براءته ما لم تثبت براءتهquot;. فقد أعلنت القناة الأولى للتلفزيون الإسرائيلي، الليلة، أن براك عقد جلسة مشاورات سرية مع كبار حزب العمل تناولت سبل تحرك الحزب والخيارات المتوفرة له على ضوء إفادة تالينسكي، مع التلميح إلى أن هذا التحرك يأتي بالتنسيق مع وزيرة الخارجية الإسرائيلية، تسيبي ليفني.
وأعلنت مصادر رسمية في حزب العمل، أن براك سيعقد ظهر اليوم، الثلاثاء مؤتمرا صحافيا في الكنيست، قد يطالب عبره رئيس الحكومة أولمرت بأن يحسم مسألة بقائه في الحكومة والاختيار بين الاستقالة من الحكومة، أو تنحية منصبه تحت بند quot;عدم القدرة على مزاولة أعمالهquot; بحيث تتولى ليفين بهذه الحالة مهام رئاسة الحكومة إلى حين انتهاء التحقيق.
تحرك براك يطلق بورصة الخيارات من القمقم
وما أن أعلن براك عن عزمه عقد المؤتمر الصحافي حتى توالت التطورات، خصوصا في ظل ارتفاع الأصوات التي تطالب أولمرت بالاستقالة من منصبه، فقد شكلت إفادة تالينسكي منفذا لبراك للتحرر من الضغوط الممارسة عليه داخل الحزب، من جهة، ولتعزيز صورته الرسمية والشعبية لجهة تأكيد عدم استغلال ورطة أولمرت قبل أن تتضح تفاصيل بشأن ضلوعه في الفساد، وعدم التسليم بالفساد داخل الحكم من جهة أخرى ولا محاولة توظيف ذلك لتحقيق مكاسب حزبية ضيقة.

ويطلق إعلان براك العنان لجملة من الخيارات والتكهنات المتعلقة بمستقبل الحكومة الإسرائيلية، وليس فقط مستقبل أولمرت، وإن كان مستقبل الأخير قد أطلقت عليه إفادة تالينسكي رصاصة قاتلة لن يعود بمقدور أولمرت بعدها التحصن وراء حقه بالبراءة ما لم تثبت إدانته، فهناك جملة من السيناريوهات التي يمكن لها أن تستولي على المشهد الإسرائيلي ولكل منها انعكاساته على المسيرة السلمية في المنطقة: ويمكن إجمال أهم هذه السيناريوهات كالتالي:
bull;مطالبة أولمرت وإلزامه بتنحية نفسه من منصبه لحين انتهاء التحقيق، والخروج في quot;إجازة قسريةquot;. في مثل هذه الحالة تتولى تسيبي ليفني، باعتبارها القائمة بأعمال رئيس الحكومة، مهام رئيس الحكومة. في هذه الحالة فإن الحكومة الحالية قد تبقى على قيد الحياة، إلا في حال رفض حزب شاس الديني الأصولي البقاء في حكومة تتزعمها ليفيني وهدد بالانسحاب من الائتلاف الحكومي، ما لم تستجيب ليفني لمطالب للحزب (إعادة مخصصات الأطفال إلى ما كانت عليه قبل التقليص الكبير الذي قام به نتنياهو، عندما كان وزيرا للمالية في حكومة شارون الأخيرة).

bull;اضطرار أولمرت إلى تقديم استقالته بفعل الضغط الجماهيري، وترشيح أحد أعضاء كديما (الأغلب أن تكون ليفني) من قبل أكثر من 61 نائب في الكنيست لتشكيل الحكومة الجديدة (بعد إجراء انتخابات داخلية في كاديما).
bull;خروج حزب العمل من الحكومة، والاتفاق مع الليكود على تشكيل حكومة طوارئ قومية لمدة عام، أو لحين الاتفاق على موعد رسمي للانتخابات القادمة، وفي هذه الحالة فإن براك ونتنياهو يوجهان ضربة قاضية لحزب كاديما، قد تفضي إلى القضاء على الحزب في الانتخابات، وإطلاق حركة ردة داخلية وانشقاقات من كاديما باتجاه العودة إلى الحزبيين الأصليين العمل والليكود، وهي حركة قد يقودها خصوم ليفني لضمان بقائهم السياسي( إذ من المتوقع في مثل هذه لحالة أن يعود شاؤول موفاز إلى الليكود، فيما يعود كل من رامون وديختير إلى حزب العمل.
تداعيات على المسيرة السلمية
في حال سارت التطورات الإسرائيلية باتجاه واحد من الخيارين الأولين، فإن ذلك لن يضع حدا للتحركات السياسية في المنطقة ، لكنه سيضعفها كليا ويضع علامات سؤال كبيرة حول جدوى مواصلة التحرك السياسية، خصوصا على المسار السوري الإسرائيلي، وعلى المسار الفلسطيني الإسرائيلي. ففي هذه الحالة فإن الحكومة الإسرائيلية ستبقى بنفس تركيبتها الائتلافية ومشروعها السياسي، لكن غياب أولمرت عن المشهد قد يفسح المجال أمام معارضي المفاوضات مع سوريا لإعلان موقفهم بقوة أكبر، ولا سيما وزير المواصلات شاؤول موفاز، الذي قد يصعد من معارضته بشكل خاص إذا تم اختيار ليفني من قبل كديما لرئاسة الحكومة.
أما في حال اتجاه براك نحو تشكيل حكومة طوارئ قومية فإن ذلك يعني عمليا القضاء أو على الأقل وقف التحرك الدبلوماسي والسياسي على المسار السوري الإسرائيلي، فنتنياهو الذي بارك قبل يومين تأسيس اللوبي البرلماني المناهض للانسحاب من الجولان، لن يقبل في دخول حكومة طوارئ قومية تواصل التفاوض على الجولان، وبدلا من ذلك سيركز اهتمامات الحكومة القادمة في المسار الفلسطيني الإسرائيلي ولكن لجهة تصعيد الحرب على حركة حماس في قطاع غزة، والعودة إلى البلاغة السياسية المعهودة من قبله، ويلتقي مع براك عند نقطة محاربة المحور الإيراني وquot;الإرهاب الأصولي الإسلاميquot; وهي قضايا يمكن لبراك ونتنياهو أن يتفقا بشأنها، ويمكن لها أن توفر للطرفين ميدانا حرا للتنافس فيه، مع التأكيد من جديد على خطاب قومجي مزايد بشأن الملفات الساخنة على المسار الفلسطيني: عدم تقسيم القدس، رفض حق العودة،ومعارضة المضي قدما في مفاوضات الحل الدائم بدعوى ضعف السلطة الفلسطينية وعدم قدرتها على فرض أي اتفاق يتم التوصل إليه مع إسرائيل لعدم وجود شريك فلسطيني .
الرأي العام الإسرائيلي
أي كان السيناريو الذي سيتحقق، فإن كل سيناريو يبعد أولمرت عن ديوان رئاسة الحكومة، سيلقى تجاوبا كبيرا من قبل الرأي العام الإسرائيلي، وارتياحا لتحرك حزبي سياسي لمواجهة قضايا الفساد والرشاوى في الحكومة، وخصوصا كل ما يتعلق بالعلاقة بين المال والسلطة، لا سيما وأن النيابة العامة ومصادر قضائية ألقت أمس بالكرة لملعب الجمهور الإسرائيلي، المقتنع أصلا بأن أولمرت، وبغض النظر عن مدى تورطه بالفساد، لن يكون قادرا على القيام بمهام منصبه ومزاولة أعماله رئيسا للحكومة.
وكان وزير المالية والقضاء السابق، البروفيسور يعقوف نئمان، قال أمس إن رئيس الحكومة لا يمكن له أن يتفرغ للدفاع عن نفسه، وفي الوقت مواصلة مزاولة أعماله رئيسا للحكومة بصورة معقولة. وجاء تصريح نئمان هذا بعد أن أكد مقربو أولمرت ومحاموه أن الأخير لا يعتزم بأي حال من الأحوال الاستقالة من منصبه في المرحلة الحالية، وأنه سيفند ما جاء في إفادة تالينسكي خلال الجلسة القادمة للمحكمة في السابع عشر من الشهر القادم؟