قراءة في دراسة لمركز بيعن للأبحاث الإستراتيجية
لماذا تخاف إسرائيل انسحابًا أميركيًا مبكرًا من العراق؟

خلف خلف- إيلاف: دومًا ما تم الربط بين الحرب الأميركية على العراق، وقضية الشرق الأوسط الأساسية المتمثلة بالصراع العربي الإسرائيلي. وقبيل الحديث عن حرب العراق، كان الحديث أيضًا يدور وبدعم أميركي عن أبرز خطة للتسوية بعد انتفاضة الأقصى التي اندلعت عام 2000، الخطة سميت فيما بعد بخريطة الطريق، كانت الصلة واضحة بين نجاح أميركا في العراق وإمكانية تطبيق الخطة. أميركا لم تنجح والخطة لم تنفذ، لكن العلاقة بين صيغة الوجود الأميركي في المنطقة والمصلحة الإسرائيلية ما زالت قائمة. اليوم تعيش الولايات المتحدة الأميركية مرحلة ما قبل التغيير، في حال وصل أوباما إلى الحكم، الحديث أصبح مقبولا عن انسحاب أميركي من العراق في حالة أتت النتائج لصالح المرشح المؤيد للانسحاب. هذا الأمر دفع بالساسة في إسرائيل للتخوف من إمكانية أن يخل الانسحاب الأميركي في حال طبق بموازين القوى في المنطقة، لصالح قوى معادية لإسرائيل.

تعبيرا عن هذه التخوفات نشر في إسرائيل دراسة هذا العام عبر مركز بيغن للأبحاث الإستراتيجية، تبين مخاطر الانسحاب أو تحذر منه، الصيغة تبدو وكأنها خوف على مصالح العراق من حرب أهلية أو غزو من الخارج أو انقسامات في الدولة، لكنها مؤشرات أكيدة على التخوف الإسرائيلي من أن في العراق قوى من الممكن أن تلعب دورا مناهضا لإسرائيل. خوف إسرائيل له مبرراته، إذا ما أشرنا إلى أن العراق من كبرى الدول في المنطقة، وفي حال خرجت أميركا فإنها قد تكون مؤهلة لدخول خط اقرب إلى الخط الإيراني السوري واللبناني والفلسطيني جزئيا.

عوفرا بنجو الخبيرة الإسرائيلية استعرضت في دراستها بالتفصيل ستة إخطار ينحصر الخوف بها، في حال تم انسحاب أميركي مبكر من العراق. أولها: حرب أهلية تجر هرجاً وفوضى، ثانيها: تقسيم العراق إلى ثلاث دول: سنية، وشيعية، وكردية، وثالثها: هرب العراقيين الجماعي للدول المجاورة، أما الخطر الرابع، فيتمثل بدخول الدول المجاورة للعراق أو غزوها للعراق، خامسًا تصدير quot;الإرهابquot; وعدم الاستقرار من العراق إلى الدول المجاورة الموالية لأميركا، أما الخطر السادس والأخير، فهو الإضرار بصورة أميركيا.

وتقول بنجو في دراستها التي عنونت بـquot; العراق الجديد: إلى الانحلال أم الاتحاد الكونفدرالي؟quot;: quot;تبين لنا نظرة خاطفة في السنين الخمسة الأخيرة أن هذه الأخطار قد أصبحت منذ زمن حقيقة كاملة. على رغم وجود الولايات المتحدة المعزز وربما بسبب ذلك خاصة. حدثت الحرب الأهلية في العراق وبلغت ذروتها في سنة 2006. حتى لو كان عدد 600 ألف قتيل عراقي منذ بدء الحرب الذي ذكرته جهات مختلفة يبدو مبالغاً فيه، فمن الحقائق أن عراقيين كثيراً طحنتهم هذه الحرب الداخلية التي صعب على اقوي جيش في العالم وقفهاquot;.

وتضيف: quot;وأصبح تقسيم العراق أيضا حقيقة كاملة. وليس الانقسام في ثلاثة وحدات بل في اثنتين كبيرتين: العراق العربي والعراق الكردي. والعراق العربي هو ذاك الغارق في حرب دينية بين أهل السنة والشيعة لكن لا يبدو أن أهل السنة سيوافقون البتة على تقسيم الدولة في جزء سني وآخر شيعي. قد يستمر الصراع بين أهل السنة والشيعة وقتاً طويلاً بسبب ميزان الضعف بين المعسكرين ولان الصراع الديني في العراق اليوم اغلب من الصراع القومي كما كان في القرن الماضي بين العرب والأكراد. وبخلاف الجزء العربي تبدو كردستان العراقية مثل دولة أخرى: مستقره، ومصوغة، ونامية على نحو لا مثيل لهquot;.

quot;تم هرب العراقيين إلى الدول المجاورة أيضا بأعين الأميركيين المفتوحة، وقد عجزوا هنا أيضا عن مد يد العون. لجأ نحو من مليوني لاجئ عراقي إلى الدول المجاورة ولا سيما في اثر الحرب. على حسب التنبؤات السوداء قد يكون هؤلاء عاملاً يخل بالاستقرار من الدرجة الأولى في الدول المستضيفة؛ يبدو أيضا أن الدول المستضيفة تضخم الخطر لأسباب منها أن تحظى بامتيازات اقتصادية وسياسية مختلفة. لكن هؤلاء اللاجئين بعودتهم إلى العراق أيضا قد يكونون عاملاً مخلاً بالاستقرار لأنهم سيضطرون إلى الصراع إلى النضال عن ممتلكاتهم ومكانتهم التي فقدوهاquot; كما تقول الخبيرة الإسرائيلية في دراستها.

أما فيما يتصل بخطر دخول الدول المجاورة العراق، فجاء في الدراسة الإسرائيلية مما يلي: quot;أصبحت كل دولة الآن قد أنشأت لنفسها شبه منطقة تأثير داخل العراق. وقد بالغت إيران أكثر منا جميعاً وهي التي تستعمل منذ الحرب سياسة quot;التغلغل الزاحفquot; داخل العراق، وتستعمل منظمات شيعية كانت ترعاها في فترة البعث كأدوات تأثير رئيسة. وكذلك يوجد لتركيا وجود عسكري واقتصادي ملحوظ جداً في منطقة كردستان العراقية. مع ذلك ينبغي أن نؤكد انه لا يبدو أن تركيا ستخرج لاحتلال كردستان العراقية من اجل مطاردة منظمة حزب العمال الكردي الذي أقام قواعد هنالك، وبرغم تهديدات متكررة. على نحو عام يبدو انه توجد مبالغة في تأثير العراق المخل بالاستقرار في الدول المجاورة، لجملة أسباب منها بحسب الدراسة:

إن هذه الدولة تستريح لبقاء الولايات المتحدة هنالك، وان تحتمل أمواج المقاومة المرتدة وان تقوم من اجلها بإقرار الدولة. لم يفض الوجود الأميركي في العراق أيضا بالضرورة إلى خير لإسرائيل ومن الحقائق أن تصدير الإرهاب إلى لبنان، وغزة وأماكن أخرى يتم بكامل قوته أيضا في هذه الأيام التي أصبحت فيها الولايات المتحدة واحدة من جارات quot;إسرائيلquot;. وفيما يتصل بالأضرار بصورة الولايات المتحدة، أصبحت هذه قد تضررت كثيراً بعقب حرب الاستنزاف المتصلة ولا ينبغي أن نتوقع أن يحسن البقاء هنالك هذه الصورة.

في مقابلة ذلك توجد أخطار غير قليلة في البقاء المتصل لقوات أميركية كثيفة في العراق أساسها: احتكاك الجنود الأميركيين بالسكان يفضي إلى زيادة المقاومة للولايات المتحدة. حيث اخذ يزداد عدم رؤية الولايات المتحدة كمحررة بل كمحتل استعماري جديد تجب مقاومته بكامل القوة. ولا يحتمل العراقيون والدول المجاورة مسؤولية ويتوقعون أن تقوم الولايات المتحدة بالعمل من اجلهم.

وتعتبر الدراسة أن الحرب ستكلف الولايات المتحدة ثمناً دموياً عالياً، وكلما استمرت، سيأخذ الحلم الأميركي بالذهب الأسود العراقي يتلاشى. لا تستطيع الولايات المتحدة أن تصرف انتباهاً وموارد إلى حلبات أخرى في الشرق الأوسط قد تكون اخطر من العراق. ما هي إذن الخيارات التي تواجه الولايات المتحدة؟ تتساءل الدراسة، وتجيب: quot;أولا تحديد أجلا للخروج من العراق تصوب إليه الجهات المختلفة. ينبغي أن نذكر في هذا الشأن أن عدم اليقين مضافاً إلى العلم بأن الأميركيين سيخرجون في يوم من الأيام من العراق. هو الذي أفضى منذ البدء إلى الحرب الداخلية العنيفة بحيث يحاول كل واحد من الأطراف أن يحسن مواقفه على حساب الآخر. لن تخرج الولايات المتحدة من الصورة تماما حتى بعد أن تسحب قواتها. فهي تستطيع أن تستمر في مراقبة ما يجري بـ quot;تحكم من بعيدquot; من الخليج أو بسلاحها الجويquot;.

وتقول الخبيرة الإسرائيلي بنجو في دراستها: quot;وفيما يتصل بدعوى quot;إسلام العراقيين لمصيرهمquot; التي يكثر الرئيس بوش استعمالها، يمكن أن نقول إن الولايات المتحدة تستطيع توجيه الموارد الضخمة التي تبذلها اليوم في الحرب لأعمال إعادة بناء وتطوير، تستطيع أن تسهم في تجفيف مستنقع الإرهاب. وتستطيع الولايات المتحدة أيضا أن تقوي دولاً مجاورة كالأردن بوسائل سياسية وعسكرية لكي تحسن مواجهة انزلاق الخطر العراقي إليهاquot;.

وترى الخبيرة في دراستها أنه يمكن رؤية نقطة ضوء أيضا في خروج الأميركيين من العراق، حيث أنه عندما لا يكون الغراء الموحد السلبي في صورة الأميركيين موجداً في العراق ستتجه الجهات المتعارضة الداخلية والخارجية إلى المحاسبة الذاتية. فمثلاً قد يحاول أهل السنة الذين رعوا منظمة القاعدة أن يلفظوها كما أصبح الأمر يتم في الميدان جزئيا وهذا شيءٌ لم ينجح الأميركيون أنفسهم في فعله. يمكن تخيل شيئاً مشابهاً في العلاقات بين الشيعة في العراق وبين إيران: فقد تحاول قيادات ما من الشيعة العراقيين طرد التأثير الإيراني، وذلك على خلفية العداوة التاريخية بين العرب والفرس والصراعات على التأثير في المجال. المخاوف الشديدة من تقوي الهلال الشيعي وازدياد عدم الاستقرار في المنطقة قد تصبح من جهتها أداة ضبط لتعزيز علاقات إسرائيل بالدول العربية المعتدلة وهو شيء تباشيره ملحوظة اليوم، كما ترى بنجو.

وتتابع قائلة: quot;كان العراق على امتداد التاريخ عامل عدم استقرار في المنطقة. فعندما كان قوياً بدءا حروبا وعندما أصبح ضعيفاً ldquo;استدعىquot; تدخلاً من الخارج مع كل ما يعنيه ذلك للمنطقة كلهاquot;. وتخلص الخبيرة عوفرا بنجو إلى أنه يضمن التأليف بين المشكلات العراقية البنيوية والسياسية، والالتواءات وعدم إستراتيجية الأميركيين للأمد البعيد، أن تستمر الأحداث التي نشهدها اليوم في المستقبل القريب. قائلة: quot;يمكن الافتراض أن تستمر الحرب الدينية في الغليان بسبب رواسب الماضي وميزان ضعف الحاضر. ويمكن أيضا التنبؤ بالا يعود العراق ليكون دولة موحدة كما فرض عليه بالقوة في السنين الثمانين الأخيرة بل أن يصبح دولة ثنائية القومية أو اتحاداً كونفدراليا ضعيفاً وان يستمر في تصدير عدم الاستقرار إلى جاراته من موقف ضعف هذه المرةquot;.

وتختتم بنجو قائلة: quot;اعتاد الرئيس بوش أن يعلن صباح مساء بأن الولايات المتحدة لم تخرج من العراق إلى أن يحرز النصر. وفي الحقيقة لا يمكن الانتصار في هذه الحرب. ففي نهاية الأمر يستطيع العراقيون وحدهم ترتيب بيتهم في الداخل وذلك أيضا بعد أن تخرج القوات الأجنبية من العراق، وليس قبل أن تمر فترة أخرى من عدم الاستقرار والقلاقل الداخليةquot;.