خبراء يدرسون إتجاهات الناس ويوقعون عقودًا مع الأحزاب
معركة 2009 الإنتخابية بدأت منذ اليوم في لبنان

إيلي الحاج من بيروت: تنشط في لبنان هذه الأيام ظاهرة اسمها quot;الخبراء الإنتخابيونquot;، وهم أشخاص يكونون ملمّين باتجاهات الناس في الدائرة التي يدرسون أوضاعها لقاء عقود مبرمة بمبالغ كبيرة مع سياسيين وتيارات وأحزاب، ويعمل مع كل منهم فريق مسح واستقصاء واستطلاع للآراء وفق الطرق الإقتصادية المتطورة لدرس توجهات السوق وحاجاته، ومن ثم تقديم النصائح لتسويق السلع. ولكن على الرغم من الطرق العلمية تغلب على نتائج الدراسات والإستقصاءات غالبًا إما ميول quot;الخبير الإنتخابيquot;، وإما مصالحه مع الجهة التي كلفته ودفعت له تكاليف الدراسة متحوّلاً من دور إستشاري إلى تسويقي فمتحمس سياسيًا في الوقت نفسه للجهة التي يعمل من أجلها. وقد يتكفل في بعض الأحيان مباشرة بتأمين ما استطاع من الأصوات المؤيدة لها بكل الوسائل المتاحة.

ويزيد في وجه غرابة هذه الظاهرة أن الإنتخابات النيابية المقبلة ستجري بعد نحو عشرة أشهر، أي أن الوقت لا يزال باكرًا جدًا، وخصوصًا أن الناس يحزمون خياراتهم وينتقون لمن سيصوتون في الأيام الأخيرة قبل الإقتراع، وربما قبل ساعات، ولكننا نتحدث عن لبنان حيث المزاحمة السياسية على السلطة تتجاوز أي اعتبار آخر وأي أولوية حتى لو كانت ملحة مثل تأليف حكومة بعد انتخاب رئيس الجمهورية.

هكذا يقول خبراء إنتخابيون إن إعتماد قانون العام 1960 في اتفاق الدوحة الذي يجعل القضاء دائرة إنتخابية سيؤدي إلى فوز قوى 8 آذار/ مارس، أو المعارضة سابقًا بغالبية مقاعد مجلس النواب ال 128 في الإنتخابات المقبلة بالنظر إلى غياب التحالف الرباعي الذي جمع quot;تيار المستقبلquot; والحزب التقدمي الإشتراكي وحركة quot;أملquot; وquot;حزب اللهquot; عام 2005 الأمر الذي سيؤدي إلى زيادة حصة quot;التيار الوطني الحرquot; الذي يقوده النائب الجنرال ميشال عون في عدد من الأقضية التي تضم حضورًا مسيحيًا.

لكن خبراء إنتخابيين آخرين يشيرون إلى خطأ في الحساب المذكور آنفاً معتبرين بل مؤكدين أن لا مجال لتكرار اكتساح لوائح عون دوائر جبل لبنان الشمالي كما حصل في كسروان وجبيل والمتن الشمالي عام 2005، وأن مرشحي تياره على النقيض من ذلك سيلقون صعوبة كبيرة في استعادة أي من مقاعدهم بسبب عدم تجاوب الناس مع توجهات عون إثر تحالفه مع quot;حزب اللهquot; وحلفاء سورية الآخرين في لبنان.

إلا أن الجانبين يجمعان على أن النتائج شبه محسومة في المناطق ذات الغالبية السنية ( لتيار المستقبل) والدرزية ( للحزب التقدمي الإشتراكي) والشيعية ( لحزب الله وحركة أمل)، لتنحصر التنافسات وتكون قوية في الدوائر المسيحية بدءًا من بشري شمالاً مرورًا بالكورة والبترون وزغرتا وصولاً الى جبل لبنان في جبيل وكسروان والمتن الشمالي، فبعبدا والأشرفية الى زحلة وجزين. علمًا أن لكل من هذه الأقضية خصوصياتها وظروفها المختلفة .

ويقول الخبراء إن قضاء بشري محسوم لحزب quot;القوات اللبنانيةquot; الذي سيفوز بالمقعدين المخصصين لهذا القضاء بسهولة، أما قضاء الكورة فهو مرشح لمعركة انتخابية بين حزب quot;القواتquot; المتحالف مع حزب الكتائب ومع النائب فريد مكاري ( تيار المستقبل) من جهة وبين quot;التيار العونيquot; عون متحالفًا معquot;تيار المردة quot; بقيادة الوزير سليمان فرنجية والحزب القومي السوري الاجتماعي، وفي هذا القضاء تقول الترجيحات إن المعركة ستكون متقاربة جداً. أما في زغرتا فهناك اتجاه قوي الى فوز مضمون للنائب السابق فرنجية بمقعدين مع معركة تنافسية على المقعد الثالث مع آل معوض، وفي قضاء البترون، يستعد صهر الجنرال عون المسؤول في تياره جبران باسيل لمعركة فاصلة لأن هذا القضاء سيشهد تحالفًا بين النائب القوي إنتخابيًا بطرس حرب ونائب حزب quot;القواتquot; أنطوان زهرا، ويعمل فريق 14 آذار/ مارس لنقل المقعد الماروني في طرابلس إلى البترون ليصبح عدد مقاعده ثلاثة وبذلك تخوض quot; القواتquot; وبطرس حرب والكتائب معركة واحدة ضد باسيل ومن يتحالف معه، وطبيعي إذا لم يحسن فريق 14 آذار التنسيق أن يضمن باسيل فوزه بأحد المقاعد الثلاثة.

أما في دوائر جبل لبنان الشمالي فإن العامل الأكثر تأثيرًا هو رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، فجبيل مسقط رأسه ويقال إنه من اليوم باتت له الكلمة المرجحة فيها، وله أصدقاء كثر وأقوياء في كسروان ومجرد تحالفهم أو تنسيقهم مع قوى 14 آذار يجعل فوز العونيين فيها مسألة صعبة . وأما في المتن الشمالي فإن التحالف بين النائب ميشال المر والكتائب والقواتquot; أصبح منتهيًا وهذا التحالف يهدد حظوظ الجنرال عون في نيل أي من مقاعد هذه الدائرة الثمانية حتى لو صبت له أصوات حزب الطاشناق الأرمني والحزب السوري القومي الإجتماعي.

وفي الأشرفية سيتنافس عون على المقاعد الخمسة مع تحالف الكتائب والقوات وبقية قوى 14 آذار، ولهذه الدائرة رمزيتها الشديدة لأنها تحدد من يمسك قرار مسيحيي العاصمة. ويضيف الخبراء إن معركة جبل لبنان الجنوبي وخصوصًا قضاء بعبدا ستكون هي أيضًا معركة أساسية . وتقديرات عون انه قادر على الفوز بسهولة في هذا القضاء حيث ينوي أن يترشح على ما يتردد لأن فيه بلدته حارة حريك. ويأمل عون بأن يكون هذا الترشيح دافعًا لكسب بعبدا لعلمهأن لا معركة حقيقية في قضاءي الشوف وعاليه حيث يتوقع للنائب جنبلاط ومسيحيي 14 آذار ان يفوزوا بكل المقاعد.

ويعتمد quot;التيار العونيquot; على كتلة شعبية شيعية في قضاء جزين تدعم حضوره الوازن نسبيًا هناك ، أما في دائرة زحلة المتنوعة طائفيًا ومذهبيًا فينتظر وحليفه النائب ايلي سكاف معركة قوية خسرا في التحضير لها جزءًا مهمًا من أصوات المسيحيين ، وكل تعويلهما للتعويض على الصوت الشيعي الموالي لحزب الله وحركة أمل.