نضال وتد من تل أبيب: مع دخول الحرب على غزة أسبوعها الثالث واصلت الصحافة الإسرائيلية، تغطيتها للحرب وفق تعليمات الناطق العسكري للجيش الإسرائيلي، فلا صور ولا ذكر للكارثة الإنسانية في غزة، ولا تقارير أو أخبار عن عدد القتلى والجرحى في الجانب الفلسطيني، بل كم هائل من صور الجنود والقادة العسكريين والأخبار التي تدخل في سياق التعبئة الشعبية المناصرة للجيش وللحرب على غزة، مثل نشر أخبار لأفراد أسر الجنود وهم يأتون لزيارة quot;رب الأسرةquot; على الجبهة( كما هو الحال في معاريف، ، وخبر عن قيام قائد سلاح الجو الإسرائيلي، عيدو نحوشتان بضرب مثال لجنوده في سلاح الجو عبر مشاركته في القصف الجوي (كما فعلت يديعوت أحرونوت) مع إبراز لموقف الجيش المطالب بتوسيع العمليات البرية وإطلاق المرحلة الثالثة منها التي تتضمن احتلال أجزاء من غزة، مع نشر صور quot;بجرحى إسرائيليين من المدنيين على جانب جنود جرحى في المستشفيات، وكل ذلك في إطار تجند الإعلام الإسرائيلي في المعركة كعبرة من عبر حرب تموز لمنع ضرب الروح المعنوية سواء لدى الجيش الإسرائيلي أم لدى الجبهة الداخلية المدنية.
وإلى جانب هذه الأخبار quot;المشجعةquot; للروح المعنوية الإسرائيلية، واصل المحللون العسكريون تقديم المزيد من تحليلاتهم quot;الموثِقة لإنجازات الجيشquot;. ففي يديعوت أحرونوت، كتب المحلل العسكري أليكس فيشمان تحت عنوان quot;مفاجأة لحماسquot; إن قادة حماس لا يدركون حجم الضربة التي تلقوها، فعندما يأتي الوقت ويغادر إسماعيل هنية مخبأه ويخرج إلى النور سيكتشف حجم الدمار والهدمquot;.
quot;سيلتقي هنية بجمهور فلسطيني موجوع وثاكل سيسأل عن وجهته ومن سيرمم ويعيد إعمار ما تهدم، فقد أوضحت هجمات وضربات الجيش الإسرائيلي عمق اختراق المخابرات الإسرائيلية لجهاز الحركة، ودقة وصحة المعلومات التي جمعها. لكن كل الإنجازات العسكرية قد تتبخر إذا quot;علقنا quot; في غزة دون قرار ودون هدف.quot;
وبعد ان يشير فيشمان إلى أن القيادة الإيرانية لم توقف ضغوطها على حماس لجهة عدم وقف المواجهة مع إسرائيل، ينتقل فيشمان ليعترف أن الجيش الإسرائيلي: quot; يقف اليوم في موقف حرج، وبرما الخطر منذ بدء القتال، فالقوات النظامية تراوح في مكانها وهي تدير في الواقع حرب استنزاف ، فيما نتقل الجيش الاحتياطي لحالة انتظار لفترة غير محددة، وشكل قرار المجلس الوزاري الأمني السياسي بعدم اتخاذ قرار بشأن المرحلة القادمة، بمثابة خلل يبعث على القلق، فكل ما يحدث في أرض الميدان حاليا لا يساهم في تحقيق أهداف الحملة بل على العكس من ذلك ففي مثل هذه الظروف التي يقوم بها الجيش بنحو أربعين غارة، مع توقف لعدة ساعات، فإنه يمكن حماس عمليا من الصمود والقتال وإطلاق الصواريخ لفترة طويلة فيما سنواصل الدفع الثمن المتمثل بالمزيد من الجرحى وتآكل الإنجازات العسكريةquot;.
ويرى فيشمان أن المراوحة في المكان بانتظار تسوية سياسية من شأنه أن يكون مصيدة خطيرة تدخلها إسرائيل بعيون مفتوحة، معتبرا أن نجاح المبادرة المصرية في ظل الشروط الراهنة، سيكون معجزة ليس فقط من الناحية الدبلوماسية وإنما أيضا معجزة هندسية، تتمثل في quot;تربيع الدائرةquot; كما يقول التعبير العبري. في غضون ذلك بمقدور الجيش مع بعض الجهد الإعلان عن تحقيق الأهداف الاستراتيجية التي وضعت له وفي مقدمتها إضعاف حماس وخلق واقع أمني جديد في الجنوب. معتبرا ذالك تغيير في الوعي لاسيما بعد أن يعدد فيشمان الخسائر والضربات التي تلقتها حماس بدءا بحجم الدمار والهدم، ومرورا بعدد الضحايا الذي تكبدته الحركة ونفاذ مخزونها من الأسلحة وعدم قدرتها على الحصول على المزيد من الوسائل القتالية، لكن هذه الإنجازات كلها قد تضيع في حال لم تتخذ الحكومة قرار حازما وتحسم أمرها، فالسياسيون عندنا اليوم، يقول فيشمان: quot;يدرسون كل كلمة، ويتحدثون في الجلسات بحذر وعيونهم على ما ستقوله لجنة التحقيق القادمة. وإذا استمر كل واحد من الثلاثي القائد (أولمرت وبراك وليفني) بانتظار صدور الاقتراح الجريء عن غيره حتى يتسنى إلقاء المسؤولية عليه في حالة الفشل فإننا سنبقى في ورطةquot;.
أما المحلل العسكري والاستراتيجي، في معاريف، عوفر شيلح ففضل أن يكتب عن التطورات الأخيرة تحت عنوان quot;لعبة بوكرquot;، ليقول إن عددا غير قليل من الوزراء الذين أقروا في جلسة المجلس الوزاري السياسي الأمني، الجمعة رفض قرار مجلس الأمن، لاقوا صعوبة في الإشارة إلى جوانب سلبية سيئة لإسرائيل في القرار المذكور، فهم مستعدون للقبول بكثير من شروط القرار ولكنهم يرفضون أن يتم فرض القرار على إسرائيل. إسرائيل لم تقرر بعد ما هو الجيد لها لكنها ترفض أن يقرر الآخرون لها ذلك.
واعتبر شيلح أنه مع بدء الأسبوع الثالث للحرب على غزة فإن الوضع الحالي هو أشبه بلعبة البوكر حيث ينتظر كل واحد من اللاعبين أن يقذف اللاعب الآخر، أو يكشف عن أوراقه قبله. فحماس تعلن رفضها الاستسلام، أملا بحدوث تطور إيجابي ينقذها ويسمح لها بإعلان الانتصار. أما مصر فإنها تسارع إلى quot;تناول حبات الكستناء المشتعلة بين الأياديquot; عبر إعلانها عن استعدادها تولي مسؤولية منع تهريب الأسلحة على غزة، فيما تواصل إسرائيل التهديد بالمرحلة الثالثة من العملية التي شرحت مدلولاتها للوزارء من قبل وزير الأمن، وهم يعرفون آن وزير الأمن ورئيس أركان الجيش لا يرغبون بالوصول لهذه المرحلة. quot;
في غضون ذلك يرى شيلح أن الوزراء والأحزاب تقوم بتوظيف الحرب في المعركة الانتخابية. quot;احتلال غزة أو جزء منها، هو تطلع لا يخفيه بعض الوزراء، ويراود الآخرون حلم يفتقر إلى أساس واقعي، باعتقال زعيم رفيع المستوى للقول بأن العملية كانت مجدية في نهاية المطاف، ومع ذلك فإن أحدا منهم لا يرغب بالمجاهرة بذلك، فالزعماء عندنا لا ينظرون على الأمور من منظور ما يجب القيام به فحسب، بل وأيضا من منظور صورتهم وانعكاسها في اليوم الذي يلي العملية، عشية الانتخاباتquot;.
ويرى شيلح مثلا أنه لا يمكن التمييز بين ما يريده براك وما تريده ليفني فكلاهما لا يريد أن يغرق في الوحل، وهما يحتاجان بعضهما لتمرير أي شيء عند الجمهور؛ كالتوصل على تفاهمات مع المصريين أو الحصول على مزيد منم الدعم الأمريكي، شيء ما يمكنهما من إنهاء العمليات قبل أن تتدحرج نحو المراحل القادمة، صحيح أن ليفني سجلت لصالحها فشل منع قرار مجلس الأمن، لكن براك يعرف مدى هشاشة التفوق والتأييد الذي حظي به، والاثنان معا يدركان أنه إذا لم يقفا معا في مواجهة أولمرت فإن الأخير لن يفعل شيئا يحول دون الوغل عميقا في القطاع.
بعد ذلك ينتقل شيلح ليشير إلى تصريحات ضباط كبار عن محو quot;ألوية بأكملهاquot;، مع تصريح ضابط كبير آخر اعتبر هذه quot;التصريحات كاذبة وهو ما يدل على حالة من الضغظ والضيقquot;، وكأننا لم نسمع مثل هذه التصريحات في حرب تموز عن محو ألوية حزب الله، ليرى شيلح ، رافضا في الوقت ذاته اتهام الضباط بالكذب، أن المرحلة الحالية، الآن وبعد ان ردت إسرائيل الصاع لحماس، فإن الحرب الآن هي اليوم على الرأي العام الإسرائيلي، بدرجة لا تقل عما نريد أن تدركه حماس والعالم. والسياسيون الذين يرغبون بإنهاء العمليات يفتقدون إلى الشجاعة للتوحد ضد موقف رئيس الحكومة الذي يترف وكأنه مراقب وليس زعيما شيلح خلص هو الآخر إلى القول إنه لا بد من الحسم وأن كل يوم آخر يمر دون حسم يفضي ويقربنا من الحدث، الحادث، المفاجئ الذي سيحدد في نهاية المطاف ما الذي سيحدثquot;..