في تطور قد يرسم منحنى جديداً في شكل السياسة التي تتبعها واشنطن مع الأميركيين المسلمين في مختلف الولايات المتحدة، تفيد اليوم تقارير صحافية بأن إدارة الرئيس باراك أوباما خلصت أخيرا ً إلى وجود تهديد متنام فيما يعرف بـ quot;التطرف المحليquot;، وذلك على خلفية الحوادث الإرهابية التي تورط بها مسلمون خلال الآونة الأخيرة على الأراضي الأميركية. وعبر تقرير مطول لها، تنقل صحيفة quot;لوس أنغليس تايمزquot; في عددها الصادر اليوم تأكيدات عن مجموعة من الخبراء والمسؤولين المتخصصين في مكافحة الإرهاب تفيد بأن عام 2009 هو العام الأخطر منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001.

هناك إشارات تدل بالفعل على حقيقة انتشار مشاعر التطرف بين المسلمين الأميركيين بخطى سريعة، تدفعها موجة دعاية على الانترنت باللغة الإنكليزية، تتمثل في الرحلات التي يقوم بها المقاتلين الطموحين إلى مناطق ساخنة منها الصومال وباكستان. وفي هذا الإطار، يشير الخبراء العاملون في مجال مكافحة الإرهاب إلى أنه وفي الوقت الذي ظلت فيه القارة الأوروبية جبهة أمامية وهدفا ً لوابل من الهجمات المتتالية والمؤامرات الكبرى، كانت الأمور هادئة نوعا ً ما بالنسبة للولايات المتحدة. لكن الأمور اختلفت الآن، نتيجة عدد وتنوع وحجم الجرائم التي شهدتها الولايات المتحدة خلال الآونة الأخيرة، حيث أضحى عام 2009 هو العام الأخطر على الصعيد الداخلي منذ العام 2001، بحسب تقديرات المحللين والخبراء.

وسردت عنهم الصحيفة في هذا الشأن حديثهم عن سلسلة الإجراءات الأمنية التي بادرت مختلف أجهزة الأمن الأميركية في انتهاجها على مدار العام لمواجهة الإرهاب، فيشيروا إلى حملات الاعتقال الواسعة التي شملت أميركيين تم اتهامهم بالتآمر مع القاعدة وحلفائها، من ضمنهم مواطن أميركي من أصول أفغانية، وقد وُجِهت إليه أصابع الاتهام في مؤامرة تفجير بنيويورك، وُصِفت بأنها التهديد الأكثر خطورة في البلاد منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر. ولفتوا أيضا ً إلى قيام السلطات بتقفي أثر عدد آخر من المشتبه في انتمائهم لتنظيمات إرهابية ويتبعون شبكات أجنبية، ومنهم الأميركيون ذوي الأصول الصومالية الذين يذهبون لساحات قتال آبائهم وأجدادهم، وكذلك مواطن أميركي من أصل ألباني من بروكلين، ألقى القبض عليه في كوسوفو.

وينوه الخبراء كذلك للحصار الذي فرضه مكتب التحقيقات الفيدرالي FBI خلال الأشهر القليلة الماضية على مجموعة من المشتبه بضلوعهم في الإرهاب الداخلي بكل من دالاس، وديترويت، ورالي ( نورث كارولاينا )، حيث ساهم ذلك في إحباط عدة مؤامرات كانت تستهدف معبد، ومباني حكومية، ومنشآت عسكرية. كما يلفتون للتصريحات القوية التي أطلقتها وزيرة الأمن الداخلي، جانيت نابوليتانو، عن تهديدات الإرهاب الداخلي في كلمة ألقتها الأسبوع الماضي بنيويورك، وقالت فيها :quot; لقد شاهدنا هنا أعدادا ً متزايدة من الاعتقالات لأفراد أميركيين يشتبه في أنهم كانوا يخططون للقيام بهجمات إرهابية، أو يدعمون الجماعات الإرهابية الموجودة في الخارج مثل تنظيم القاعدة. يتواجد هنا الإرهاب الداخلي. وشأنه شأن الإرهاب العنيف بالخارج، سيكون جزءا ً من صورة التهديد الذي يتوجب علينا أن نواجهه الآنquot;.

وفي السياق ذاته، تؤكد الصحيفة على أن الميول المتطرفة في بعض الجرائم التي وقعت عام 2009 كانت ميول مشبوهة، بينما لم تكن دوافع مرتكبوها معروفة. وتدلل على ذلك بالمجزرة التي ارتكبها الشهر الماضي الميجور الأميركي ذوي الأصول الفلسطينية، نضال مالك حسن، في قاعدة فورت هود بولاية تكساس، وراح ضحيتها 45 شخصا ً ما بين جريح وقتيل، حيث تقول إنه كان يعاني على ما يبدو من اضطرابات عاطفية. لكن ومن خلال المقابلات التي أجريت معه، تبين للخبراء والمسؤولين أن معتقداته الإسلامية كانت الدافع المزعوم الذي اقتاده لتنفيذ فعلته. كما تشير الصحيفة إلى حادث تبادل إطلاق النار الذي وقع في حزيران/ يونيو الماضي على يد أميركي معتنق للإسلام بأحد مراكز التجنيد في ولاية اركنسو، أسفر عن مقتل جندي وإصابة آخر.

وتنقل الصحيفة هنا عن وزير الأمن الداخلي السابق، مايكل تشيرتوف، قوله :quot; نرى الآن الطيف الكامل للتهديدات التي نواجهها في الإرهابquot;. ويقول سيلبر ميتشل، مدير التحليل بشعبة الاستخبارات التابعة لدائرة شرطة نيويورك :quot; يحدث التطرف بوضوح في الولايات المتحدة. ففي السنوات الماضية، لم يكن بإمكانك أن تقول ذلك عن الولايات المتحدة، بل كان بإمكانك أن تقوله عن أوروباquot;. أما زينو باران، الباحث في معهد هدسون البحثي بواشنطن، فيقول :quot; يركز الناس على الفكرة التي تقول إننا مختلفون، وأننا أفضل من أوروبا فيما يتعلق بمسألة الاندماج مع المسلمين. لكن هناك تطرفا ً ndash; وبخاصة بين المتحولين إلى الديانة الإسلامية والوافدين الجدد، مثلما تبين القضية الصومالية. وأعتقد أن الشباب المسلمين في الولايات المتحدة معرضون اليوم للتطرف شأنهم شأن المسلمين الموجودين في أوروباquot;. فيما يقول ماثيو ليفت، مسؤول مكافحة الإرهاب السابق بوزارة الخزانة والملتحق حاليا ً بمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى :quot; لم نفعل ما يكفي لدعم سبل مواجهة هذا الخطر. والنقطة الهامة هنا هي محاصرة المتطرفين والاعتراض على أيديولوجياتهم المتطرفةquot;.