طلال سلامة من روما: قام القانون الصادر لمكافحة ظاهرة الاعتداءات الجنسية بتسريع تأسيس العشرات من دوريات المتطوعين، في عدة بلديات ايطالية، تقتصر مهامها حصراً quot;نظرياًquot; على إبلاغ الشرطة حول كل ما هو مشتبه به. بيد أن الخطر المحدق بهذا القانون قد يمهد الطريق أمام عدد من الأحزاب كي تضع يدها عليه. بالفعل، يوجد عدد من هذه الدوريات التي تتمتع بلون سياسي ينتمي أساساً الى حزب رابطة الشمال ثم حزب الاتحاد الوطني اليميني وحزب اليمين المتشدد التابع لوزير صحة سابق، في ولاية برلسكوني السابقة. بمعنى آخر فان الراية اليمينية ترفرف عالياً فوق تنظيم هذه الدوريات التي تقلق الجمعية الوطنية لموظفي الشرطة. فالخطر بنظرها يكمن في تسييس الأمن بصورة قد تقترب أحياناً من ذلك المطبق في العهد الفاشستي. وهذا ما قد يحول المحافظة على أمن الشوارع الى كابوس يقع على رأس أجهزة الشرطة أولاً وأخيراً.

صحيح أن دوريات المتطوعين لن تكون مسلحة، كما يقتضي به هذا القانون، إنما هناك العديد من البدائل للأسلحة النارية التي يمكن للمتطوعين حملها من دون ترخيص(كما الرذاذ الحارق) دفاعاً عن أنفسهم. ويكفي إشعال أي شرارة كلامية بينهم وبين مجموعة من المهاجرين أم الغجر كي تتحول مراقبة الأمن الداخلي الى عمليات تصفية حسابات عشوائية لن تتحمل إلا الشرطة والبرلمان الإيطالي عقوباتها الوخيمة.

في الحقيقة، فان تسيير دوريات المتطوعين في شوارع المدن الإيطالية الكبرى شاذة بعض الشيء، فمعظم العواصم الأوروبية، من باريس وبرلين الى أمستردام ومدريد، خالية من هذه العقيدة(لا بل العقدة وربما التعقيد) الأمنية. علاوة على ذلك، فان الجاليات الأجنبية المقيمة في هذه العواصم أكبر من تلك المقيمة على الأراضي الإيطالية. مع ذلك، فإننا لم نر أي دورية أمنية تجوب شوارعها!

في هذا الصدد، فان للمعارضة وحتى بعض شرائح الائتلاف الحاكم بقيادة برلسكوني الحق في مطالبة حكومة روما بتسخير هذه اليد العاملة المتطوعة، التي تعمل ليلاً خاصة، لمساعدة المسنين والمحتاجين. إنما يبدو أنه فات الأوان من أجل إعادة النظر بطبيعة هذه الدوريات(التي تقترب أكثر الى الهوس الأمني وروح الانتقام مبتعدة بالتالي عن سلوك الإنسانية والدمج الاجتماعي الأوروبي). فشمال ايطاليا سُحر بها ويبدو أن علم الأمن الوطني بات يغري الأحزاب أكثر من المواطنين.