تصريحات إعلامية تثير جدلا واسعا في الولايات المتحدة
محافظو أميركا يثورون على الرئيس

روش ليمبو

واشنطن: أثار روش ليمبو كعادته في برنامجه quot;The Rush Limbaugh Showquot;، الذي يُعد من أشهر البرامج الحوارية الإذاعية شهرة على امتداد الولايات المتحدة، والذي يتمتع بنسبة مشاهدة كبيرة تبلع أكثر من عشرين مليون مستمع، خلال الأسبوع المنصرم عاصفة من الجدل المحتدم في الساحة السياسية الأميركية، بعد الخطاب الذي ألقاه أمام المؤتمر السنوي الذي يجمع صفوة من أبرز ناشطي التيار المحافظ في الولايات المتحدة الأميركية تحت مسمىConservative Political Action Conference.

فقد قال ليمبو، الذي يُعد نجم المحافظين الأول، والشخصية الأبرز في الحزب الجمهوري في الوقت الحالي، والقوة الفكرية وصوت الحزب ومصدر طاقته على حد وصف رام إيمانويل، كبير موظفي البيت الأبيض في إدارة الرئيس باراك أوباما، في أول خطاب متلفز له على المستوى القومي: إنه يتمنى أن يفشل الرئيس باراك أوباما، في إشارة إلى خطط الرئيس الديمقراطي لمواجهة الأزمة الاقتصادية.

هذه الكلمات أثارت غضب كثيرٍ من الديمقراطيين الذين أكدوا في بيان أصدرته اللجنة القومية للحزب أن ما أدلى به ليمبو يؤكد أنه القوة الأبرز في الحزب الجمهوري. هذا الجدل المحتدم حول هذه التصريحات كانت محل تركيز وسائل الإعلام خلال الأسبوع الماضي، التي حاولت تقصي مختلف الأحوال المرتبطة بهذه التصريحات، ومدى تأثيرها، وهل من الملائم أن تصدر هذه التصريحات عن شخصية بارزة مثل ليمبو؟


الولايات المتحدة تنهار

بسبب الجدل الذي أثارته هذه التصريحات قدم ليمبو في برنامجه عددًا من التحليلات والتعليقات على خطابه، ففي البداية أشار إلى أن ترشيح الرئيس باراك أوباما حاكمة ولاية كنساس كاثلين سيبيليس لتشغل منصب وزيرة الصحة والخدمات الإنسانية - هذا المنصب الذي اعتذر عن شغله توم دال بعد اتهامات متعلقة بسجله الضريبي - يعد خطأً كبيرًا، على اعتبار أن سيبيليس رفضت من خلال منصبها طلب دافعي الضرائب باسترداد أموال الضرائب الزائدة والتي دفعوها للولاية، ومن ثم دفع هذا الأمر المذيع الشهير إلى التساؤل حول مدى إمكانية أن يكون أوباما هو ذلك الرجل القادر على إنقاذ الاقتصاد الأميركي من أزمته.

وانتقل ليمبو إلى انتقاد تفاصيل خطة الإنقاذ الاقتصادي، التي طرحتها الإدارة الأميركية خاصة تلك الجوانب المتعلقة بالضرائب، حيث لفت الانتباه إلى أن أولئك الذين لديهم القدرة على تشغيل الأفراد وتوفير الوظائف لهم، يبدو كأنهم أعداء الرئيس الأميركي، فهؤلاء باتوا يدركون تماما أن الضرائب المستحقة عليهم، سوف ترتفع كثيرًا خلال الفترة المقبلة، ومن ثم سيحجمون عن القيام بأي استثمار جديد في الاقتصاد، لأنهم يرون أن الاقتصاد ينهار، وقد دخل مرحلة ركود سوف تستمر لفترة من الزمن، ومن ثم لن يكون هناك مستهلكون للبضائع والمنتجات التي يقومون باستثمار أموالهم فيها، هذه الحالة المتأزمة ndash; كما يرى ليمبو ndash; يجب أن تدفع الأميركيين إلى أن يسألوا أنفسهم كيف لمثل هذه السياسات ndash; التي طرحها أوباما ndash; أن تضمن أن يحصل الأميركيون علي وظائف جديدة خلال العام أو العامين القادمين، تعوضهم عن تلك الوظائف التي فقدوها جراء الأزمة التي تعصف بالاقتصاد، فأوباما كما يشير لا يهتم مطلقًا بأن يحصل المواطن الأميركي على وظائف تكفل له العيش الكريم في أي وقت، ولكن كل ما يريد القيام به في الوقت الحالي هو أن يجعل الأميركيين يعتقدون بأن الاقتصاد الأميركي ينهار في الوقت الحالي، ومن ثم فإن سياساته وخططه هي الكفيلة بإنقاذ الاقتصاد.

وعلى الصعيد نفسه أكد المذيع اللامع أنه إذا نظرنا إلى الولايات المتحدة في الوقت الحالي فإننا نجد أنها تنهار أمام أعيننا، تنهار كل يوم عندما نسمع عن أعداد متزايدة من الأميركيين يفقدون وظائفهم، عندما تنتشر أخبار انهيار الأسواق المالية والبورصة في وول ستريت، عندما تخطط الحكومة الفيدرالية إلى رفع معدل الضرائب على أعمال أولئك الذين من المفترض فيهم أن يقودوا مسيرة إعادة الأمور إلى نصابها في الاقتصاد من خلال خلق مزيدٍ من الوظائف، ومن ثم يتوصل ليمبو إلى خلاصة مهمة مفادها أن الشخص الذي يخاطر الآن بمستقبل الولايات المتحدة هو رئيسها، فمنذ أن تم انتخاب أوباما لهذا المنصب على سبيل المثال انخفضت البورصة بصورة كبيرة.

ولفت ليمبو الانتباه إلى أنه بدلاً من أن تقوم الإدارة الأميركية بوضع مجموعة من السياسات الصائبة لمواجهة هذه الأزمة، اكتفت بخطة الحوافز التي قدمتها واستطاعت تمريرها من الكونغرس، ولم تكتف بذلك بل أعلن البيت الأبيض أنه سوف ينتقل بعد ذلك خلال المرحلة القادمة لإصلاح أحوال نظام الرعاية الصحية، الذي يعاني كثيرًا من المشاكل، وبينما في الواقع تقوم الإدارة بكل ما هو معوق لإصلاح الأوضاع المتأزمة في الولايات المتحدة، وتكتفي بإحالة كل المشاكل والأزمات الحالية على فترة حكم الرئيس الأميركي الأسبق جورج دبليو بوش، وتوجيه اللوم إلى سياسات الحزب الجمهوري وإلى الطريقة التي أسست بها الولايات المتحدة الأميركية وإلى الرأسمالية، ومن ثم فإن الحل من وجهة نظر الحكومة الأميركية، هو مزيد من الإنفاق - يراه ليمبو - سوف يكون على حساب حريات الأميركيين، وعلى مستوى الرخاء الاقتصادي الذي يجب أن يعيشوه.

وفى هذا السياق عرض البرنامج مداخلة تليفونية مع أحد المستمعين، أكد ليمبو في بدايتها أن الولايات المتحدة لم تشف بعد من الجراح العميقة التي تركتها أحداث الحادي عشر من سبتمبر على البلاد، وما تزال تأثيرات هذه الجراح حية مشاهدة أمام العيان عندما يتجدد الهجوم على رئيسنا جورج دبليو بوش ndash; على حد وصف ليمبو ndash; وتشويه سمعته، وهو ليس هجومًا على سياسات بوش فقط، ولكنه هجوم أيضًا على شخصه وسمعته، وعلى سمعة عائلته أمام الرأي العام، وأكد ليمبو أنه مع مجيء الرئيس الجديد تمنى أن ينتهي كل هذا الهجوم، ولكنه استمر، بل تم شن الهجوم عليه، لأنه فقط عبَّر عن آرائه ومعتقداته، ومن جانبه أكد المتصل أن هذا الهجوم سوف يستمر ويعلو ضجيجه أكثر وأكثر خلال الفترة القادمة.


ليمبو ليس مخطئًا

من جانبه تناول برنامج Anderson Cooper 360 Degree بتحليل مختلف المواقف من التصريحات التي أدلى بها ليمبو، وفي هذا السياق استضاف البرنامج كلا من المحلل السياسي البارز رولاند مارتن في شبكة CNN، ورئيس مجلس أبحاث الأسرة توني بيركن، وديفيد جيرجن أستاذ الخدمة العامة في جامعة هارفارد، وتعليقًا على مدى ملاءمة أن يدلي الإعلامي الشهير بهذه التصريحات، أكد جيرجن أنه سمع كامل التصريحات والكلمات التي أدلى بها ليمبو ووجد أنها مألوفة الحدوث، عندما يكون تيار ما موجودا في صفوف المعارضة، فهو لم يقل شيئًا مستغربًا، ولكن الحزب الديمقراطي وقادته انتقدوها بشدة دون مبرر، فمنذ أيام قليلة قال عنه جيمس كارفيل ndash; المستشار السياسي البارز والذي أشرف على الحملة الانتخابية للرئيس الأسبق بيل كلينتون - إنه ملك الحزب الجمهوري، ووصفه رام إيمانويل بمثل ما فعل كارفيل، واعتبر جيرجن أن الاعتذار الذي قدمه رئيس الحزب الجمهوري عن انتقاداته للتصريحات التي صدرت عن ليمبو، كان بمثابة خطأٍ فادحٍ لأنه وقع في الشرك الذي نصبه الحزب الديمقراطي، وجعل الحزب يتحمل تبعات خطأ لم يرتكب حقيقةً.

وعلى الجانب الآخر أكد رولاند مارتن أنه يجب أن نأخذ في الحسبان حقيقة أن ليمبو هو معلق إذاعي في الراديو، ويقدم أحد البرامج الحوارية الشهيرة في البلاد، ومن ثم فإن لديه كل الحق في قول ما يشاء، ولكنه أكد أن الأمر يختلف كليا عندما نكون في ساحة السياسة والحكم والمناصب العامة، فعندما يكون الشخص مثلاً عضوًا في الكونغرس أو في أي منصب عام، لا يحب أن تصدر مثل تلك التصريحات والكلمات على لسان هؤلاء المسؤولين، ولكن ليمبو لا يحتل منصبًا عامًا وهذه هي وجهة نظره.


فراغ سياسي في الحزب الجمهوري

أما بيركنز فقد أكد أن الناس تريد أن ينجح أوباما في اتباع السياسات الملائمة لمواجهة الأزمة التي يعيشها الاقتصاد الأميركي، ولكن السؤال هو : ما الأجندة التي يريدها هؤلاء الناس والتي يريدون أن يكتب لها النجاح؟ وما الأجندة والسياسات التي لا يريدون لها النجاح؟ وتعليقا على ما قام به مايكل ستيل من اعتذار قدمه إلى ليمبو عن انتقاداته له، حيث وصفه في مقابلة مع شبكة CNN بأنه شخص يعمل على تسلية الآخرين، يشير إلى الحقيقة القديمة التي تؤكد ضرورة عدم استعداء أي شخص يمتلك منبرًا، من خلاله يتمكن من الحديث إلى الملايين من الناس، ولكن موقف ليمبو يعتبر متسقًا مع موقف القاعدة العريضة من المحافظين داخل الحزب الجمهوري أكثر من موقف قادة الحزب أنفسهم، فهو إن كان نظريًا لا يعتبر قائد الحزب، إلا أن الواقع يشير إلى أنه يملك أن يكون هذا القائد، فهو يستمع ويتكلم عن كل الموضوعات التي تعتبر موضع اهتمام التيار المحافظ، فهو إن كان يُعبر عن الجانب الترفيهي من خلال برنامجه ذائع الصيت، إلا أنه يفهم السياسة تمامًا، واستطاع أن يدمج كل هذا أفكاره ومهارته لتترك أثرًا ما على الولايات المتحدة، ومن ثم فهو رجل معترف به من جانب المحافظين، فهم يعرفونه جيدًا وهو يعي أفكارهم جيدًا باعتباره واحدًا منهم.

أما عن إمكانية أن نعتبر ستيل هو القائد الفعلي للحزب الجمهوري، أكد جيرجن أنه ليس كذلك، ولكنه صوتٌ مهمٌّ داخل الحزب لا يمكن التغاضي عن مركزه وثقله، وهو كذلك منذ سنوات وليس من الآن، ولكن شخصيات مثله لا يمكن أن تمثل الحزب الجمهوري، الذي يعاني فراغا قياديا منذ فترة ليست بالقصيرة، فالحزب في حاجة إلى رجل أفكار، يستطيع أن يحدث نقلة نوعية داخل الحزب، رجل مثل نوت جينجريتش، الذي استطاع في بداية عقد التسعينات من القرن الماضي أن يحدث تغييرًا حقيقيًّا في الحزب من خلال مجموعة من الأفكار التي طرحها آنذاك، هذا الفراغ لم يمكّن الجمهوريين من التوصل إلى أجندة متسقة، يتمكنون من خلالها من مواجهة الخطط والسياسات التي طرحها الرئيس الأميركي باراك أوباما.