المحامون يتحدثون عن خروقات قانونية وعن توظيف سياسي يستهدف الإعلام الحرّ
quot;الموقفquot; التونسية تقاطع المحكمة وتطعن في استقلالية القضاء

quot;إيلافquot; من تونس: أعلن محامو صحيفة quot;الموقفquot; التونسية المعارضة اليوم انسحاب هيئة الدفاع عن الصحيفة في ما بات يعرف بقضايا الزيت الفاسد ومقاطعة جلسات المحكمة وذلك في ندوة صحافية عقدتها هيئة تحرير الصحيفة بالاشتراك مع فريق الدفاع.

وطعن محامو الصحيفة و مسؤولوها في حيادية المحكمة و تحدثوا عن quot;توظيف سياسي يستهدف معاداة الإعلام الحرّquot;. وقال المحامي أحمد نجيب الشابي المدير المسؤول للصحيفة خلال المؤتمر الصحافي الذي عقد بمقرّ الجريدة :quot; حين قبلنا بالمثول أمام القضاء لم يكن يساورنا شك حول حياده لكننا كنا واثقين من أنفسنا ومعولين على كشف الحقائق أمام العموم، غير أن ما اتّسمت به أعمال هيئة المحكمة من انحياز ومن خرق مفضوح للقوانين والإجراءات تجعلنا نوقن بأن حكمها بالإدانة لا ينتظر سوى الظرف السياسي المواتي لإعلانه، مما يجعل تمادينا على الحضور أمامها مشاركة منا في هذا الإخراج لذلك قررنا، بعد التشاور مع محاميينا، الانسحاب من هذه القضية وإحالة أوراقها وملابساتها على الرأي العام وعلى الشعب الذي تصدر الهيئات القضائية أحكامها باسمهquot;.

وقال العميد السابق للمحامين التونسيين عبد الستار بن موسى وهو أحد محامي الصحيفة في المحاكمة التي أثارت الرأي العام في تونس كونها تستهدف واحدا من ابرز العناوين المعارضة وأكثرها جرأة في طرح القضايا السياسية و الاجتماعية أنّ quot;أياد خفية تحرك هذه الشركات للزج بها في معركة تستهدف الإعلام الحرّ ووظيفتنا كمحاميين الدفاع عن حرية الصحافة في بلادنا و لكن التجاوزات التي حصلت خلال التسع جلسات الماضية أجبرتنا و بعد الاتفاق مع المتهمين في قضية الحال وهما المدير المسؤول للموقف ورئيس تحريرها إلى الانسحاب نهائيا وعدم حضور بقية أطوار هذه المحاكمةquot;.

وتعود جذور محاكمة صحيفة quot;الموقفquot; إلى مايو من العام 2008 حينما رفعت خمس شركات لتعليب زيت المائدة ضد المدير المسؤول عن quot;الموقفquot; و رئيس تحريرها دعاوى قضائية تطالب بالتعويض لتلك الشركات عما لحقها من أضرار مادية ومعنوية بسبب افتتاحية نشرت بتاريخ 4 ابريل من العام الماضي.

وكتب رشيد خشانة رئيس تحرير الموقف ومدير مكتب صحيفة الحياة اللندنية بتونس تعليقا على خبر صدر يوم 30 آذار 2008 بجريدة quot;الخبرquot; الجزائرية ذكر فيه أن المصالح التجارية بالجزائر حجزت زيت تونسي اتضح بعد تحليله أنه يحتوي على مواد سامة وطالبت خشانة السلطة التونسية quot;بفتح تحقيق حول الموضوع لما له من خطورة على صحة المواطنين وعلى سمعة البلاد في الأسواق الخارجية وبتشريك هيئات المجتمع المدني في التحقيقquot;.

شركات الزيت المدعية اعتبرت المقال الافتتاحي مضرّا بها وبسمعتها التجارية و تقول إنه تسبب في نقص في المبيعات وطلبت من المحكمة تقديره والحكم بالتعويض عنه.

و تأجلت المحاكمة حسب محامين ومصادر قضائية أكثر من تسع مرات وعينت المحكمة منذ الجلسة الأولى خبيرا لتقييم الأضرار لكنه لم يقدم تقريره إلى حدّ اليوم وهو ما اعتبره محامو الصحيفة quot;مخالفا للقانون الذي يلزمه بتقديمه في ظرف 3 أشهر فقط ،و حين يكون التأخير لأسباب مبررة يمدّد له لمرة وحيدة و تضاف للخبير ثلاثة اشهر أخرى ، لكن ذلك لم يحصل في قضية الحال التي تكاد تغلق سنتها الأولى.

ويقول احمد نجيب الشابي :quot;على الرغم من أن هذه الدعاوى جاءت مجردة عن أدنى حجة أو قرينة تفيد وجود الضرر المزعوم ووجود أدنى علاقة سببية مباشرة بينه (في صورة ثبوته) وبين المقال الذي لم يشر إليها أصلا، وعلى الرغم من أن هذه الشركات أسست دعاويها على فصول مجلة الصحافة التي تنص في فصلها 72 على quot; أن التتبعات في الجنايات والجنح المرتكبة بواسطة الصحافة...يتم إجراؤها وجوبا بطلب من النيابة العموميةquot;، وعلى الرغم من أن القانون المدني والقانون الجزائي في تونس يفترضان سوء النية لقيام جنحة أو شبه جنحة الثلب وعلى أن حسن النية مفترضة في الإنسان حتى يثبت خلافه، بالرغم من كل ذلك فقد استجابت هيئة المحكمة لطلب تسمية خبير لتقدير المضرة المزعومة مما كشف عن انحيازها للمدعين ولمن يقف وراءهم ، علما أن القضاء في المادة المدنية لا يكون حججا للخصوم بل يبني أحكامه على الحجج المقدمة له من طرفهمquot;.

وكانت المحكمة أصدرت حكما تحضيريا يقضي بتعويضات أولية للمتهمين (المدير المسؤول و رئيس التحرير) تبلغ مائتين وخمسين ألف دينار تونسي.

لكنّ الدفاع تمسّك بضرورة تجاوز الحكم التحضيري الذي أصدرته المحكمة والقضاء بعدم سماع الدعوى لتجردها من الحجة.
ويرى متابعو الشأن العام في تونس أنّ انسحاب هيئة الدفاع ومقاطعتها لمحاكمة quot;الموقفquot; هو إيذان بفصل جديد من المعركة السياسية التي تدور رحاها بين الحزب لديمقراطي التقدمي المعارض و الحكومة التونسية منذ سنوات.

و يرى مراقبون أنّ الحزب الديمقراطي و جريدته تمكنوا من طرح ملف حرية التعبير و الإعلام بقوّة من خلال القضايا التي رفعت ضد الصحيفة ، و يقرّ مسؤولو الحزب و هيئة التحرير بانّ القضية برمتها مسيّسة و تقف وراءها الحكومة التي حرّضت ndash; حسب تصريحاتهم - شركات الزيت و القضاء لاستهداف الصحيفة خصوصا مع إعلان احمد نجيب الشابي ترشحه للانتخابات المقبلة دون الالتفات للقانون الحالي الذي لا يمنحه حق الترشح ، الأمر الذي يدفع بمتابعين إلى لإقرار بان محاكمة الموقف جزء من quot;معركة الترشحquot; التي أعلن عنها الحزب الديمقراطي التقدمي منذ سنة تقريبا.

لكن الحكومة التونسية تتشبث من جهتها بالتنصيص على أنّ quot;الموقفquot; ليست فوق القانون و تخضع له في صورة ارتكابها لتجاوزات ، و يقول صحافي يشتغل بإحدى الجرائد الحكومية أنّ quot;مسؤولي الموقف هم من يريدون تسييس القضية بعد أن فشلوا في لفت النظر إلى حزبهم و إلى مرشحهمquot;.

ويتابع الصحافي الذي رفض ذكر اسمه:quot;ليست محاكمة قضايا الزيت هي الوحيدة المرفوعة ضد quot;الموقفquot; فقد سجلت ضدها قضايا تطعن في استقلال القضاء و أخرى تتعلق بنشر أخبار زائفةquot;.

ويبدو أنّ هذا الفصل الجديد من محاكمة صحيفة quot;الموقفquot; يشير إلى تصعيد كبير بين طرفي النزاع ،خصوصا مع ما يتردّد عن طرح محتمل لمسألة استقلالية القضاء في المرحلة المقبلة التي تستعد فيها البلاد لانتخابات رئاسية و تشريعية.